امتحان صعب..

قراءة: الجنوب... عجز سياسي يهدّد سير القضية

متظاهرون جنوبيون في عدن

عبدالكريم السعدي (عدن)

إنشغل أبناء الجنوب بالترويج لشخوصهم ومجالسهم ومكوناتهم، وغاصوا عميقاً في مستنقع خلافاتهم وصراعاتهم وأمعن كل طرف في الادعاء بأنه هو حامل راية الحق والآخرين متطفلون. في ظل هذا الصراع الخاص غاب الحق العام في الجنوب، وباتت القضية الرئيسية تقريباً خارج حسابات صراع أبناء الجنوب.
ومن الأسباب التي أوصلت الجنوبيون إلى هذه الحالة من التردي غياب الوعي الحقيقي بالقضية وعدالتها وغياب مبدأ مواكبة الواقع والتعاطي معه وغياب الحكمة في ظل ضجيج حملة المباخر لكل طرف.
جاءت قرارات السيد الرئيس هادي الأخيرة التي استهدفت بعض المحافظين والوزراء لتضعنا أمام حقيقة أنفسنا كجنوبيين، فالسيد هادي، سلمنا المحافظات الجنوبية المحررة كاملة منذ انتهاء الحرب فيها، ولا أعتقد أن الرجل منحنا تلك المحافظات مكرمة منه، ولكن المؤكد أن الرجل كانت له دوافعه وحساباته التي دفعته أن يفتح لنا باباً للولوج منه إلى السيطرة على تلك المحافظات، ولكننا وقفنا للأسف كثيراً على عتبة ذلك الباب، وأخذنا في تقطيع أواصر اللحمة فيما بيننا كثوار، وفيما بيننا وبين الرجل لأن البعض منا تصور حينها أن هادي إنما منحه المنصب وفتح له الباب لملكات يختص بها وليضعه وكيلاً يسلمه الجنوب فيما بعد. 

لا شك بأننا كجنوبيين أمام امتحان صعب


قضى أبناء الجنوب سنوات على رأس تلك المحافظات المحررة وفشلوا فشلاً ذريعاً، ليس فقط في تحقيق الرفاهية والعيش الكريم لأبناء هذه المحافظات، بل وأيضاً فشلوا في أن يضعوا أساساً لاجتماع أبناء الجنوب على قيادة جنوبية وطنية وموحدة وتمادى الفشل في رفقتهم، ولم يستطيعوا إقامة علاقة ندية مع الرئيس هادي كجنوبي تلزمه بدعم أهداف قضيتهم وتقربه من «الحراك الجنوبي» ولو بشكل غير مباشر!
إنطلق إخوتنا المحافظون في مضمار آخر غير ما ذكرناه، فراحوا يرسخون تواجدهم القروي والمناطقي، وانشغلوا بتثبيت أقدامهم من خلال وضع رجل مع الثورة والأخرى في حضن الشرعية، ولم يضعوا سياجاً سياسياً يحمي فلسفتهم هذه، بل تركوا الأمور للصدفة، وجاءت الصدفة بما لا تهوى أنفسهم، فكانت قرارات الرئيس الأولى التي نتج عنها تشكيل هلامي مناطقي تجاوز جغرافية الجنوب، وحوله من ست محافظات إلى ثمان محافظات وتجاوز وثائق اللجنة الفنية التي تم إعدادها لإخراج قيادة جنوبية من رحم التمثيل الوطني الجنوبي، وأصبح الجنوب أمام تدشين مرحلة تمزق جديدة.
إستمر عجزنا كثوار في الجنوب يستنسخ نفسه، فوجدنا أنفسنا أمام قرارات الأمس التي أصدرها هادي، والتي ألحقت الخلف بالسلف، ووضعتنا أمام حالة من الحيرة: هل نعزي أنفسنا على مكاسب وفرص أضعناها، أم نهنئ أنفسنا على بوادراستقلالية تحققت لنا بهذه القرارات؟ وإذا ما اعتبرنا قرارات هادي تصب في مضمار استقلاليتنا، فهل نحن مستعدون للاستفادة من هذه الاستقلالية من خلال تدعيمها بالمزيد من الاستقلالية، سواء في تعاطينا مع الرئيس هادي أو الإمارات العربية أو غيرها من القوى ومن خلال مراجعة أدواتنا السياسية وتطويرها لتواكب المتغيرات؟
لا شك بأننا كجنوبيين أمام امتحان صعب، ولن يخرجنا مما نحن فيه إلا قبولنا ببعضنا من خلال الدعوة لمؤتمر جنوبي جامع على أساس وثائق اللجنة الفنية بنسختها السليمة غير الملعوب فيها، لا يستثني ذلك المؤتمر أحداً بما في ذلك شرعية الرئيس هادي بعنصرها الجنوبي، ويقوم على أساس التمثيل الوطني للمحافظات الجنوبية وفقاً للمساحة والسكان، ونترك الفصل في الاختلاف حول المشاريع لشعب الجنوب يحدد ما يريده من خلال استفتاء شعبي ترعاه منظمات دولية محايدة، على أن تتشكل الهيئات القيادية الجنوبية من الأدنى إلى الأعلى بعيداً عن المزاجية والشطحات التي تذوقنا مرارة اعتناقنا لها كسلوك في المراحل السابقة.