حكومة تناجي من واقع العجز..

تقرير اقتصادي: الريال اليمني يستعيد حياته اثر حقنة سعودية

رئيس الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر

خاص (تعز)

وجدت الحكومة الشرعية نفسها في مأزق لحظة أن رأت اقتصاد البلد يتساقط مثل كومة قش تلتهب النار فيها، فالريال اليمني لم يجد حتى وقتاً للراحة وهو يحاول التقاط أنفاسه في معركة البقاء أمام العملات الاجنبية ابرزها "الدولار"، فلم تلقَ-أي الحكومة- الا مناجاة المملكة العربية السعودية لإنقاذها من الورطة التي انعكست سلباً على الاقتصاد اليمني.

كانت النهاية المروعة لعملة بلدٍ يعيش أهله جائحة الجوع والفقر بفعل الحرب القائمة في البلاد، ستبني على إثرها موجة من الغضب الشعبي بعد أن اتجه الأمر الى أقوات الناس التي ارتفعت على نحو مهول في "نكسة اقتصاد اليمن".

ومن الطبيعي أن تنحرف الموجة باتجاه الحكومة الشرعية في حال كان الأمر لم يجد معالجة، الا أن التدخل السعودي في اللحظات القياسية أزاح الخطر عن الاقتصاد اليمني من جانب، وأفرج عن القلق الذي كان يسكن الحكومة خوفاً من بطش وغضب الشارع.

حكومة تناجي من واقع العجز

اجتماعات الحكومة الشرعية بقيادة رئيس الوزراء، احمد عبيد بن دغر، لم تعطِ اية نتائج لمعالجة السقوط، وظل الأمر مفتوحاً للأسواق السوداء التي غزت البلاد، سواء في منطقة سيطرة الحكومة الشرعية، أو في مناطق سيطر جماعة الحوثي، فهي من باتت تحكم التداول المالي في اسواق العملة، وبناء عليها يسري تداول أسعار الصرف بعيداً عن أية رقابة للبنك المركزي الذي تبرأ من عملته يوم أن أعلن تعويم سعر الصرف.

وجد بن دغر، الذي يرأس حكومة ينتهي دورها في اجتماعات لا تتجاوز أسوار قصر المعاشيق في عدن.. وجد نفسه مذهولاً ليطلق نداء لدول التحالف العربي، قبل أن يُجري الرئيس عبد ربه منصور هادي اتصالاً بولي العهد محمد بن سلمان وضعه فيه " امام التحديات الاقتصادية الراهنة التي يواجها اليمن". لا سيما منها وضع العملة المنهار.

كان رئيس الحكومة من عدن يطرح السبق لاستقالة لوح بها في رسالة أطلقها على وسائل التواصل الاجتماعي، قال فيها " لوجه الله ولأخوَّة صادقة؛ إن كانت هناك من مصالح مشتركة بين الحلفاء ينبغي الحفاظ عليها، ترقى إلى مستوى الأهداف النبيلة لعاصفة الحزم، فإن أولها وفي أساسها إنقاذ الريال اليمني من الانهيار التام، الآن وليس غداً، إنقاذ الريال يعني إنقاذ اليمنيين من جوع محتم".

وأضاف بن دغر في غصة تكابده أمام الفشل الذريع الذي صار ملازماً لحكومته " جاوز الريال سقف ال٥٠٠ريال للدولار الواحد. وأصبح مرتب الجندي والموظف العادي أقل من مئه دولار. الوديعة، وتوفير المشتقات النفطية للكهرباء فقط، إجراءات كافية لإنقاذ الريال اليمني واليمنيين من الانهيار، كما تعزز التحالف في مواجهة الأعداء والخصوم، تلك حقائق من الأهمية بمكان إدراكها".

اشتراطات غير معلنة

بات واضحاً كل الوضوح للتحالف العربي، حجم الممارسات المغلوطة التي تستنزف ملايين الدولارات التي يقدمها لدعم اليمن في هذا الظرف، واضحى يعي أنه يصب الغوث في إناء مخزوق، غالباً ما يصل اليه اليمنيين وهو مفرغ من عطاء الجيران، فكان مُبررَاً لقيادة التحالف أن تضع اشتراطاتها قبل أن تمنح.

تقول مصادر متطابقة أكدت لـ"اليوم الثامن" أن ثمة اشتراطات جرت في الحراك الأخير لإنقاذ اقتصاد اليمن قبل أن تدخل السعودية على الخط لإنقاذه –أي الاقتصاد-من الغرق، كانت في مجملها جادة تؤسس لشراكة حقيقة بين التحالف والشرعية في اليمن، بعيداً عن المصالح التي تقتضي من حق اليمنيين المقدم بسخاء من دول التحالف.

وطبقاً للمصادر فإن هنالك تغيرات جذرية ستطيح بالكثير من قيادات الحكومة الشرعية والعديد من المسئولين بما يتناسب والرؤية الجديدة للتحالف العربي في اليمن. ولا تستبعد هذه المصادر أن يكون رئيس الوزراء على قائمة "المطاح بهم".

يتبين هذا النبأ في مضامين الرسالة التي أطلقها بن دغر، حيث بدا في خضمها شعور بن دغر بالمأزق الذي وصلت اليه حكومته، ليحاول التبرير لقدسية الحكومة ومحاولة النأي بالنفس عن كارثة اقتصادية تجهض اقتصاد البلاد.

مفاعيل ايجابية لأزمة الاقتصاد

بحجم الخوف المصاحب لسقوط الريال، كانت ثمة المزيد من الحقائق تظهر للعلن مجسدةً الحجم الحقيقي للحكومة النائمة في المعاشيق، ومفاعيل هذا التطور الخطير برزت في انكشاف سوءة الحكومة للجماهير وانفضاحها على حقيقتها.

تأمل ملايين اليمنيين طوال فترة الماضي أن تتحسن الأوضاع في المناطق المحررة، لكنها سارت في اتجاه معاكس، متراجعةً للخلف على مختلف المستويات، وكان الأمر مبرراً للحكومة في بعض الحالات، منها ما يتعلق بالجانب الامني لاعتبارات متعلقة بالظرف الحالي، وحينما اتجهت الموجة صوب اقتصاد البلاد المثخنة بالحرب، كانت ملامح جديدة تتشكل في واقع الجماهير.

لا يستبعد أن تُحْلحَل الحكومة الحالية، سواء عبر ضغوطات سيفرضها التحالف العربي –بلا شك- أو لتطلعات اليمنيين الغارقين في وحل تشكل من الفشل المستمر للحكومة الشرعية طوال الفترة الماضية. وفي حال غُيرت الحكومة الحالية بناء على رؤية مشتركة بين التحالف والشرعية فإن الواقع الحالي سيتغير جذرياً لصالح الجميع.

الوديعة السعودية تعيد حياة الاقتصاد

ملياري دولار كفيلة بإعادة الاستقرار للعملة اليمنية مجدداً، وانقاذها من الصراع المستمر مع العملات الصعبة، ومفاعيل هذا الإنقاذ المناسب ظهر في اللحظات الأولى لإعلان ايداع ملياري دولار في حساب البنك المركزي اليمني، بحسب توجيهات العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.

وبات سعر التداول في السوق المحلية منذ ظهر اليوم، يسير لصالح الريال اليمني، الذي شق طريقاً طويلاً في سويعات فقط، نحو مزيد من الصعود لتحقيق الاستقرار، والانكفاء على سعر محدد يعيد له عافيته.

يقول خبراء في الاقتصاد، ان الوديعة المالية السعودية لا تتعدى أن تكون حلاً مؤقتاً مالم تسعى الحكومة الشرعية الى وضع المعالجات السريعة للحد من هذا التدهور ومنع حدوثه مرة أخرى. والأمر يتطلب تفعيل دور البنك المركزي اليمني وضبط السوق، واتخاذ اجراءات جديدة للتعامل التجاري الخارجي تضمن استمرار تدفق الدولار الى اليمن.

ووفقاً للخبراء، فإن التأثيرات الكبيرة التي عصفت بالحياة المعيشية للناس خلال الأسبوعين الماضيين، ستبدأ بالتبدد الآن، وستعود الأسعار لمواد المعيشية الى الاستقرار، ما يعني انقاذ اليمنيين من "جوع محتم".