عام جديد وحرب جديدة..

تحليل: حكومة بن دغر في عدن مرة أخرى.. ماذا يعني؟

الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي يتوسط رئيس الحكومة ونائبه

القسم السياسي (عدن)

نجحت الاطراف والقوى الشمالية الجنوبية في امتلاك ادوات جنوبية لمواجهة المجلس الانتقالي الجنوبي، في اعقاب تدشين الأخير عمل الجمعية الوطنية الجنوبية (البرلمان الجنوبي) من عدن لتكون المواجهة من خلال قرارات جمهورية اصدرها الرئيس اليمني عبدربه هادي اطاح من خلالها بآخر القيادات الجنوبية في الحكومة الشرعية وأبرزهم محافظ لحج ومحافظ الضالع ووزير النقل ليحل بدلا عنهم قيادات مؤتمرية وإصلاحية، الأمر الذي يقول مهتمون إنه عودة إلى تقاسم السلطة بين المؤتمر والإصلاح وإقصاء الطرف الجنوبي.

وتخوف مهتمون جنوبيون من القرارات الأخيرة التي مكنت موالين لقطر وإيران من الحكومة الشرعية في حين أقصت الجنوبيين الذين قاتلوا في صف الشرعية.

غير أن ما يجري على الارض يوحي بأن طرفا ما يريد خلط الأوراق في الجنوب او على الأقل دفع الجنوبيين نحو صدام جنوبي- جنوبي ، وحرب قد لا تبقي ولا تذر.

صدام جنوبي - جنوبي

عادت مؤخرا الحكومة اليمنية برئاسة أحمد عبيد بن دغر برفقة وزير الداخلية المعين حديثا أحمد الميسري، فيما لمحت بعض المصادر إلى أن الحكومة اليمنية تهدف من ورائها إلى إعادة السيطرة على العديد من المرافق العسكرية والأمنية التي تدين بالولاء للمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو ما يوحي باستعداد الحكومة الشرعية للدخول في مواجهة في سبيل ذلك، خاصة أنها تعد المجلس الانتقالي الجنوبي متمرداً عليها في أعقاب ازاحة أبرز المسؤولين الجنوبيين.

لكن ما يظل يشكل قلقا في عدن هو ما تلمح اليه الحكومة الشرعية "المواجهة"، في ظل دفع بعض الأطراف الاقليمية المعادية للتحالف العربي نحو الفوضى بعدن، والتي - بحسب وسائل إعلام يمنية - نجحت في انتزاع حقائب وزارية في حكومة الشرعية أبرزها وزير النقل وكذا وزير الداخلية المحسوب على الجنرال الأحمر.

هل سيتقاتل الجنوبيون فيما بينهم مرة أخرى؟

هذا السؤال الذي بات يطرح الكثير من الجنوبيين بقلق شديد، فوزير الداخلية المعين كان قد أعلن في تصريحات رسمية وقوفه بقوة ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، في حين يعبر الأخير عن ترحيبه بالميسري او غيره في وزارة الداخلية طالما وهم جنوبيون.

الميسري.. رجل هادي أم الأحمر؟

أحمد بن أحمد الميسري محافظ أبين السابق ووزير الزراعة ومؤخراً وزير الداخلية، عرف عنه بأنه رجل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في الجنوب، غير ان الحرب الأخيرة ظهر فيها الميسري مناهضا لصالح والحوثيين ومساندا للرئيس اليمني الحالي عبدربه منصور هادي.

لكن وفقا لمقربين من هادي فان الرجل يرى الميسري من ابرز المتهمين بخيانته إلى جانب محافظ عدن الأسبق عبد العزيز بن حبتور رئيس حكومة الانقلابيين، والذي زعم ان عدن سقطت بيد القوات الموالية للحوثيين، في حين ان ذلك غير صحيح.

يقول الكثير من السياسيين ان الميسري بات على علاقة وثيقة بالأحمر الذي يشغل منصب نائب الرئيس والذي اقترح ان يكون محافظا لعدن قبل ان يصل المقترح لأن يكون وزيراً للداخلية وليس محافظاً وبصلاحية أكبر.

ما هي الأجندة؟

عادت "الجمعة" إلى العاصمة الجنوبية عدن حكومة "أحمد عبيد بن دغر" برفقة عدد من الوزراء أبرزهم وزير الداخلية المعين حديثا أحمد الميسري والذي كان من قبل وزيرا للزراعة.

وقالت مصادر حكومية "إن عودة الحكومة هذه المرة هدفها تحريك المياه الراكدة والبدء في اعادة اعمار العاصمة عدن والمدن الجنوبية الأخرى، وهو ما يوحي أن دعما سعوديا قد قدم للحكومة التي عادت لمواصلة عملها من مدينة عدن".

وقال مصدر آخر "إن وزراء آخرين من الحكومة ذهبوا إلى مأرب، فيما آخرون سيذهبون إلى تعز لممارسة اعمالهم من هناك، في حين تبقى وزراء في الخارج أبرزهم وزير الخارجية عبدالملك المخلافي ووزير النقل المعين حديثاً صالح الجبواني الذي اثار قرار تعيينه جدلاً واسعاً على خلفية هجومه المتواصل على التحالف العربي ودولة الإمارات العربية المتحدة تحديداً.

وأكد مصدر إعلامي مقرب من حكومة بن دغر ان سكرتير رئيس الحكومة أبلغهم بأن عملا واسعا يطلب منهم القيام به في عدن، دون ان يعرف ما هو ذلك العمل.

وكشف مصدر عسكري في عدن عن "أن وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري سوف يترأس اجتماعا عسكريا وأمنيا في قيادة المنطقة العسكرية، وذلك لمناقشة الخطة الأمنية والعسكرية المزمع تنفيذها خلال الشهر الأول من العام المقبل 2018م".

ويبدو أن الحكومة اليمنية عادت هذه المرة أكثر حماسا من عودات سابقة، فقد غادرت عدن على خلفية الأزمة التي نشبت بين محافظ العاصمة المستقيل عبدالعزيز المفلحي وأحمد بن دغر، حيث اتهم الأول الأخير بنهب إيرادات العاصمة عدن، وهي الأزمة التي لم تحل إلى اليوم، فيما لم يتم معرفة مصير قرار الاستقالة الذي تقدم به المفلحي للرئيس هادي.

وألمحت الحكومة اليمنية إلى أن مهمتها القادمة استعادة السيطرة على الكثير من المرافق التي يديرها جنوبيون وذلك لمنع وقوع الانفصال، حيث زعمت وسائل إعلام موالية للحكومة أن وزير الداخلية الجديد توعد بحل قوات الحزام الأمني المتخصصة في مكافحة الإرهاب وكذا قوات النخبة في شبوة وحضرموت، دون ان يتم التأكيد من مصدر هذه المعلومات، غير أن مصادر أمنية في عدن أكدت أن إجراءات يعتزم الوزير الجديد اتخاذها من بينها تقليص مهام مدير شرطة عدن اللواء شلال علي شائع تمهيدا لإقالته.

واطاح الرئيس هادي بقيادات جنوبية محسوبة على الحراك الجنوبي كان آخرها قرار الاطاحة بثلاثة من أبرز قادة الحراك والمجلس الانتقالي ومهم ناصر الخبجي وفضل الجعدي ومراد الحالمي، وهو ما اعتبرته قيادات جنوبية إعلان عن نهاية الشراكة بين الحكومة اليمنية والجنوبيين.

وتقول حكومة بن دغر إنها لن تسمح بحدوث انفصال الجنوب، وهو ما يعني انها قد تحضر لمواجهة مسلحة مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي فوضه شعب الجنوب في تظاهرة جماهيرية في الرابع من شهر مايو 2017م أثناء قيام فعالية جنوبية حاشدة في العاصمة عدن ، دعت إليها القوى السياسية الفاعلة بالساحة الجنوبية، وصدر عنها بيان سياسي أطلق عليه (إعلان عدن التاريخي) ،والذي بموجبه أعلن عن تفويض شعبي لحاكم عدن السابق اللواء (الزبيدي) بتشكيل قيادة جنوبية برئاسته لإدارة شؤون مناطق جنوب اليمن .

لا يبدو أن الحكومة اليمنية يهمها استعادة صنعاء من الحوثيين، بل تقول مصادر حكومية انها تريد في الأول استعادة السيطرة على عدن التي حررها الجنوبيون ويرفضون تسليمها للحكومة الشرعية.

وتشير مصادر مقربة من الحكومة إلى أن بن دغر توعد بالانتقام على افشال فعالية عسكرية كانت الحكومة اليمنية تحضر لها في صلاح الدين بالبريقة في 30 نوفمبر الماضي، قبل ان ترفض المقاومة الجنوبية ذلك وتتصدى للقوات العسكرية الموالية لـ(بن دغر) في اشتباكات خلفت قتلى وجرحى اغلبهم مدنيون.

وتناهض اطراف في الحكومة اليمنية التحالف العربي والجنوبيين، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، فيما تقول وسائل إعلام يمنية إن قطر باتت تمتلك ادواتها في الحكومة الشرعية.

وتقاطع دول التحالف العربي الدوحة على خلفية تقاربها من النظام الإيراني وتمردها على الاجماع الخليجي، غير انها استطاعت ان تخترق الحكومة الشرعية وتناوئ دول التحالف العربي من أعلى هرم السلطة التي يقاتل التحالف العربي لعودتها إلى صنعاء.

إن اجندة الحكومة اليمنية خلال العام المقبل السيطرة على عدن واقصاء الاطراف الجنوبية التي تطالب بالاستقلال او استعادة الدولة السابقة، وهو ما يعني الدخول في مواجهة عسكرية، قد يستفيد منها الحوثيون ان حصلت، خاصة في ظل تكاتف جميع القوى اليمنية لاستعادة صنعاء والمدن اليمنية الأخرى التي يحتلها الموالون لإيران.

ارباك المشهد جنوبا قد يستفيد منه الحوثيون بشكل كبير، فهم يراهنون على خلافات الشرعية مع الاطراف الداعمة للتحالف العربي، واي مناوشات في عدن، قد تدفع قوات جنوبية محسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الانسحاب من الجبهات التي تقاتل فيها والعودة إلى عدن، وترك تلك المواقع للحوثيين، الأمر الذي يعني اطالة أمد الصراع والحرب واستنزاف التحالف العربي بقيادة السعودية، وربما خسارة الحرب ضد حلفاء إيران في اليمن.

سعي لإعادة ادوات الماضي

يقول سياسيون يمنيون إن قرارات الرئيس هادي هي تدوير لأدوات الماضي، وهي محاصصة بين قوى الفساد اليمنية المعروفة.

لكن ما يمكن الحديث فيه هو اعادة تصدير شخوص يقف بعضهم في وجه القوى الجنوبية التي تطالب بالاستقلال وهي القوى الفعالة الأمر الذي قد يوتر الوضع بشكل كبير وهو ما قد يؤدي إلى حدوث مواجهات مسلحة خاصة أن تصريحات تطلق عبر إعلام الإخوان بإحراق الجنوب وأهله – كما جاء في تصريحات للسياسي اليمني عبدالباقي شمسان-.

ماذا لو نجحت الشرعية في تفجير صراع داخلي في الجنوب ومن المستفيد؟

لا شك أن إيران وقطر والحوثيين هم المستفيدون الوحيدون من اي صدام مسلح في عدن إن حصل، وهو ما يعني ان الشرعية قد تدخل التحالف العربي في متاهة جديدة منهكة للجميع.

وبحسب مزاعم إعلامية فإن وزير الداخلية الجديد قد لمح إلى انه سوف يتصدى لكل من يناهض مشروع الدولة الاتحادية التي اقرها الرئيس هادي والقوى المتحالفة معه، ما يعني ان القوى الجنوبية التي تطالب بالاستقلال قد تكون مهمة الوزير الجديد والقوى التي تقف خلفه.

لا يختلف اثنان في أن المصالح السياسية لقوى الشمال هي من جعلتها تتمسك بالوحدة اليمنية التي يقول جنوبيون إنها لم تعد سوى وحدة مصالح، لكن رهان الأطراف الشمالية على اطراف جنوبية لكسب معركة يحضر لها في عدن، قد يتسبب بشرخ في النسيج الاجتماعي الجنوبي وقد يضرب مقومات التصالح والتسامح الجنوبي، وهو ما يعني ان القوى الشمالية قد تجد المهمة سهلة للسيطرة على الجنوب مرة أخرى وضرب اي توافق جنوبي - جنوبي.

إن اي صراع في عدن قد يضع مكاسب الجنوبيين في مهب الرحيل، فالانتصار الذي تحقق على قوى الشمال المتحالفة مع الحوثيين، قد يخسره الجنوبيون ان لم يعوا ذلك ويجتمعوا على كلمة سواء لمواجهة التحديات التي تحيق بقضيتهم.

فالجنوب الذي يرى جنوبيون انه بات بأيديهم قد يضيع في ظل اصرار الرئيس هادي في السير على نهج الرئيس البيض الذي سلم الجنوب بكل مقدراته للشمال، فهل يسعى هادي لتمليك الجنوب للشماليين مرة أخرى؟

هذا السؤال الذي يفترض على الجنوبيين الاجابة عليه وخاصة القوى التي تسير خلف مشروع الاقاليم الستة، والاجابة المحتملة على هذا السؤال تكمن في ان السير في مشروع الاقليم الستة بالادعاء انه "الممكن من الاستقلال المستحيل"، هو ضرب لمشروعية القضية الجنوبية بأبعادها السياسية، وهي الدولة التي دخلت في شراكة انتهت بالانقلاب عليه في حرب 94م الغاشمة.

والقبول بالأقاليم الستة هو اقرار بأن الجنوب جزء من اليمن الشمالي، وليس دولة كان لها كيانها السياسي والحدود الجغرافية.

 2018م، عام جديد ومؤشرات حرب جديدة، تحضر في عدن، إن لم يتدارك الجنوبيون الأمر ويسعوا نحو توافق جنوبي هدفه على الاقل تأجيل الخلافات إلى مرحلة اتضاح المشهد السياسي الاقليمي والدولي اولا بدلا من السير خلف الدعوات المناطقية التي يراد من خلالها ان يقتتل الجنوبيون فيما بينهم.