طقوس تتوارثها الأجيال..

القهوة العربية سيدة مجالس العمانيين في كل المناسبات

تعتبر القهوة عند العُمانيين من الأساسيات المرتبطة بحياتهم الاجتماعية ارتباطا وثيقا

العرب (لندن)

تقديم القهوة هو أحد الجوانب الأساسية والمهمة في الضيافة لدى المجتمعات العربية بشكل عام والمجتمع العماني بشكل خاص حيث ينتشر إعداد القهوة وشربها بين الرجال والنساء، ويتمتع الناس من مختلف شرائح المجتمع بتقديمها في المناسبات الاجتماعية واللقاءات العائلية والمجالس العامة والبيوت والأسواق والمقاهي وغيرها من الأماكن التقليدية.

ولا تزال القهوة عند العُمانيين عنوانا للأصالة والكرم ومرادفة لحسن الضيافة والقيم الأصيلة وهي تراث عميق ارتبط بالعماني في حله وترحاله وغناه وفقره وأفراحه وأتراحه، بل تعد القهوة عند الكثير منهم مفتاح نهارهم وراحة منتصفه وجليسة رواحهم، وهي بطقوسها عادة لها احترامها تتوارثها الأجيال ويحافظ عليها ويتعلمها الأبناء في مجالس آبائهم وعائلاتهم وقبيلتهم، وفي طريقة إعدادها تفرّد يختلف من بلد إلى آخر، وللقهوة العمانية مذاقها الخاص وقواعدها وأسلوبها ودونها كأن الضيف لم يتم استقباله ولم يقدم له واجب الضيافة.

يقول إبراهيم بني عرابة “لأهميتها باعتبارها جزءا من التراث الثقافي وحرص أفراد المجتمع على تواجدها ضمن ممارساتهم اليومية والحفاظ على طرق تحضيرها وتوارث عاداتها وتقاليدها، أقرت اللجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي باليونيسكو تسجيل القهوة العربية في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونيسكو ضمن ملف مشترك تقدمت به السلطنة ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة قطر عام 2015″.

وصُنِّفَت القهوة عنصرا من عناصر التراث الثقافي غير المادي ضمن الممارسات الاجتماعية والطقوس والأحداث الاحتفالية، كما أنها ترتبط بمجال الحرف التقليدية من خلال مجموعة من الأدوات المستخدمة لإعداد وتقديم القهوة، بالإضافة إلى ارتباطها بالتقاليد الشفوية وأشكال التعبير نظرا للروايات والقصص التي ترافق تحضير هذا المشروب وتناوله.

وكانت عملية تحضير القهوة تُجرى أمام الضيوف في المجالس حيث يتم وضع حبوب البن -التي تجلب من مناطق مختلفة من دول العالم مثل اليمن وأثيوبيا وسريلانكا والهند والبرازيل وغيرها- في مقلاة (محماس) كبيرة من الحديد المسطح، ويتم تحميصها برفق على النار بدرجات متفاوتة حسب النكهة المطلوبة وذلك بتحريكها بطريقة معينة باستخدام أداة حديدية أو خشبية صغيرة مع نهاية مدورة أو مربعة، ثم يتم وضع حبوب البن في “الموقعة” وهي من الخشب أو المعادن في شكل دائري مقعر من الداخل وتطحن بواسطة “هاون” أو مدق معدني لتصبح ناعمة.

إذا لم تقدم للضيف لم يقدم له واجب الضيافة

يضاف البن المطحون بقدر معلوم إلى الماء المغلى في وعاء نحاسي على النار مدة دقائق معدودة يقدرها صانعها ثم يسكب في وعاء القهوة الذي يسمى “دلة” وهي الأداة التي تُحفَظ فيها القهوة ساخنةً، لتسكب بعد ذلك في فناجين ليتم تقديمها إلى الضيوف، حيث يكون طعم القهوة العربية قليل المرارة، ويضاف إليها في أحيان كثيرة الهيل أو الزعفران أو ماء الورد أو بعض التوابل مثل القرنفل، وتكون غالبا مصحوبة بالتمر أو الحلوى.

وفي محافظات السلطنة يتم تقديم القهوة بعد أن يتبادل المضيف والضيف سؤالا قصيرا عن الأخبار التي يمكن أن يكون قد أتى بها الضيف أو يعرفها المضيف، وعادة ما تكون الإجابة من الطرفين مطَمْئنَة، بها من الثناء والحمد الكثير، ثم يتم تقديم ما تيسر من التمر أو الحلوى أو الفواكه والحلويات قبل شرب القهوة.

ويقول حمد بن محمد الفارسي من محافظة جنوب الشرقية “عندما يأتي دور تقديم القهوة فإنها تخضع لتقاليد دقيقة أشبه ما تكون بالقوانين تحكم المضيف والضيف معا، ولا يجوز الإخلال بها، ولهذا تراعى فيها كل المعايير والنظم والتقاليد والآداب الاجتماعية المتوارثة التي يحترمها الجميع ويحرص العمانيون والعرب بشكل عام على ترسيخها في نفوس أبنائهم وتعليمها لهم وتتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل، وذلك من خلال مجالسهم التي تكون القهوة حاضرة فيها دائما”.

ويضيف الفارسي “عند تقديمها للضيف يجب أن تكون ساخنة صافية في دلتها، ويكون ‘المقهوي’ -وهو من يقدمها- من أبناء المضيف أو أحد أقربائه ممن لديه خبرة في عادات تقديمها أو المضيف نفسه، ويجب على المقهوي أن يعرف مكان وقوفه أمام الضيف، ولا يحجب الرؤية عنه، ويعرف لمن يقدمها من الجالسين أولا حسب أصولها، حيث يمسك الدلة باليد اليسرى والفناجين على راحة اليد اليمنى مع وضع الفنجان الأول الذي ستصب فيه القهوة بين أصابع الإبهام والسبابة والوسطى ليسهل على الضيف تناوله والإمساك به، وينحني المقهوي قليلا ليصبح الفنجان أدنى من صدر الضيف وفي متناول يده، وتكون كمية القهوة المقدمة لا تتجاوز رشفتين صغيرتين أو ثلاث رشفات بحيث تغطي كمية القهوة قاع الفنجان بارتفاع بسيط، ويجب على المقهوي ألا يتوقف عن صب القهوة للضيف حتى تصدر منه إشارة الانتهاء وهي إما بنطق لفظ وإما بهز الفنجان بيده اليمنى للمقهوي الذي يجب عليه أن يحرص على الضيف بأن يطلب منه زيادة شرب فنجان آخر إكراما له، وإن أبى ابتعد المقهوي”.

على المقهوي أن يعرف مكان وقوفه أمام الضيف

وأوضح أن على الضيف أيضا واجبات؛ فمن الأعراف المتبعة أن يتناول القهوة باليد اليمنى وهو جالس باحترام، والتصرف بغير ذلك مخالف لآداب الضيافة العمانية، كما على الضيف ألا ينشغل بالحديث ويترك المقهوي واقفا لفترة طويلة، وعليه أن يعيد الفنجان إلى المقهوي بحيث لا يضعه في مكان ما بعد الانتهاء من شرب القهوة.

ويقول الفارسي “في الوقت الحاضر تطورت طرق إعداد القهوة بدخول الأجهزة والأدوات الحديثة إلى المنازل واختلفت أدواتها، وأصبحت تباع جاهزة في المحلات التجارية، وبقيت عاداتها العريقة وفنون إعدادها وسنن تقديمها راسخة في المجتمع العماني، وأصبح الضيف لا يسمع صوت دق حبوب البن أو رائحتها عند تحميسها، وإنما تقدم إليه جاهزة في أي وقت”.

وإثر سؤال عمن لهم أولويّة الحصول على الفنجان الأول عند تقديم القهوة أجاب الفارسي بقوله “إنها تقدم أولا للضيف إذا كان رجلا واحدا، أما إذا كان هناك أكثر من شخص فإنها تقدم أولا إلى من يتقدمهم دخولا ويتصدرهم مجلسا ومكانة، أو إلى الأكبر سنا وتدار بعد ذلك يمينا، أو يسارا حسب مكانة وكبر سن الضيوف، ثم تعود يمينا، وعندما يتم تقديم القهوة يتبادلون لفظا وحركة أفضلية التقديم ويبجلون بعضهم البعض بشأن من يشربها أولا حتى تستقر عند من له الأولوية في تناول الفنجان الأول، ثم بعد ذلك تدار يمينا، وإذا دخل بعد الانتهاء من تقديمها ضيف جديد فإنها تقدم له أينما كان مجلسه”.

ولا تزال القهوة عند العُمانيين عنوانا للأصالة والكرم وهي تراث عميق ارتبط بالإنسان العربي في كل المناسبات، وهي بطقوسها عادة لها احترامها الذي ما زالت تحتفظ به الأجيال الجديدة.