ابتزاز للمال والهدايا.. وعقوباته "تعزيرية"

الخرفنة.. كلام معسول وعواطف زائفة والنهاية

الشح العاطفي والعشوائية والسذاجة تجعل "الضحية" أكثر اندفاعاً

خلود غنام (الرياض)

تنتشر في المجتمع السعودي مفردة "الخرفنة"، والتي تعني أن يكون الشاب “خروفًا” وضحية لدى الفتاة تستغله مالياً، وعاطفياً من خلال الابتزاز عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واستغلاله بالكلام المعسول للتأثير على مشاعره، وتتخصص بعض الفتيات في التلاعب بعواطف الشباب، والرجال كبار السن؛ للحصول منهم على المال أو الهدايا وشحن بطاقات الاتصال بالكذب والتدليس وجعلهم يرضخون لتنفيذ المطالب مهما كانت، فيما يستخدمها بعض الشباب لإشباع رغباتهم العاطفية.

ومع انتشار التكنولوجيا أصبح ميدان "الخرفنة" المفضل مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت بيئة مناسبة لاستدراج الفتيات للشباب في وقت قياسي.

صحيفة سبق السعودية سلطت الضوء حول أسباب "الخرفنة"، ولماذا تلجأ بعض الفتيات لهذا الأسلوب المرفوض اجتماعيًا وشرعيًا، وما هي العقوبات القانونية المترتبة عليها؟

قانون جديد

ومع تطبيق قانون الجرائم المعلوماتية بالسعودية، والذى من ضمن فقراته منع الاستغلال والابتزاز العاطفي عبر المواقع الإلكترونية، تم فرض العقوبات على الفتاة التي تمارس "الخرفنة" بتهمة الاحتيال للحصول على المال، والهدايا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تصل عقوبتها إلى ٥٠٠ ألف ريال والسجن لمدة سنة.

غير مشروعة

تقول خلود ناصر، محاضرة بقسم علم النفس جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، لـ"سبق": "تعددت طرق ووسائل الاستغلال والابتزاز في الوسط الشبابي سواء كانوا ذكورًا أو إناثاً، وبدأت تأخذ طابعاً مختلفاً عن السابق خاصة في ظل الانفتاح الإلكتروني الذي نشهده في هذه الأيام ووفرة مواقع التواصل الاجتماعي، وكثرة استخدام الشباب لها دون تقنين، ومن المؤسف له أنه تم في هذا الاحتيال استغلال أطهر العواطف ألا وهي عاطفة الحب، وذلك لكسب الضحية سواء كان رجلاً أو امرأة واستغلاله بطريقة غير مشروعة".

وتضيف: "إذا تعمقنا أكثر في الموضوع سنجد أننا نعيش في حركة دائمة أدت إلى حدوث تغيرات مجتمعية حديثة، تغيرات عصفت بفكر الشباب، وقيمهم ومعتقداتهم بسبب انفتاحها الكبير على العالم في مقابل عدم جاهزيتهم لذلك، وعدم وقوفهم على قاعدة صلبة من الأفكار، والخبرات، والتجارب، والتي تعينهم على مواجهة الأخطار التي يمكن أن يتعرضوا إليها من فضاءات الإنترنت وما تحمله لهم من مفاجآت" .

علاقات افتراضية

وتتابع الناصر: "في هذه الأيام أصبحنا نعاصر مصطلحاً جديداً في ميدان مواقع التواصل الاجتماعي ألا وهو مصطلح "الخرفنة"، والذي يعني رضوخ الشخص سواء كان ذكراً أو أنثى لمطالب الطرف الآخر دون تفكير، فقط من أجل الحصول على ما يريده، وما يشتهيه من مال أو صور أو غرام مزيف، أو كلمات معسولة، وأدت مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، وتويتر، وسناب شات إلى تنامي هذه الظاهرة في أوساط الشباب والشابات لدرجة أن الكثير استغنى عن علاقاته الواقعية وانكب على علاقاته الافتراضية، ولعل لهذه الظاهرة العديد من الأسباب والعوامل التي تستحق أن نذكرها ونشير إليها.

وحول الاسباب التي أدت إلى انتشار تلك الحالة تقول الناصر: "من ضمن الأسباب التي قد تؤدي إلى ظاهرة "الخرفنة" الشح العاطفي التي قد يتميز به مجتمع الضحية فيجعله أكثر انجرافاً واندفاعاً لمثل هذه المواقف التي يستغل فيها، هذا علاوة على غياب الأهداف والمعنى الحقيقي من وجوده في هذه الحياة، فهو يعيش حياة عشوائية دون تخطيط ودون غاية يسعى إليها، الأمر الذي يجعله فريسة سهلة الاصطياد؛ كذلك اتصاف البعض بالسذاجة المسيطرة على قلوبهم وعقولهم وغياب وعيهم عن مثل هذه المواقف تجعلهم أكثر عرضة لهذه المشاكل".

أما بالنسبة للأفراد الذين يمارسون "الخرفنة" على غيرهم، هناك العديد من العوامل والأسباب تجعلهم يلجؤون إلى الطرق غير المشروعة في الاستغلال والابتزاز منها عوامل نفسية، واجتماعية تتمثل في المباهاة، والتفاخر، والرغبة في تقليد الأقران، وتعويض مشاعر النقص الداخلية، وعوامل اقتصادية تتمثل في الظروف الاقتصادية الصعبة التي قد يعانيها من يمارس الابتزاز نتيجة لكونه عاطلاً عن العمل، وتطلعه إلى مستوى مادي أعلى أو رغبة المبتز في شراء الكماليات التي يعجز عن توفيرها ويجدها بسهولة عند الطرف الآخر".

نهايات كارثية

وللحد من تنامي هذه الظاهرة توضح الناصر: "بناء على ما سبق، وحتى نحد من تنامي هذه الظاهرة، على المجتمع أن يقف صفاً واحداً ابتداء بالأسرة، وما يجب أن تمارسه مع أبنائها من أساليب تربوية صحيحة أهمها الاحتواء، والإشباع العاطفي والاجتماعي، بالإضافة إلى توفر أسلوب الرقابة الصحيحة لمتابعة الوجود الافتراضي لأبنائهم في مواقع التواصل الإجتماعي".

مشيرًا إلى أنه "على المجتمع أن يكثف من دوره التوعوي من خلال المعلمين، والمربين، والمثقفين، وذلك بعقد المحاضرات والندوات في المدارس بشأن توعية المراهقين والمراهقات بأهم أساليب الاستغلال التي تمارس حتى يرفعوا من مستوى الوعي لديهم ولا يكونوا فريسة سهلة الاصطياد، والتشديد على أن مثل هذه التصرفات قد تؤدي إلى نهاية كارثية عظمى، هذا بالإضافة إلى التنويه على أن مثل هذه التصرفات ستفقدهم المصداقية في المشاعر وسيغيب عنه معنى الأمان والإطمئنان؛ بالإضافة إلى اهتمام المجتمع بإقامة النوادي الثقافية، والأدبية، والرياضية التي تمثل عامل جذب قوياً للشباب، والشابات، ويمنعهم من أن يكونوا ضحية الفراغ الذي قد يؤدي بهم إلى هذه الانحرافات السلوكية".

غير أخلاقي

أما الأخصائية التوجيه والإرشاد، نوف العصيمي، تقول لـ"سبق": "مثل تلك الممارسات قد يكون سببها احتياج مادي بسبب ظروف معيشية معينة أو احتياج عاطفي أو بكل بساطة عبث سلوكي قد يجوز لنا أن نصفه بالإجرامي في بعض الحالات ذات التخطيط العالي والدقيق" .

وتتابع: "هذا السلوك لا يختلف اثنان على كونه سلوكاً مشيناً، وغير أخلاقي، وإجرامي في بعض الحالات كما أسلفنا، سلوك له آثاره السلبية على المجتمع كونه يسهل الحصول على مبالغ مالية بغير وجه حق ويشكل فئة تتقبل التكسب بالنصب والاحتيال، ولا تتورع عن ممارسة تلك السلوكيات بشكل يوحي بقبولها وتبريرها، مما يخلق جيلاً يرى في مثل تلك التصرفات دلائل ذكاء، وحسن تصرف وسرعة بديهة!
كما أن مثل تلك الممارسات تقتل في الناس نوازع حسن الظن، وتنزع من أنفسهم الثقة بالآخر، فينشأ لديه سلوك احترازي متشكك بالجميع بناءً على تجارب مروا بها أو سمعوا بها من آخرين".

وتبين العصيمي: "هذا الشك ليس سيئاً على الدوام بل هو أمر طبيعي حتى يثبت العكس لكن المبالغة في الشك هي من السلبيات التي أنشأتها مثل تلك السلوكيات غير الأخلاقية؛ علينا جميعًا كأهل وأفراد في المجتمع ألا نتداول مثل تلك القصص لأشخاص قاموا بهكذا تصرفات بطريقة توحي للسامع وكأن من قام بفعل ذلك شخص ذكي وجريء ومجازف وجيد في التقاط الفرص! وعلينا أن نجرّم مثل تلك السلوكيات لا أن نكتفي بوصفها بالسلوك السيئ بل هي جريمة متكاملة انطوت على التخطيط والاحتيال والتنفيذ والهروب!

علاقات محرمة

وحول العقوبات المترتبة على من يقوم باستغلال "الخرفنة" ذكر المحامي الدكتور منصور الخنيزان لـ"سبق": "أن هذه التصرفات من الدناءة، والخسة بمكان قد يصل إلى درك البغاء، إذ قد يتمادى الطرفان في انتهاك المحرمات شرعاً كالزنا وما دونه؛ وعليه فإن مبدأ التواصل بدافع الاستغلال المادي فيه من التنازل الخلقي، والأدبي ما يجرم، ويعاقب عليه أن يثبت هذا النوع من التواصل الدنيء بعقوبات تعزيرية يناط تقديرها لقاضي الموضوع في المحكمة الجزائية إما بالسجن أو الجلد أو بهما جميعاً؛ أما إن تمادى ذلك لحد الزنا فنحن بصدد حد شرعي".

وأضاف: "قد يكون لذلك دوافع إما عبث و ينتهي بكارثة أخلاقية أو اكتساب مادي؛ وهذا اكتساب محرم، ومجرم، وينتهي بذات المآل؛ وعلى جهات التنفيذ من شرطة، وهيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهات التحقيق والادعاء العام القيام بدورها في صيانة المجتمع من هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا المتسم بالمحافظة والقضاء هو الجهة المنوط بها تقدير العقوبات الرادعة".

عقوبة الطرفين

وبين المستشار القانوني عضو الهيئة الدولية للتحكيم القضائي محمد الوهيبي لـ"سبق" وجود علاقة بين رجل وامرأة غير شرعية هو أمر محرم، ومعاقب عليه شرعاً نظاماً؛ ولذا فالعقوبة تشمل الطرفين فيما يخص العلاقة المحرمة، وتكون هناك عقوبة أخرى في حال وجود استغلال، وابتزاز من قبل أحدهم للآخر، ونص المشرع السعودي على بعض العقوبات في عدة أنظمة؛ منها المادة الثالثة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، تنص عقوبتها على السجن سنة وغرامة ٥٠٠ ألف ريال. لكل من أساء استخدام الهواتف المتنقلة المزودة بالكاميرا أو ما في حكمها وايضاً التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم كما نصت المادة السادسة من النظام على عقوبة تصل للسجن خمسة سنوات أوغرامة ٣ ملايين ريال إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة كأن يقوم شخص بتصوير ونشر مقطع إباحي مثلاً؛ وقد يرى البعض أنها عقوبات قاسية ولكن مقارنة بحجم الضرر الذي يقع على الشخص والمجتمع فهي تعتبر مناسبة جداً للحد من هذه الجرائم.

وأضاف الوهيبي: "أما إذا لم يستخدم الجاني ما ذكر بالنظام من أجهزة أو شبكة معلوماتية فتكون العقوبة تعزيرية خاضعة لنظر القاضي. والشاب والفتاة يعاقبان على الربط بالعلاقة المحرمة حيث إن ما قاما به مخالفة شرعية وفي حال تم إثبات أنها حصلت على مبالغ مقابل إقامة العلاقة مع الشخص وبذلك تندرج تحت جريمة الدعارة وهي تقاضي المال مقابل إقامة علاقة محرمة؛ وإلا يعد ديناً عليها تلزم بإعادة وذلك لا يعفيها من عقوبة الارتباط بعلاقة محرمة؛ ولو قامت الفتاة بالتصوير والنشر حتى لنفسها هنا يكون لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية علاقة.

وبين أنه: "عند قيام أحد الأطراف مثلاً بإيهام الآخر بالزواج وحصل بالمقابل على أموال أو منقولات هنا تكون الجريمة جريمة نصب واحتيال لتوافر القصد الجنائي من إيهام المجني عليه واستغلاله ويلزم الطرف الآخر بإعادة جميع ما تحصل عليه من المجني عليه وعلى المجني عليه إثبات حسن النية وأن العلاقة بنية الزواج وإلا سيتعرض لعقوبة إقامة علاقة محرمة".

"أما في حال كانت هناك علاقة قائمة على المنفعة المالية او غيرها مقابل استمرار العلاقة المحرمة فهنا تكون جريمة (دعارة)، حيث هنا تكون العلاقة مقابل المال؛ وهناك إقامة علاقة محرمة من خلال استغلال العمل؛ مثلاً يقيم مدير مع موظفة علاقة مقابل توظيفها أو التساهل معها أو ترقيتها فهنا يتم محاسبة الرجل بشرط أن تكون الفتاة هي من قامت بالإبلاغ عن ذلك قبل أن يتم اكتشاف العلاقة من جهة العمل أو أي جهة أخرى؛ وتكون هنا العقوبة مشددة لأنها مقابل استغلال حاجة الفتاة؛ وإساءة استعمال سلطة الموظف في عمله".

وتابع الوهيبي: "وغير هذه الحالات كأن يقوم طرف بطلب مبالغ من الطرف الآخر ولم يثبت أنها مقابل العلاقة فهي تعد ديناً على المتلقي لها ملزماً بإعادتها وذلك لا يعفي الطرفين من عقوبة تعزيرية لقاء ربط علاقة محرمة بينهما".

وأكد لـ "سبق" أن هناك خطأ في التفسير فيما يخص نظام الجرائم المعلوماتية ليس له علاقة تخص ما ذكر إلا في حال كان هناك إنتاج ونشر المقاطع الإباحية؛ فأين الابتزاز في فتاة طلبت من شخص مبلغاً مالياً أو شحناً وقام بذلك وهو بكامل إرادته دون تهديد! فبذلك تسقط تهمة الابتزاز عن الفتاة حيث لم يكن هناك إكراه أو تهديد في ذلك؛ وهذا ما يطبق في محاكم المملكة العربية السعودية وسبق أن صدرت العديد من الأحكام حول ذلك كلاهما أخطأ وكلاهما يعاقب كل حسب خطئه ويعاقب أيضاً كل من كان له دور في إقامة هذه العلاقة والمشاركة بها.