(اليوم الثامن) تبحث جذور الأزمة السياسية في المدينة الكبرى..

تقرير: تعز اليمنية..  مساعٍ للخلاص من هيمنة "صنعاء" من يعرقلها؟

مسلحون يرفعون علم خاص بتعز في اشارة الى مطالبتهم بالإنفصال عن صنعاء

مراسلون
مراسلو صحيفة اليوم الثامن

مع كل صباح يخرج المواطن التعزي "عبده سعيد" من منزله المتواضع الذي يستأجره في ضواحي خور مكسر في طريقه صوب الشيخ عثمان حيث يمارس عمله في بيع الخضروات، مع العشرات من ابناء تعز الذي دفعت بهم الحرب الأخير إلى النزوح صوب عدن ولحج وأبين، فالحصار الذي يفرضه الحوثيون على المدينة دفع الكثير منهم إلى الهرب صوب عدن التي تعد ملتقى التعزيين منذ عهد الاحتلال البريطاني.

مثل سعيد العشرات من التعزيين الذين وجدوا انفسهم مجبرين على ترك المدينة التي عاشوا فيها بحثا عن الرزق والأمان الذي وجدوه في عدن.

يحمل عبده سعيد بشكل يومي هوية الشخصية في جيبه على عكس السابق الذي يقول انه كان يتجول دون هوية "إنا احمل بطاقتي الشخصية اذا اوقفني جندي سألني من اين انت؟، اعرض عليه بطاقتي ويسمح لي بالمرور".

يضيف "لا احد يحقق معي لا احد يكهرني بسبب هويتي بل العكس تلاقي عبارات التعاطف مع ابناء تعز من الكثير من الجنوبيين الذين يقولون لنا ان تعز ظلمت كثيراً، والجنوبيون يعرفون اننا لم نأت لقتالهم او نهب حقهم نحن أجبرتنا ظروف الحرب على الفرار صوب بلادهم، لسنا طرفا في اي صراع، الجنوبيون ظلموا ونحن ندرك هذا، نهبت حقوقهم وقتلوا وسحلوا في الشوارع، لكن هذا لم يقم به ابناء الشمال المواطنيين بل اطراف سياسية وقبلية ربما هي ايضا تسببت في ما يعاني من أبناء تعز".

يقول إن الكثير من جنود النقاط الأمنية يعرفونه ويبتسمون له كل ما رأوه "ذات يوم اهديتهم علم الجنوب الذي قمت بتفصيله في بيتي، نحن نحب الجنوب ولم نتعرض لأي اذى فيه بل هو كان ملاذا لأهلنا منذ أكثر من 70 عاماً".

يأمل سعيد في ان تتحرر تعز وأن يعود إلى مدينته التي عاش وترعرع فيها "معنا أرض خيرات وأتمنى ان اعود الى الحقول واعود إلى حراثة الأرض وزراعتها على انغام ايوب طارش".

تتميز تعز عن غيرها من مدن اليمن، فأهله يعشقون الأرض  والزراعة ورعي الاغنام والتجارة والسياسة والثقافة والفن، فهي المدينة الأبرز في شمال اليمن التي تعيش حالة من التنوع في كل شيء.

من تعز برز ساسة اليمن وفنانوها وشعراؤها ومثقفوها وأدباؤها، الأمر الذي جعل اليمن اعتبارها عاصمة الثقافة اليمنية، وهو الوصف الذي لم يعجب الكثير من القوى التي قالت ان مدنا يمنية أخرى هي من يجب ان تكون عاصمة الثقافة اليمنية.

يفتخر الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح بانه عاش وتربى في مدينة تعز، فالدهاء السياسي ولد في تعز اليمنية، التي لم تسلم منها الكثير

تعز اليمنية كبرى مدن شمال اليمن والتي يبلغ عدد سكانه بنحو 5 ملايين نسمة يعيش نحو مليون منهم في هجرة بحثا عن العمل في خارجها أغلبهم في الجنوب اليمني الذي كان دولة مستقلة حتى مايو ايار من العام 1990م، لكن تعز ارتبطت بالجنوب وعدن تحديدا منذ الاحتلال البريطاني قبل ان توفر ظروفا أخر للتعزيين موطئ قدم في عدن عاصمة الجنوب والمدينة الساحل الواقعة على ساحل البحر العربي.

وألقت الحرب التي افتعلها الحوثيون الموالون لإيران بظلالها على اقليم الجند الذي يقول مواطنون إنهم يعانون من الهيمنة الزيدية لأكثر من مائة عام.

فالاجتياح الحوثي تسبب في ظهور اصوات تطالب باستقلال تعز عن صنعاء، بفعل الهيمنة العسكرية التي يفرضها الزيود عليهم منذ 100عام.

 

 

لكن يبدو ان الانقلاب الحوثي ليس سببا وحيدا في تنامي دعوات انفصال اليمن الاسفل بل ان هناك دعوات سابقة ولكنها لم تخرج الى النور بشكل جدي.

يقول ناشطون  ان " الشوافع في اليمن الشمالي تعرضوا لاضطهاد ومورس بحقهم ابشع انواع التنكيل والقتل والحرمان"..

وأوضح أحدهم في حديث لـ(اليوم الثامن) "ان حروب المنطقة الوسطى واعمال القتل الوحشية التي كانت ترتكب بحق ابناء تعز واب لا يمكن بأي حال من الاحوال ان ننساها او ننسى اهلنا الذين ذهبوا نتيجة صراعات الزيود".

وعرفت حرب المناطق الوسطى  على انها حرب بالوكالة قامت في الجمهورية العربية اليمنية , وكانت في المناطق الوسطى في اليمن ( تعز - إب - البيضاء - ذمار - ريمة وغيرها).

وذكر مؤرخون ان "  تدهور الظروف المعيشية وتفشي الظلم وحرمان الناس من خدمات الثورة والجمهورية من أهم الأسباب التي دفعت المواطنين للانضمام للجبهة".

 وبالرغم من أن بعض الكتابات ترجع البدايات الأولى لأحداث المناطق الوسطى إلى فترة الستينيات. إلا أن المرحلة الأهم في نشاط الجبهة كانت في الفترة التي أعقبت مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي، ومع تولي علي عبد الله صالح الحكم في 17 يوليو 1978، وقد امتد نشاطها الملتهب نحو خمس سنوات.

إن دعوات استقلال اقليم الجند كانت قد بدأت عقب سقوط نظام علي عبدالله صالح , من خلال دعوات جدية لكنها مغيبة اعلاميا,  تهدف لاستقلال دولة اليمن الاسفل او دولة اقليم الجند.

وانشأ ناشطون صفحات رسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تدعو  علانية الى  استقلال اقليم الجند ولعل من بين تلك الصفحات التي تضم عشرات المناصرين صفحة (إقليم إب اليمنية كلنا واحد من أجل التحرير والإستقلال) , حيث تزين حائط الصفحة اعلام الاقليم الخضراء وعبارات تندد بالمناصرين لحكومة صنعاء من ابناء اب.. مؤكدين انهم سيناضلون حتى استقلالها عن صنعاء واقامة حكمها الذاتي .

وكتب القائمون على الصفحة بالقول " أكبر ظلم واكبر خطيئة وأكبر خيانة للوطن وللمواطن وللحقوق والكرامات في ضياع حقوقنا أصحاب إب و تجرعنا ألام وظلم وتهميش (الوحدة المشؤمة)  واليوم نتجرعها مره اخرى باسم العدل وباسم الحوار".

وتساءلوا "  الي متى ونحن نتعرض للظلم والتهميش والاقصاء مرة اخرى ولكنها هذه المرة من نوع ثقيل أصحابها تفننوا في طبختها وفي الظلم والاقصاء والتهميش وبرعاية داخلية شمالية وجنوبية وخارجية , ناس باعوا ضميرهم وناس باعوا ا أخلاقهم وناس باعوا أمانتهم ليبنوا  (يمن جديد) سهل  التدمير والانحطاط والهدم مهما دام صموده لأنه بني على باطل وظلم وقهر وقتل وتهميش وحقد وكراهية".

وقالوا انه " بني  من اجل اشخاص لهم نفوذهم ومواقعهم ومصالحهم الضيقة وليس على اسس العدل والمساوة والحرية والكرامة وطن للجميع وليس لفئة المصالح الشخصية والنفوذ لذلك مابني على باطل فهو باطل مهما دام صموده , انظروا الى حال (الوحدة اليمنية المشؤمة) بنيت على باطل فانتهت.. نعم لأنها بنيت على ظلمنا وتهميشنا".

 ويتهم الجنديون نظام صنعاء بقتل الآلاف من ابناء ابن وتعز لعل ابرزهم كما قالوا الرئيس ابراهيم الحمدي والقيادي الاشتراكي جار الله عمر ".

ويقول مراقبون للوضع في اليمن ان " الظلم والاضطهاد الذي يمارسه الزيود على سكان الشوافع في أب وتعز يعزز من دعوات الانفصال , مما يعني ان اليمن الذي توحد في عام 1990 بين العربية اليمنية واليمن الديمقراطية في طريقة الى التقسم الى عدة دول لعل في الابرز هو استقلال دولة اليمن الجنوبي  السابقة واستقلال تهامة اليمنية والجند في حين ان الزيود سيتمكنون من السيطرة على صنعاء  والمحافظات الأخرى التي تخضع لسيطرتهم المذهبية".

دعوات انفصال تعز قديمة جديدة.. ما الهدف منها؟

لكن هناك من يقول إن دعوات الانفصال في تعز هدفه التضليل على دعوات استقلال الجنوب، وانا ما يرفع في تعد لا يعدوا كونه شعارات غبية هدفها القضاء على مطالب استقلال الجنوب.

 إن الهيمنة الزيدية على تعز دفعت ساستها ونخبها إلى الفرار صوب عدن منذ ستينات القرن الماضي، وهو ما مكنهم من الاستيطان في عدن والانتشار فيها والاندماج في المجتمع، لكن حادثة اغيال الرئيس سالمين واعقبها حرب 1986 تسببت في بروز ظاهرة الرفض لما بات يطلق عليهم بالجبالية، فعبدالفتاح الذي يؤكد السياسي الجنوبي محمد العبادي انه هو من يقف وراء اغتيال الرئيس الجنوبي الخالد سالمين وذلك بعد سعي الأخير لفتح علاقة مع الجيران في الخليج وهو ما عارضه عبدالفتاح اسماعيل الذي فر الى الجنوب من تعز وأصبح لاحقا رئيس مؤقت قاد الى حرب 1986م.

ويجمع تعزيون في عدن على إن الاحداث التي تسبب فيها ساسة من تعز جعلتهم مكروهين في الجنوب، وعلى الرغم من احتفال الجنوبيين بذكرى التصالح والتسامح الا ان قطاع واسع من ابناء تعز يرى ان لا علاقة لهم بتلك الحرب التي حدثت في الجنوب منتصف يناير 86م.

 إن البحث في جذور مشاكل تعز لا تكمن في داخل المدينة ولكن مع المدن المحيطة بها، فساسة تعز كانت لهم اليد الطولى في الدورات الدموية التي شهدها الجنوب، بعد الاستقلال من بريطانيا، وهو ما ساهم في ايجاد شرخ اجتماع بين تعز وعدن، ناهيك عن ان الحرب الأخيرة التي شنها الحوثيون على الجنوب يؤكد جنوبيون أن لتعز دور في تسهيل مرور الحوثيين صوب عدن، ناهيك ان صالح اعلن الحرب الأخيرة على الجنوب في لقاء جمعه بنخب سياسية وعسكرية من مدينة تعز، وهو ما فسر حينها بان صنعاء تدفع دائما بتعز لتتصدر العداء الذي تكنه صنعاء لعدن.

إن محاولات تعز الخلاص من الهيمنة الزيدية سوف يعالج الكثير من المشاكل التي نشبت بين تعز وعدن وهو ما يعني البدء في فتح صفحة جديدة عنوانها التعايش السلمي بين الجنوب واقليم الجند.

يعرف التعزيون علما خاص بهم ويسعون للخلاص من الهيمنة الزيدية، مع ان الكثير يرى ان تغول الاخوان والاسلام السياسي الزيدي في اليمن في المدينة سوف يحول دون حصولها على الحكم الذاتي او على الاقل ان تنأ بنفسها من الحروب والتجاذبات السياسية.