أعتبر أزمة قطر مسألة صغيرة جدا..

محمد بن سلمان: لهذه الاسباب قد تطول الحرب في اليمن

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان

العرب (لندن)

اعتبرت أوساط خليجية أن رسائل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى كل من قطر والحوثيين ومن ورائهم إيران كانت قوية وتوحي بأن الرياض ماضية في استراتيجيتها الهادفة إلى التحوّل إلى قوة اقتصادية وسياسية إقليمية ودولية وازنة، وأنها لن تتأثر في طريقها لتحقيق هذه النقلة النوعية بالأزمة مع قطر التي وصفها بالصغيرة جدا، كما أنها لن تسمح لإيران بأن تحوّل الحوثيين إلى حزب الله ثان على حدودها الجنوبية.

وأشارت هذه الأوساط إلى أن السعودية كثفت في الفترة الأخيرة من رسائل الانتقال الجديد داخليا وخارجيا، إذ تعمل على أن ترفد الإصلاح الاقتصادي بتجديد هادئ للخطاب الديني وتفكيك سيطرة الجماعات المتشددة على المنابر، وهي بذلك تقيم علاقات اقتصادية وعسكرية وازنة مع دول كبرى، ما يجعل الحديث عن تأثير قطر أمرا غير متناسب مع هذه التحولات.

وقال ولي العهد السعودي في مقابلة مع وكالة رويترز إن النزاع مع قطر لم يؤثر على الاستثمار، مشددا على أن “قطر مسألة صغيرة جدا جدا جدا”.

ويأتي هذا التصريح ليؤكد للدوحة أنها المتضرر الوحيد من المقاطعة، وأن عليها أن تبادر إلى البحث عن حل من بوابة التنازلات، والاستجابة للمطالب الثلاثة عشر المعلومة لديها، وأن توهّم إعلامها بأن المقاطعة يمكن أن تؤثر على السعودية وتقود إلى انكماش اقتصادي فيها لا يعدو أن يكون مجرد أمان قطرية لا علاقة لها بالواقع.

ويقول متابعون للشأن الخليجي إنه مع مرور الوقت سيتضاءل الاهتمام بأزمة قطر لدى السعودية والإمارات والبحرين، وأن الدول الخليجية ستبني تعاملاتها المالية والاقتصادية على قاعدة غياب قطر، ما يؤسس لعزلة طويلة للدوحة بسبب تمويل الإرهاب ورعايته، ما يعني إخراجها بشكل عملي من مجلس التعاون الخليجي حتى وإن ظلت تحتفظ بعضويته نظريا، خاصة في ظل بناء علاقات مع دول تستهدف سياساتها الخارجية الأمن القومي لدول المجلس، وبينها إيران.

وأشاروا إلى أن رهان قطر على إيران يعني آليا انخراطها في تحالف مضاد لمصالح دول مجلس التعاون وعلى رأسها السعودية التي تسعى لمنع إيران من تهديد أمنها القومي عبر التمركز في اليمن وفرض ذراع جديدة لها شبيهة بحزب الله في لبنان.

نسرين مالك: محمد بن سلمان وعدد من أفراد الأسرة المالكة جادون في التغيير

وقال الأمير محمد بن سلمان إن حرب المملكة في اليمن ستستمر لمنع حركة الحوثي المسلحة من التحول إلى جماعة حزب الله أخرى على الحدود الجنوبية للسعودية، مضيفا “سنستمر إلى أن نتأكد أنه لن يتكرر هناك حزب الله لأن اليمن أشد خطورة من لبنان”.

وشدد ولي العهد السعودي على أن موقع اليمن مهم إذ أنه “مطل على باب المندب ومن ثم إذا حدث شيء هناك فسيعني توقف عشرة في المئة من التجارة العالمية”. وأضاف “هذه هي الأزمة”.

ولفت مراقبون إلى أن تصريحات الأمير محمد بن سلمان تكشف عن استمرار السعودية في استراتيجية تحصين أمنها القومي عبر مواجهة الأدوار الإيرانية التي بات الحوثيون على رأسها، وتدعيم جهود استعادة العراق من سيطرة طهران من خلال فتح جسور مع التيارات المعتدلة في بغداد، والعمل على خلق حالة توافق دولي بالتنسيق مع الولايات الأميركية في ما يتعلق بمستقبل الملف السوري.

وأشاروا إلى أن الرياض تسعى لتوظيف صعودها متعدّد الأوجه لتفرض معادلة إقليمية تراعي وضعها الجديد، وتوجه الرسائل إلى الخصوم وإلى الدول الكبرى المعنية بأزمات المنطقة، حيث بات المسؤولون الروس يشددون في مناسبات عدة على أنهم ينسقون مع السعودية في الملف السوري، وحصل توافق إقليمي ودولي على أن تلعب الرياض دورا مهما في إعادة العراق إلى عمقه العربي بتحييد قيادات بارزة عن السيطرة الإيرانية، والمشاركة الفعالة في إعادة الإعمار، وهي ورقة مهمة في تحديد شكل العلاقة مع بغداد.

ووصفت الكاتبة البريطانية نسرين مالك ولي العهد السعودي بمروّج محنك لفكره ومحبب من وسائل الإعلام الغربية، نجح في تقديم نفسه على أنه محور التغيير منذ أمد طويل في المملكة.

وكتبت مالك في تقرير بصحيفة الغارديان البريطانية “بدا لبعض الوقت أن ولي العهد لا يقدم غير الكلمات والوعود، ولكن التعليقات الأخيرة مصحوبة بالسماح للنساء بقيادة السيارة تشير إلى أن الأمير محمد بن سلمان وعددا من أفراد الأسرة المالكة جادون في التغيير”.

وترى مالك التي سبق أن عملت في السعودية أنه “إضافة إلى ما يبدو من صدق نوايا ولي العهد في الإصلاح، توجد أيضا خلفية اقتصادية لهذه التغييرات، حيث علمت الأسرة المالكة، عبر أعوام من انخفاض أسعار النفط مُنيَ بها اقتصاد يعتمد بصورة رئيسة على النفط، أن النظام لا يمكن أن يستمر بصورته الحالية”.

وبدأ الإيرانيون يدركون أن السعودية صارت منافسا قويا لهم في الملفات التي احتكروها في سنوات سابقة، ما جعلهم يبادلون بدعوتها للحوار وتبريد الخلافات، لكن شروط السعودية ظلت واضحة للبدء بأي حوار، وأولها ملف اليمن.

وقال الخبير العسكري والاستراتيجي السعودي العميد حسن الشهري “إن عاصفة الحزم التي قامت في 2015 لتحقيق أهداف سياسية وأخرى عسكرية لا تزال مستمرة، وأنها قد تطول أكثر، وعلى رأس الأهداف السياسية إعادة الشرعية لليمن وتأمين الملاحة الدولية في بحر العرب وخليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر وبتر المشروع الإيراني في اليمن”.

وأضاف الشهري في تصريح لـ”العرب”، “لا بد أن تتحقق جميع الأهداف التي قامت من أجلها عاصفة الحزم وأن السعودية لن تسمح بقيام ميليشيات عسكرية على حدودها”، في إشارة إلى استعراض الحوثيين لميليشياتهم على حدود السعودية قبيل عاصفة الحزم وتهديد العمق السعودي.

ولفت إلى أن ما يتعلق بالتهريب ونقل التقنية لتصنيع الأسلحة وزيادة عبوات الصواريخ الباليستية من اليمن ما زال مستمرا وبالتالي العمليات العسكرية مستمرة حتى يتم القضاء على الميليشيات العسكرية الحوثية.

ويرى مراقبون أن التوقع السعودي باستمرار الحرب وما يعنيه من استعداد لذلك، سيدفع إيران واللوبيات الحقوقية والإعلامية التي تدور في فلكها، وبعضها قطري مثل قناة الجزيرة، إلى مراجعة الموقف والكف عن توهم أن الضغوط الإعلامية الممولة يمكن أن تحدث اختراقا في الموقف السعودي.

وصف الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي “التغييرات الاقتصادية والاجتماعية” التي تشهدها السعودية بأنها “تسونامي”، وذلك في مداخلة الخميس أمام مؤتمر اقتصادي في الرياض.

وقال ساركوزي أمام منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” الملتئم منذ الثلاثاء في العاصمة السعودية برعاية ولي العهد “إنها لحظة تاريخية”.

وأضاف أن “الشعب (السعودي) شاب والأمير شاب. وأن الملك وولي العهد يعملان على تغييرات اقتصادية واجتماعية في الوقت نفسه. الأمر أشبه بتسونامي”.