من المعلا إلى معاشيق..

المجلس الانتقالي.. هل أصبح سلطة الجنوب الشرعية؟

متظاهر نوبي يرفع علم بلاده خلال تظاهرة في شارع المعلا بعدن

ماجد الشعيبي (عدن)

قراءة تحليلة في مخرجات مليونية اكتوبر، كيف يمهد المجلس الانتقالي الطريق إلى معاشيق وماهي إيجابيات ومحاذير اعلان الجمعية الوطنية ، وماهي اهم النقاط الإيجابية لافتتاح مكتب للمبعوث الدولي ،وتعليق على اهم السيناريوهات  المتوقعة لردة فعل حكومة بن دغر

تطورات المشهد في الجنوب .. اعلان جمعية وطنية يعني: انتقال سياسي نحو إدارة السلطة 

افتتاح مكتب للمبعوث الاممي يمثل: نقل مركز الوساطة من الخارج إلى العاصمة عدن

سيناريوهات المواجهة مع الحكومة يحولها:من سلطة الشرعية إلى سلطة المجلس الانتقالي

 

من يقرأ التاريخ بتمعن  يدرك  تماماً بأن الامتحان الحقيقي للثورات ليس في انتصارها على خصومها فحسب ، فتلك حتمية لا يمكن طمسها مهما طال بها الزمن أو قصر ، لكن امتحان الثورة الحقيقي يكمن لحظة تحولها إلى الدولة .

وفي الجنوب ظن الكثيرون أن انتصار الثورة تحقق بهزيمة قوات 94 مضاف إليها  جماعة الحوثي في معارك 2015، قبل أن يتضح للجميع أن انتصار الثورة العسكري  لم ولن يكتمل مالم يترجم إلى أنجاز سياسي مستدام يضمن تلبية الطموحات  ومصالح الشعب دون الانجرار إلى دورات عنف اضافية قد تضعف المقاومة الذاتية للمجتمع الذي انهكته الحروب اكثر مما انصفته .

عملياً  نجح المجلس الانتقالي في قطع نصف المسافة بترجمته عقد كامل من الحراك الثوري الاجتماعي إلى كيان سياسي بوسعه أن يقدم للناس انجازاً ملموساً بعيد عن الشعارات ..غير ان الكيان السياسي الجنوبي الوليد ما يزال حبيس الصراع الذاتي بين منطق الثورة ومنطق الدولة .

ما بلورته مليونية اكتوبر التي احتضنتها ساحة المعلا بنسختها الــ54 يأتي في سياق التحول من كيان ثوري معارض إلى كيان سياسي يملك زمام المبادرة والقدرة على تحويل شعارات الأمس إلى خطوات عملية ، وهذا ما برهنته قيادة المجلس الانتقالي التي  خلقت نواة  الدولة الجنوبية القادمة بإعلانها للجمعية الوطنية التي تمثل أعلى سلطة تشريعه في الجنوب المحرر

تحول دراماتيكي في مسار العملية الثورية والسياسية في الجنوب اليمني من شانه نقل الحراك ومقاومته إلى مصاف اخر  من  التحديات العملية المؤسسية والإدارية ، ومع هذه التحديات ستجد الكثير من القوى المنظوية تحت لواء الحراك الجنوبي والمقاومة صعوبة في تقبل تحولها من طبيعتها الثورية المعارضة  التي نشأت على اساسها  إلى شكلها الدولاتي الجديد ، كل  هذا يرجع سببه للتجريف السياسي والثقافي والمعرفي التي شهدتها الساحة الجنوبية منذ عقدين ، ما يعني ان مهمة الانتقالي لن تكون سهلة على الاطلاق 

وعلى الرغم من الصعوبات التي تقف في طريق المجلس إلا أن هناك الكثير من العوامل الإيجابية التي ستساعد قيادة المجلس على تجاوز الكثير من الصعاب أهمها الانفتاح الاقليمي والدولي على قضية الجنوب ووجود حليف استراتيجي كدولة الأمارات  يمكنها تذليل الكثير من العقبات اصعبها مأسسته القوات الجنوبية التي تشكلت عقب الحرب وإعادة تدريبها وتأهيلها وفق استراتيجية عسكرية شاملة ، وهذا ما يحدث حالياً ، فيما تصب  جهود قيادات المجلس في تشكيل باقي هيئاته.

وعلى وقع هذه التحولات يرتقب الشارع الجنوبي ترجمته طموحاته إلى حقائق عمليه ..ووحده المجلس الانتقالي يعول عليه في تحقيق غايات الحراك والمقاومة باعتباره المفوض شعبياً والممثل الشرعي للقضية الجنوبية.

 

ما بعد اعلان الجمعية الوطنية :

لم تكن ظروف اشهار المجلس الانتقالي تتسم بالسعة التي تجعله اكثر شمولية وتعبيرا عن الخارطة الجنوبية بكل تكويناتها السياسية والاجتماعية.

وبرغم المشروعية التي تحلت بها قيادة المجلس فان شرعيتها السياسية ستكون مرهونة بحالة الرضا العام التي ستترتب على تشكيل الجمعية التأسيسية بمقاعدها الـ 303.

لقد اثارت تحركات المجلس الاخيرة في ذكرى اكتوبر جملة من التساؤلات والاستنتاجات وكان من ابرز تلك النتائج التي خلص اليها مراقبوا تطور الحركة الجنوبية هو حجم النضوج السياسي الذي آلت اليه .. فبرغم ما ترافق مع فعالية الانتقالي من بروبجندا مشبوهة قالت انه سوف يصعد ثوريا ويواجه الشرعية ويعلن الانفصال .. ذهب السيد عيدروس الزبيدي الى استكمال بنيان كيانه السياسي من خلال تشكيل جمعيته التاسيسية والتي ستمثل عقل وضمير المجلس في حين يمثل عيدروس ورفاقه سلطته التنفيذية.

لكن الحديث عن "التاسيسية" باعتبارها ستمثل اعلى كيان تشريعي جنوبي اعاد السؤال الملح حول ماهية المجلس :اهي سياسية ام سلطوية؟

بمعنى هل يعد المجلس نفسه ليكون قوة سياسية بديله ام ليكون سلطة موازية.. والواضح حتى الان ان استراتيجية القيادة تقوم على المزاوجة بين النهجين وهو امر بقدر ايجابياته فان له مصاعبه التي تستحق مناقشتها اعلاميا مع قيادات المجلس.. غير ان الثابت حاليا بان التدرج السياسي لبنى وتشكيلات الحراك تندرج في خانة التطور الصحي الذي اتسم بالنضج والعقلانية.

وقد اتسعت عقلانية عيدروس وفريقه في اكتوبر لتشتمل على كل ما تطرق اليه في كلمته من رسائل سياسية لم تقتصر على الداخل فحسب  .

الزبيدي اشاد بإحاطته  المبعوث الاممي لدى اليمن امام مجلس الامن  اسماعيل ولد الشيخ  الذي اشار إلى نقطتين هامتين  وجميعها تصب في مصلحة المجلس ، النقطة الأولى المتعلقة بالقضية الجنوبية وضرورة بلورة حل سياسي شامل كجزء هام في ملف الأزمة اليمنية  والنقطة الأهم هي  تراجع نفوذ الجماعات المتطرفة وهذه قد يصح التقاطها من قبل البعض كإشارة ضمنية إلى نجاعة سلوك ابوظبي وحلفائها المحليين في مكافحة الإرهاب .

 

ومن شأن افتتاح مكتب لمبعوث الامم المتحدة إلى اليمن أن يحقق الكثير من النقاط الايجابية ، اهمها  نقل مركز الوساطة من خارج البلاد إلى العاصمة عدن ، وهذا سيكون له نتائج  ايجابية يستفيد منها المجلس الانتقالي الذي يحظى فيها باغلبية كاسحة من شانها ان تغير قناعات المبعوث الاممي ، حين يغدو على مقربة من الواقع الذي بات حافلا بلاعبين جدد يستحقون التمثيل في اي تسوية قادمة..

افتتاح مثل هذا المكتب سيدفع بالكثير من الدول و المنظمات الدولية الى اقتفاء اثر ولد الشيخ واستئناف نشاطهم الديبلوماسي والحقوقي ، مايعني استعادت المجال الدبلوماسي الذي سينعم المجلس بنسج علاقاته الدولية من خلاله عوضا عن ترحال اعضاءه في مطارات العالم ، هذا علاوة عما ستؤكده تلك الخطوة  من رسائل إيجابية حول الاستقرار الأمني الذي وصلت إليه العاصمة عدن  بعد انهاء الانقلاب وتطهير المدينة من  الإرهاب .

كل هذه المتغيرات على الساحة الدولية والدبلوماسية على وجه التحديد  يجيب ان يتعاطى معها المجلس بشكل مسؤول ويستوجب على قيادته العمل بشكل أكبر على تطوير عملها وتوسيع دائرتها الدبلوماسية وتطعيمها بالكثير من الكوادر الشابة  والمتخصصة   لكي تطلع بمهامها تجاه تمثيل الجنوب وطرح قضيته بطريقة إيجابية بما يتماشى مع واقع ومصالح شعبنا ومصالح الاقليم بشكل عام .

بن دغر وسيناريوهات المواجهة !!

من معاشيق يطمح رئيس الحكومة اليمنية أحمد بن دغر إلى التوغل أكثر في عمق الساحة الجنوبية باعتباره ان حكومته هي الشرعية والمعنية الوحيدة بالشأن الداخلي ، لتتمكن حكومته من إدارة المشهد السياسي والعسكري برمته وفق رؤيتهم الواضحة حيال اليمن الجديد التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني ، غير أن هذه الطموحات  تنفيها حقائق كثيره تتعاطى معها سياسية بن دغر بشكل سطحي وتصل احيان كثيره إلى تبني مواقف مضاده لهذه الحقائق وتجاهل هذه التغيرات ستعسر من مهمة بن دغر وتعيق مساعيه وتحول امنياته إلى سراب .

تصريحات الرجل وتحركاته الخيرة لم تخفي ملامح مشروعه  الذي جاء من أجله ، غير أن هذا المشروع واجندته لم تعد قابلة للتطبيق خصوصاً بعد الحرب الأخيرة وما فرضته من تغيرات  من شأنها افشال كل مساعي بن دغر  التي يرى فيها الشارع الجنوبي تهديداً صريحاً لكل انتصاراته وطموحاته المستقبلية ، ليأتي المجلس الانتقالي اخيراً ليترجم ردة فعل الشارع الجنوبي إلى  تصعيد سياسي وشعبي غير مسبوق ستشهده مدن الجنوب  خلال الايام القادمة ، تصعيداً من شانه أعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، وإلى معاشيق سيعود بن دغر مكبلاً كما كان وربما إلى ما هو ابعد من ذلك .

وامام التصعيد السياسي الذي تنتويه قيادة المجلس لانتقالي فإن الشرعية أمام خيارين  لا ثالث لهما الخيار الأول  هو  امتصاص الصدمة  و الدخول في  عملية التهدئة مع المجلس  وإنهاء حالة التراشق الإعلامي  .

أما الخيار الثاني والأخطر هو أن الشرعية ستأخذ الصراع الى سقف أخر  عبر  إصدار حزمة قرارات اقصائية  جديدة يكون غريمها  هذه المرة بقية مسؤوليها المنضوين في المجلس الانتقالي مثل محافظ لحج ناصر الخبجي ومحافظ الضالع فضل والجعدي  ووزير النقل مراد الحالي , أو اقالة اللواء شلال علي شايع  الذي ترددت مؤخرا أخبار إقالته خصوصا بعد عمليات المداهمة التي  استهدفت مقرات لحزب الإخوان المسلمين "الاصلاح"  والتي أسفرت عن إلقاء القبض على مجموعة من القيادات الاصلاحية .

مدير الامن كان قد اكد في تصريح نشر مؤخرا له  أن أيادي حزب الإصلاح منغمسة  في الإرهاب  وهي التصريحات التي رد عليها الحزب وناشطيه  بهجوم اعلامي كبير تضمن نشر اخبار لناشطين في حزب الاصلاح يعملون في مكتب هادي  كشفت عن توجه جاد للإطاحة باللواء شلال  علي شايع , وسيناريو كهذا ستكون له ارتداداته الكارثية سياسيا وأمنيا سواء لجهة قطع شعرة معاوية التي مازالت تربط المجلس بالحكومة أو لجهة التداعيات الأمنية المزلزلة .

وبين التهديد والتصعيد تدخل الساحة الجنوبية منعطف آخر  سيطول  أمد الأزمة السياسية بين مختلف الفرقاء ، وبالنسبة لعيدروس الزبيدي ورفاقه وحاضنتهم الشعبية ، فأن تصريحات بن دغر ماهي إلا بداية النهاية ، التي قد تعجل برئيس الحكومة  لمغادرة المشهد بشكلً مؤقت على أقل تقدير  ، في ظل الحديث المتكرر عن تسوية سياسية قد تعيد بن دغر إلى الرياض بلا عودة .

والاهم من هذا كله هو أن المجلس الانتقالي ينطلق من حيثيات ثابته وراسخه ، بعيداً عن الشرعية وحساباتها ، ما يؤهل المجلس لتطبيق سلطته كأمر واقع ، ونتائجها حتمياً ستنعكس سلبياً على الحكومة اليمنية تدريجياً لتصبح فاقدة للسلطة وللشرعية التي تقدم نفسها بهذه الصفة ، وهذا ما تبرهنه حقائق الواقع الجديد التي تسير وفق ما يطمح إليه الشارع الجنوبي .

*تحليل خاص بـ "اليوم الثامن" نشر في النسخة الورقية عدد الأربعاء