"اللوفر أبوظبي"

ملحمة الإنسانية ترسو في الإمارات

لوفر أبوظبي

وكالات (أبوظبي)

من الضفة الشمالية لنهر السين بالعاصمة الفرنسية باريس، يرسو متحف "اللوفر" في عاصمة الإمارات أبوظبي، ليعرض لوحة إنسانية بديعة تتقاطع عندها الحضارات الإنسانية على مرّ العصور. 

ففي جزيرة السعديات بأبوظبي، يضرب العالم، اليوم الأربعاء، موعدا تاريخيا مع الإعلان الرسمي عن ولادة متحف استعار ماركة "اللوفر"، ووثّق في مختلف أروقته أطوار ملحمة الإنسانية بمختلف تجلياتها.  

أول متحف عربي برؤية عالمية

بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعدد من قادة العالم والشخصيات الرفيعة، تدشن أبوظبي، اليوم، متحفها الذي أُنشئ في جزيرة السعديات بالإمارة، قبل يومين من فتح أبوابه للعموم.

"جوهرة معمارية" وفق مراقبين، تفتح أبوابها عقب 10 سنوات من توقيع اتفاق دولي بين الحكومتين الفرنسية والإماراتية، معلنة تجسيد حلم الأجيال بالحصول على بوابة معرفية، خاصة أن المتحف سيحتفي بالحقب التاريخية وسلسلة التطور لمجتمعات الفنون حول العالم.

البداية كانت عام 2000، حين قررت دولة الإمارات التوجه نحو المستقبل، وتغيير نمط استثماراتها نحو القوة الناعمة أو ما يعرف بـ "سوفت باور" والسياحة الدولية.

توجهٌ سرعان ما تبلور باتفاقية مع الحكومة الفرنسية في مارس/ آذار 2007، وقّعه عن الجانب الإماراتي الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان، وعن الجانب الفرنسي وزير الثقافة حينها (عهد جاك شيراك)، رينو دونديو دو فابر.

ولتكوين المجموعة الفنية وشراء الأعمال لـ "لوفر أبوظبي"، تم إنشاء 6 أو 7 لجان، كما أُنشئت وكالة المتاحف الفرنسية التي تضم 12 متحفاً فرنسياً لتوفير الاستشارات لبرامج استعارة الأعمال الفنية، وتنظيم المعارض المؤقتة والمساهمة في إنشاء مجموعة المتحف الفنية الدائمة، وتقديم الاستشارات.

وتشمل المجموعة الفنية للوفر أبوظبي 600 عمل مشتراة، ونصفها مستعارة.

"ملحمة الإنسانية" في أبوظبي

مجموعة فنية متنوعة للغاية، تشمل أعمالا فنية قديمة وحديثة، من الشرق الأوسط والغرب وحتى من إفريقيا وآسيا، صنعتها أنامل عشق أصحابها النحت والرسم وغيرها من الفنون.

وعلى غرار متحف "اللوفر" في باريس، تشكّل المجموعة ثمرة اختيار دقيق وصارم من قبل خبراء وكالة المتاحف الفرنسية.

وتضم المجموعة "كنوزا" من الفن القديم، بينها عقيق إيطالي يعود إلى القرن الخامس ميلادي، إلى جانب لوحات لأشهر فناني العالم مثل بابلو بيكاسو وسي تومبلي، وبول غوغان وغوستاف كايبوت وغيرهم.

قطع فنية تشكّل نتاج الإبداع الإنساني منذ العصور القديمة حتى اليوم، موزعة على الأجنحة الأربعة للمبنى الذي صمّمه المهندس المعماري الفرنسي الشهير جان نوفيل.

ففي ذلك المتحف الذي قالت الرئاسة الفرنسية إنّه يشكّل "همزة وصل بين الفن الغربي والشرقي"، تنتفي الحدود بجميع أنواعها، لتنصهر انفعالات الإنسانية وتختزل في قطع وتحف ولوحات.

وتحت القبة العملاقة التي تجعل لوفر أبوظبي يبدو من بعيد وكأنه قلعة ضخمة تحتمي تحت هالة عملاقة مضيئة، تستعرض الإنسانية تاريخها.

مشروع طموح أجبر فريقا علميا (يضم 15 شخصا) بإشراف جان فرانسوا شارنييه، المدير العلمي لوكالة متاحف فرنسا، على كسر الحواجز بين الحضارات، وتسليط الضوء عليها لتحريك فضول الزائر وإغرائه بالبحث والتساؤل.

كان على أعضاء الفريق سبر أغوار مجلّدات التاريخ وتصفح تفاصيلها الدقيقة التي وثّقها مؤرخون مثل هنري فوسيلون وفرناند بروديل أو مارسيل ماوس، لتسليط الضوء على التفاعل بين الثقافات.

ففي "لوفر أبوظبي"، تتعرّض الحواس جميعها إلى أقصى درجات الاستنفار، سواء رضوخا عند الاستفزاز الذي تشكّله عمارة المتحف منذ ظهوره على امتداد البصر وحتى آخر نقطة داخله، أو تلبية لفضول قاتل لاجتياز جسور الحضارات بحثا عن نقطة تقاطع أو مرسى أفكار.

رحلة مع الزمن تستعرض في مختلف مراحلها "الملحمة" الإنسانية من عصور ما قبل التاريخ حتى اليوم، في عرض أنيق لجميع الحضارات والثقافات.

إشعاع ثقافي إماراتي 

يقع المتحف في جزيرة السعديات الطبيعية بإمارة أبوظبي، وهو جزء من برنامج رئيسي لجعل العاصمة وجهة ثقافية رائدة.

محمد خليفة المبارك، رئيس مجلس إدارة هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، قال في تصريحات إعلامية، إن "لوفر أبوظبي سيلهم جيلا جديدا من القادة المفكّرين والمبدعين، للمساهمة في أمّتنا المتسامحة وسريعة التغيير".

وعلاوة على "اللوفر"، تعتزم جزيرة السعديات احتضان العديد من المشاريع الثقافية والتعليمية الهامة، بينها ما هو قيد الإنجاز.

ومن تلك المشاريع، متحف غوغنهاين أبوظبي للفن الحديث، ومتحف الشيخ زايد التاريخي الوطني، ومركز الفنون الأدائية (دار المسارح والفنون)، والمتحف البحري.

ولإنجاز هذه المشاريع، استعانت سلطات أبوظبي بخبرات كوكبة من ألمع المهندسين المعماريين في مختلف أرجاء المعمورة، مثل فرانك غيري ونورمان فوستر وزها حديد و تاداو أندو.