آثار فوضى الدوحة..

قطر تدفع للتخريب والسعودية تدفع لترميم

قطر والإرهاب

أسعد البصري (لندن)
حين انطلق الربيع العربي بعد أن أحرق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه بتاريخ 17 ديسمبر(كانون الأول) عام 2010، كان لهذه الموجة من الاحتجاجات تأثير كبير على كل الدول العربية باستثناء دولة واحدة هي قطر، التي لم تكن راضية عن حجمها ومكانتها ضمن المنطقة الخليجية والإقليمية، وحتى على المستوى الدولي، وتبحث عن فرصة للتمرد على وضعها.

اعتقدت الدوحة أن في الربيع العربي فرصة لتكبر وتتمدد عبر الاستثمار في تلك الأحداث، إعلامياً وسياسياً واقتصادياً، لتمكين جماعاتها، على رأسهم جماعة الإخوان المسلمون الإرهابية، ودعمها للوصول إلى السلطة في دول مثل مصر وتونس وليبيا، ففي حال تحقق ذلك وتمكن الإخوان من السلطة، فإن الحاكم الفعلي سيكون النظام القطري.

وتحقق الحلم، لكن لم يتطلب الأمر كثيراً حتى انهار هذا الإنجاز وبانت الحقائق وانكشف بالدليل كيف أن قطر، ومن ورائها الإخوان، حاولوا، ومازالوا، بناء قوتهم على حساب أمن المنطقة واستقرار الحلفاء والأشقاء الخليجيين والعرب وأيضاً على حساب الدول الغربية التي فتحت يوماً ما أبوابها للإخوان الباحثين عن ملجأ ومنحت قطر فرصاً استثمارية ضخمة.

وبدأت الشكوك حول نوايا قطر منذ ظهور تسجيل لوالدة البوعزيزي وهي تتحدث عن انتحار ابنها التونسي بسبب الفقر والحرمان، وصل هذا التسجيل إلى مئات الآلاف من الناس خلال دقائق وهو بنظر الكثيرين السبب باشتعال الربيع العربي، وتلقفته قناة الجزيرة في زمن هتف فيه المتظاهرون العرب باسمها.

ومع تصاعد الأحداث بين عامي 2013 و2014 شعرت دول مجلس التعاون الخليجي بالضيق من دولة خليجية تحاول الترويج للجماعات الإسلامية وتقديمها كخيار مقبول للعالم، وكان أكثر ما أثار حفيظة دول مجلس التعاون هو أن قطر وبعد يوم واحد فقط من استقالة الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك قامت بفتح قناة "الجزيرة مباشر" المصرية وهي بمثابة مشروع للتبشير بالإخوان المسلمين، لهذا لم تتردد مصر بإغلاق قناة الجزيرة عام 2013 وتطور ذلك القرار ليصبح قطعاً للعلاقات بين الدولتين قطر ومصر.

وفي حالة ليبيا لم تتردد قطر لحظة واحدة في تشكيل المعارضة بعد الاقتراح الفرنسي بحظر الطيران الليبي، وشرعت في مساعدتها بالحصول على السلاح وتهريب النفط الليبي، ممّا شكل طبقة سياسية ليبية ثرية مرتبطة بالدوحة.

وكان الدور القطري في سوريا مأساوياً، بدءاً من تقديم مقعد سوريا في الجامعة العربية إلى المعارضة، إلى الدعوة لفرض حصار على دمشق، إلى تقديم مفاتيح السفارة السورية في الدوحة للمتمردين عام 2013، ورغم أن المساهمة القطرية بالسلاح إلى سوريا لم تكن بحجم ولا بسرعة دورها في ليبيا، لكن بعد 18 شهراً من الأحداث لم تتردد قطر في إيصال الأسلحة الخفيفة ودفع مبالغ طائلة للجماعات الإسلامية بهدف إسقاط نظام بشار الأسد.

وأما في حالة مصر فالكل استغرب من اضطرار المملكة العربية السعودية إلى تقديم مساعدات بمقدار 35 مليار دولار دعماً لحكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وينسى هؤلاء أن مجموعة الودائع والمشاريع والمنح التي قدمتها قطر لحكومة الرئيس الإخواني محمد مرسي كانت بمقدار 40 مليار دولار، وهذا ما سبّب غضب السعودية، فلاستعادة مصر وحدها كان عليها تحمّل فاتورة اقتصادية عالية جداً.

وأثّر الدور القطري كثيراً على سياسة الدوحة الخارجية، فقد انتقلت من وسيط إلى طرف يقود ويحرّض ويتحكم في الأحداث ويعقد الصفقات مع الإرهابيين، وكان ثمن هذا الدور، الذي غير البلاد جوهرياً، غالياً خصوصاً بعد أن خسرت الدوحة سمعتها السابقة كدولة محايدة.

ولم تمتلك قطر مؤسسات ضخمة وعريقة تمكنها من الفصل بين خياراتها في عملية التحريض ضد الدول العربية، ما جعلها تتورط في دعم جماعات إسلامية مصنفة على أنها إرهابية، كل هذا أدى في النهاية إلى أزمة وعاصفة من الغضب داخل مجلس التعاون الخليجي.

وقطر أضافت همّاً كبيراً على السعودية بدعم الربيع العربي والجماعات الإسلامية، في وقت كانت فيه إيران، حليفة قطر، تسيطر على عاصمتين عربيتين هما بغداد وبيروت، وتحرك من وقت لآخر خلاياها النائمة في البحرين، وتبحث عن أصغر ثغرة تمر منها لباقي المنطقة، لتنفيذ مخطط قديم يسبق فوضى احتلال العراق والربيع العربي وكل ما تمر به المنطقة اليوم، وهو مخطط "الهلال الشيعي" الذي حذّر منه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني منذ سنة 2004، والذي فرض صراعاً وجودياً في المنطقة، تقوده السعودية، ضد إيران.

والحرب العسكرية في اليمن، أحد أوجه هذا الصراع، الذي يكلف السعودية الكثير، ومع ذلك تتمسك به الرياض لأنه لا يمكن الخروج من دون تحقيق الهدف وهو طرد الحوثيين من صنعاء، والرياض غير مرتاحة لمعاناة المدنيين اليمنيين، لكن التهديد الحوثي لأمن السعودية والمنطقة ولأمن الملاحة عبر باب المندب حيث تمر معظم الصادرات النفطية، يفرض خيار الحرب لحل المِحنة اليمنية في ظل استحالة الحل السلمي.

ويبدو تصرف قطر غير واضح ومستغرباً لدى بعض الأصدقاء الأجانب الذين يتساءلون عن دوافعها لدعم الجماعات الإسلامية وزعزعة الشرق الأوسط، وهي دولة غنية وتبدو مستقرة اجتماعياً وتحظى بنظام تعليم إنجليزي، والمرأة تحظى فيها بحقوق كاملة، وليس عندها أي مطالب ومشاكل، وكذلك لدى قطر قاعدة عسكرية أمريكية مهمة (قاعدة الحميميم) وتسعى إلى ترسيخ الاعتماد على الولايات المتحدة، خصوصاً وأن الغاز القطري الذي هو مصدر ثروتها الوطنية تديره شركة أمريكية مثل إكسون موبيل. 

ولاحظ كذلك المراقبون أن قطر تسعى إلى تحقيق علاقات متوازنة مع أطراف متنازعة كإسرائيل وإيران، واحترمت دول الجوار في السابق هذه العلاقة باعتبارها مصلحة قطرية، قبل أن يتبيّن أن هذه المصلحة جاءت على حساب أمنها واستقرار مجتمعاتها.

ولا يمكن تقديم إجابة واضحة مقنعة لأسئلة هؤلاء الأصدقاء، حول البراغماتية القطرية المخرّبة، ففي حالة سوريا مثلاً لم تفلح الاحتجاجات بإسقاط الأسد، كما لم تنجح الجماعات المسلحة المعتدلة بإسقاطه، وسكوت الولايات المتحدة عن دعم قطر لجبهة النصرة تصرف أناني، فجبهة النصرة حركة متطرفة سورية وليس لها أي نشاط خارج سوريا، كما أن قطر تبالغ حين تتخذ من التفاوض الذي جرى بين الحكومة البريطانية والجيش الإيرلندي الإرهابي مثالاً لأهمية التفاوض مع المتطرفين لغرض تحويلهم إلى معتدلين لدخول الحياة السياسية.

والنتيجة أن قطر اليوم تعيش عزلة كبيرة في العالم العربي، فمنفذها البري الوحيد هو السعودية وهي الدولة التي تقود مقاطعة برية وبحرية وجوية عليها، وتراجع اهتمام العرب بقناة الجزيرة التي انكشف تآمرها وتحريضها، ولم تعد الناس تتفاعل مع نشراتها الإخبارية ولا مع برامجها، لكن في المقابل، اضطرت السعودية إلى دفع الكثير من الأموال لمواجهة المشروع القطري وترميم آثاره السلبية ووقف المشاريع المتطرفة التي تهدد استقرار دول المنطقة.