توثيق الانتهاكات صوتا وصورة..

"نيو ميديا" تهزم إعلام "الملالي"

تغطية المظاهرات بالوسائل الحديثة لكشف كذب النظام الإيراني

وكالات (أبوظبي)

تلعب الدعاية الموجهة، خاصة أوقات الحروب والأزمات، في الدول القمعية، مثل إيران، دوراً مهماً في بث أفكار لتدعيم النظم الحاكمة أو لتشويه صورة الآخر، ما يطلق عليه "البروباجاندا".

هذا ما يتبعه نظام "الملالي" لإنقاذ نفسه أمام الانتفاضة الشعبية، معتمدا على تشويه صورة المتظاهرين، عبر وسائل الإعلام التابعة لهم.

ورصد محللون متخصصون في أساليب الدعاية السياسية، لصحيفة "لوموند" الفرنسية، تلك الأساليب، مؤكدين في الوقت نفسه أنه "نيو ميديا" هزمت إعلام "الملالي" بتوثيق جرائمه بالصوت والصورة. 

    وكشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية، في تقرير لها، عن أن "وسائل الإعلام التقليدية في طهران، التابعة للدولة، ومليشيا الحرس الثوري، تحاول تزييف حقائق الانتفاضة الشعبية، ولنزع الشرعية من المقاومة الإيرانية، مدعية أنها سيطرت على الأوضاع، وبث رسائل مجهولة المصدر لتخوين المتظاهرين"، إلا أن وسائل الإعلام الحديثة، فضحت تضليلهم.

    وأوضحت الصحيفة أنه "خلال يومين، ما بين 29 إلى 30 ديسمبر/كانون الأول، لم يتفاعل التلفزيون الرسمي الإيراني، مع موجة الاحتجاجات، التي ضربت أنحاء إيران، وفضت تغطية الأحداث، منصاعاً لأوامر الملالي".

    ولفتت الصحيفة إلى أنه على الرغم من ذلك التعتيم الإعلامي، فإن الإيرانيين لجأوا إلى وسائل إعلام متقدمة ليعلموا العالم بدء ثورتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، بما في ذلك تقنية "التلجرام"، للمراسلة الفورية، التي تحظى بشعبية كبيرة في البلاد، ولها إمكانيات واسعة وتصل لأبعد نطاق، حيث تسمح للمعارضين للنظام الإيراني المنفيين خارج البلاد، باستقبال تلك الرسائل، والتفاعل مع المتظاهرين.

    ونقلت الصحيفة عن المدير الشاب لرابطة "بيت المصورين الإيرانيين في طهران"، إحسان باجريان، وهو جهاز دعاية تابع للفصائل السياسية المحافظة، قوله إن "وسائل الإعلام التابعة للملالي هي نفسها تتفاعل دائماً بصورة متأخرة بطريقة ناقصة ومنحازة لا تعرض الصورة الحقيقية للوضع".

    وأشار الشاب، إلى أنه "يتابع تغطية وسائل الإعلام الإيرانية التابعة للنظام، عن كثب"، موضحاً أنه على الرغم من ذلك التعتيم الإعلامي، فإن الشباب الإيراني كسر تلك القيود، في 30 ديسمبر/كانون الأول، وتخلى عن منطق الرقابة على الوسائل التقليدية، واتجه إلى وسائل الإعلام الحديثة "نيو ميديا" التي أظهرت قوة غير مسبوقة، مما أدى إلى إغراق الشبكات الاجتماعية برسائلها الخاصة التي فرضت نفسها في الفضاء العام لإيران.

    "بروباجندا" الملالي

    في المقابل، تطرق محمد رضا باجري، منتج برنامج يومي على قناة Ofogh TV الإيرانية، إلى إشكالية "أساليب الدعاية التي يتعبها نظام الملالي"، قائلاً: "منذ أشهر تقريباً قمنا بالفعل بتغطية احتجاجات صغيرة خرجت ضد ارتفاع الأسعار والأوضاع المعيشية السيئة، في جميع أنحاء إيران".

    ومحطة Ofogh TV تأسست عام 2014، حاضرة بشكل قوي على الساحة الإعلامية، خاصة على شبكة الإنترنت، كما أنها مفتوحة لجميع الآراء تجتذب قاعدة كبيرة من الشباب، وتنتج أشرطة فيديو قادرة على التأثير.

    وأشارت الصحيفة إلى أن ما يؤخذ على محطة Ofogh لكونها مسيّسة، تركز أساساً على وصف حكومة حسن روحاني بـ"المعتدلة"، كما أن القناه لم تذكر طوال تغطيتها للمظاهرات، أي شعارات تنادي بسقوط النظام أو أي انتقادات للمرشد الأعلى علي خامنئي.

    في هذا الشأن، عاد باجري قائلاً: "لقد حرصنا في تغطية المظاهرات، على توصيل صورة المتظاهرين، الذين لديهم مطالب سياسية، بإظهارهم من مثيري الفوضى والاضطرابات وتدمير المباني العامة".

    كانت محطة Ofogh مثل العديد من المحطات الإيرانية، التي تبث مقاطع للمتظاهرين، وتصويرهم، كمثيري الفوضى والشغب، حيث ظهرت مقاطع، تشير إلى متظاهرين، يسرقون شاحنة إطفاء، وآخرين قتلوا زوجين، وطفلهما في مدينة دورود (غرب).

    وأشار باجري إلى أن "وسائل الإعلام الإيرانية، ركزت على إبراز المتظاهرين الذين حرقوا العلم الإيراني، وإيهام الشعب الإيراني بفرض فكرة أن إيران قد "تتحول إلى سوريا جديدة" وتغرق في الحرب الأهلية، إذا تواصلت الاحتجاجات، وتم بث تلك الأفكار في الطبقات الوسطى بالمدن الكبيرة، كوسيلة لتخفيف حدة المظاهرات".

    استراتيجية الإعلام الموجه لصالح الملالي باللغات المختلفة

    بدوره، قال المحلل السياسي الإيراني وباحث في جامعة باريس، أحمد سلاماتيان، قوله إن "هذه الانتصارات للدعاية الإيرانية الجديدة هي ثمرة جهد طويل الأمد"، موضحاً "أن هذه الاستراتيجية في الدعاية، يتبعها النظام الإيراني منذ اندلاع احتجاجات 2009، التي خرجت ضد إعادة انتخاب رئيس محمود أحمدي نجاد، حيث بثت السلطات عبر وسائل الإعلام فكرة "الثورة المخملية المدعومة من الخارج، من الولايات المتحدة لقلب النظام".

    وأضاف سلاماتيان أن "النظام الإيراني منذ ذلك الحين، أعطى الضوء الأخضر لوسائل الإعلام لبث تلك الأفكار، وذلك بعمل برامج تدريبية للمديرين التنفيذيين للتدريب على وسائل الإعلام الحديثة التي تستهدف الجمهور الأجنبي، وإنشاء قنوات ناطقة باللغتين الإنجليزية والعربية، لتكون منصات الإعلام الإيراني الموجه لصالح الملالي".

    وطرح المحلل السياسي أمثلة على تلك المنصات "برس T.V"، و"العالم" والمحطة اللبنانية "الميادين"، التي أعطتها السلطات الإيرانية الدعم الكافي للتطور والبث عبر شبكة الإنترنت للتأثير على أكبر عدد من المستهدفين.

    بدورها، أشارت الباحثة المتخصصة في شبكات الدعاية الإيرانية في جامعة "براون" بالولايات المتحدة إلى أن مليشيا الحرس الثوري يحشدون من جهة أخرى لبث رسائل مجهولة المصدر عبر وسائل إعلام مستقلة، وعلى مواقع الإنترنت، لنشر تلك الأفكار وتخوين المتظاهرين.