مشكلة العرب ذاتية وليست مع الآخر..

الخيون: تدمير التراث السوري واليمني يُسأل عنه بشار وصالح

الكاتب والمفكر العراقى رشيد الخيون

محمد الجداوى (أبوظبي)

رشيد الخيون، كاتب ومفكر وباحث عراقي في شؤون التراث الإسلاميّ، حاصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية، كتب عن قضية المعتزلة في خلق القرآن، وكذلك عن إخوان الصفا، وألف موسوعة الأديان والمذاهب في العراق، له العديد من الكتب، منها: أثر السود في الحضارة الإسلامية، و100 عام من الإسلام السياسي في العراق، وبعد إذن الفقيه «الحرام والحلال في أمر النساء والطفولة والكتابة والطعام» وغيرها، يكتب عدد من المقالات الأسبوعية في صحف ومجلات عربية عدة.

يؤكد الدكتور رشيد الخيون في حواره لـ «الأهرام العربي» أن التراث الديني والاجتماعي له حصة في صناعة الإرهاب وأفكار الإرهابيين الذي يستدلون في قتلهم وترويعهم للناس بالنصوص، مشيراً إلى أن الخطباء والوعاظ يلعبون في عقول الشباب ويجعلون منهم مشاريع إرهاب وخُرافة.
وقال: العرب ليسوا في المؤخرة حضارياً والهيمنة الفقهية تعوق التنوير والتقدم الاجتماعي ولا يوجد تقديس للتراث الديني إلا في أذهان رجال الدين ممَن يدركون أنه أداتهم في التسلط والهيمنة.
وأشار إلى أن ثروات العراق ودماء شبابه استنزفت في الحروب، وأن «نظام صدام حسين» تاجر بالآثار والمخطوطات تحت وطأة الحصار، مؤكداً أن تدمير التراث السوري واليمني يُسأل عنه بشار الأسد وعلي عبد الله صالح... وإلى نص الحوار:

* واقعنا العربي الراهن يُشير إلى أننا أصبحنا أمة غائبة عن حقول العلم والمعرفة والإنتاج، باختصار صرنا أمة في مؤخرة الأمم حضارياً، فما الأسباب في رأيك؟
** أولاً لا وجود لواقع عربي واحد تتوافق كل البلدان به، فكل وطن له خصوصيته، يرتفع مستوى حضارته وينخفض حسب ظروفه، فمشكلات مصر غير مشكلات العراق، ومشكلات سورية غير مشكلات المغرب أو تونس وهلمجرا، هذا من جانب ومِن جانب آخر، عندما نتحدث بالتعميم، ونختصر واقع البلدان، التي عبرت عنها بالواقع العربي، بالغياب عن حقول العِلم والمعرفة والإنتاج لا نجد جواباً على السؤال أعلاه، وهو السؤال الذي كثر سابقاً: لماذا تأخر المسلمون وتقدم الغرب؟ مأ اعتقده أن الحضور والغياب لا يُقاس على المناطق اليوم، إنما نرى التكنولوجيا قد مزجت البشرية وقربتها، وأحالت العالم إلى قرية صغيرة.
عبر محمد مهدي الجواهري قبل نحو سبعين عاماً عن تلك الحقيقة، وهو يُخاطب أهل وادي النِّيل معاتباً لأنهم جهلوا وجود كبار الشعراء والأدباء من أمثاله بالعراق آنذاك: «يا مصر لاءمت البسيطة شملها/ فالكون أصغر والمسافة أقصر/ وتلاقت الدُّنيا فكاد مشرقٌ/ من أهلها بمغربٍ يتعثر».
غير أن هناك حقيقة لا تجعلنا ننعي المنطقة إلى هذا الحد، ألا وهي أن التكنولوجيا نشأت بالغرب، والبداية كانت في القرن السادس عشر، ونمت هناك واستقرت، فمِن الصعوبة أن نكتشف ما أُكتشف ونخترع ما أُخترع، ولا أظن أن الغربيين قد نعوا أنفسهم في زمن تطور وتقدم هذه المنطقة. فمن الصعوبة بمكان أن ندخل في منافسة على الاختراعات والاكتشافات، لكن إذا كان لابد من نعي النفس هو عدم الاستفادة من ذلك التقدم، بمعنى استخدامنا للآلة ظل بشروط واقعنا لا بشروط اختراعها.
كذلك هناك فرق بين الحضارة والتكنولوجيا، وليس بالضرورة مَن يملك التكنولوجيا يكون أكثر حضارةً ممَن لا يخترعها، فالاستخدام واحد. أرى الحضارة جملة من المكونات التاريخية الثقافية والاجتماعية، واليوم أفضل الصناعات مسجل عليها صُنع ببنغلادش والصين وسنغافورة، أما المستخدم فهو العالم بأجمعه، وبينهم الألماني والأمريكي والفرنسي، هذا وبؤر التخلف موجودة في كل مكان، مثلما بؤر التحضر موجودة أيضاً.
أظن لحظة السبق كانت مهمة في تقدم الغرب، أي السبق التكنولوجي، لكن لا أجد علاقة بين الحضارة وحرق مدينتين بأرقى التكنولوجيا، وأقصد هورشيما وناجازاكي، أو الغزو والاحتلال بأرقى السلاح وأفتكه، بهذا المعنى منطقتنا ليست في المؤخرة حضارياً، أما معوقات التنوير والتقدم الاجتماعي، فكثيرة وأبرزها تحالف الدين، أقصد الهيمنة الفقهية وليس الدين على العموم، والقبيلة، ففي أكثر من بلد أخذت الهوية الوطنية تُنتهك بالهويات الفرعية مثل الدينية والمذهبية والقومية والعشائرية.

* هل تقديس وتأليه التراث الإسلامي مسؤول عن تراجع المسلمين ولماذا يملك الماضي كل هذا السلطان الطاغي في حاضر العرب؟
** لا يوجد تقديس للتراث الديني إلا في أذهان رجال الدين، ممَن يدركون أن ذلك التراث أداتهم في التسلط والهيمنة. بطبيعة الحال، التراث يفرض نفسه وفقاً للظروف، ففي أزمنة الأزمات من حروب ومجاعات وكوارث طبيعية يعود الناس إلى الدين، ولكن بطريقة مشوهة، وسط هياج من التدين غير العادي يؤشر إلى غياب العقل تماماً، فقط في هذه الظروف يكون ذلك التراث طاغياً، وإلا الدين موجود منذ القِدم، ولا أظنه سيزول، لكنه لا يُشكل عاملاً في التراجع من دون كوارث تحل على البشر. إن العيب ليس في الدين ولا التدين، إنما في التوظيف والممارسة والتعليم المنبري أو المسجدي، لِذا على الدول أن تأخذ المبادر ولا تترك الباب مفتوحاً على مصراعيه للخطباء والوعاظ وقراء المنبر الحسيني، يلعبون في عقول الشباب، ويجعلون منهم مشاريع إرهاب وخُرافة.

* يشير الباحثون إلى أن هناك إشكالية هامة في دراسة التراث الإسلامي وهي المزج بين التاريخ والشرع، هلا حدثتنا عن ذلك؟
** هذا المزج يعتمد على هوية الباحث ومستواه الفكري والثَّقافي، إذا كان رجل دين أو فقيه، فيحاول إسناد مسألته الفقهية، أو الحديث النبوي الذي اعتمد عليه في فقهه، إلى التاريخ، فلكل حديث قصة وحدث، ولكل آية أسباب نزول، وترى المفسرين يأتون بعشرات من روايات التاريخ لتأكيد رأيهم. أما إذا كان الباحث غير ذلك فيأخذ حوادث التاريخ على ما هي عليه، ويقارنها ويقابلها كي يتوصل إلى صحة أو تلفيق هذه الرواية أو تلك، لكن علينا فِهم أن الدين بأصوله وفروعه لدى كل مذهب من المذاهب، مرتبط بالتاريخ، فهو جزء من الماضي، لا تجده ينظر إلى الأمام، كل الأفعال التي يستخدمونها أفعال ماضي: «قال» و«روى» و«اخبر» إلى غير ذلك، وبهذا المعنى يتحصل الشَّرع، لِذا لا يمكن اعتبار الشرع صالحاً لكل زمان ومكان، لأنه في أكثر مفاصله يعود إلى الماضي، مع أن مقولة: «تتبدل الأحكام بتبدل الأزمان»، ومقولة: «معروف زماننا هذا ليس كمعروف زمان قبلنا، ومنكر زمان بعدنا ليس كمنكر زماننا»، معروفة وليُنظر بها.

* بماذا تفسر تعامل بعض الباحثين مع وقائع التاريخ الإسلامي بانتقائية سواء كانت هذه الانتقائية سلبية أو إيجابية؟
** كذلك أوكد ما أشرت إليه في الإجابة السابقة، أن كل باحث ينطلق من هويته وثقافته، وينتقي ما يريد تكريسه لما يعتقد به، فالباحث القومي على سبيل المثال ينتقي كل الروايات والنصوص التي تسند رأيه بوجود الأُمة منذ فجر البشرية، ولا يترك صغيرة أو كبيرة إلا وأتى بها ليقنع بها القارئ، فتراه لا يتردد من اعتبار السومريين والمصريين القدماء عرباً مثلاً، كذلك مَن يريد تكريس السلم والأُممية ينزع إل النصوص التي تخدم توجهه، وهكذا. إنه أمر طبيعي، لكن هؤلاء الذين أشرت إليهم في السؤال بوصف (البعض)، إذا تمكنوا من خلق حوادث مِن أجل إثبات ما يريدون، لا يتأخرون، لهذا يصعب عدهم كباحثين أو مؤرخين، فبالانتقاء يمكنك جمع كتاب أو كتابين أو موسوعات، ولكن لا يمكنك تقديم عِلم.

* في رأيك، هل أزمة علاقة الإسلام بالحكم ناتجة عن التقيد بكتابات الأقدمين؟
** لا، ليس هذا فقط، إنما الإسلام دين وليس سياسة حُكم، بمعنى أن الإسلام لم يترك نظرية سياسية ولا اقتصادية، هذه كلها لفقت بعد أزمنة طويلة، وليس أشهر من أكذوبة البنوك الإسلامية، التي تجعل المرابحة محل مفردة الفائدة، بينما هي أكثر من الفائدة نفسها. نعم، الإسلام دين للهداية بوجود الله وتوضيح طرق عبادته. ربَّما سيرد علينا أحدهم، ويقول: أليس النبي شكل دولة ومارس سياسة واقتصاد؟! بسهولة نرد عليه إنه نبي لا ينطق إلا عن وحي يوحى، فأي صاحب حاكمية دينية له تلك الميزة اليوم؟! وما مارسه النبي كان لمدينة بسيطة سبق أنها كانت مدارة من قِبل دار الندوة، وظل المسلمون لا يعتقدون بالملكية لأن ثقافتهم جاءت من دار الندوة وإدارة مكة، والقصة مشهورة، عندما حاول الروم فرض ملك على المكيين فرفضوه. كذلك كيف يكون القرآن الكريم كتاب دولة وسياسة وفيه عشرات الآيات تعارض السيطرة والوكالة وتؤكد الاختلاف ولا إكراه في الدين؟ انتشر الإسلام كدين، ولم يكن حكم الراشدين والأمويين العباسيين ومَن أتى بعدهم مثل دولة دينية. إذن تأتي الأزمة من إقحام السياسة في الدين وبالعكس وفق ما يتبناه الإسلام السياسي اليوم، ومَن يريد تطبيق ذلك، فليس لديه غير كتابات الأقدمين.

* هناك من يقول إن الإرهاب صناعة تراثية وإن كثير من كتب التراث الإسلامي كفيلة بصنع مئاب الإرهابيين يومياً، فهل هذا صحيح أم أن هذا الإرهاب يأتي رداً على ازدواجية الغرب والمجتمع الدولي في التعامل مع قضايا العرب؟
** نعم، للتراث الديني والاجتماعي حصته في ذلك، فهؤلاء الموصوفون بالإرهاب يستدلون في القتل وترويع الناس بالنصوص، ولكن بعد فك الارتباط بين النص وزمنه، فآيات وأحاديث القتال والشدة لها أسباب نزولها ومناسبات قولها، فليس من العقل والروية أن تبقى تلك النصوص مطبقة في كل زمان ومكان. فإذا كان ذلك كذلك فما الداعي من التصنيف في عِلم أو فقه أسباب النزول؟!
كل ذلك خلقته الصحوة الدينية الحزبية عِقب حرب أفغانستان والثورة الإيرانية، التي أنعشت الإسلام السياسي والتشدد الديني الذي غزا المنطقة، فصار تحقيق السلطة في أكثر من بلدان قاب قوسين أو أدنى لهم. ولا يفوتنا القول: إن ممارسات الغرب كانت محرك قوي، فإسرائيل والموقف الغربي الإيجابي منها، في كل الأحوال، جعل قضية فلسطين سبباً في وجود الصحوة الإسلامية، بل وذريعة لدى الجماعات الدينية كافة، ناهيك عن غزو العراق والحرب الأفغانية بتأسيس الجماعات الجهادية، التي خرجت من أفغانستان إلى المنطقة.

* في هذا الإطار، هل «داعش» صنيعة هذا التراث أم صنيعة مَن؟
** كان التراث موجوداً، فلماذا صنعت «داعش» اليوم وليس في الأمس؟! لكن يمكن اعتبار التراث الديني قد شكل فكر «داعش»، أما وجودها فما زال خبره عند جُهينة، وجهينة لم تنطق بعد، نحتاج مرور نحو ثلاثين عاماً كي يُسمح لها بالنطق، أما الآن فليس لي غير القول صناعة اشتركت فيها دول وقوى كبرى. أقول هذا، وأنا لستُ مختصاً في أمر الإرهاب وحركاته، فهناك مَن يُقدم نفسه خبيراً في هذا الشأن، وهم يملؤون الفضائيات اليوم.
* بسبب المتطرفين يرى بعض الغربيين أن المسلمين صناع موت على الرغم من أن ديننا يحض على صناعة الحياة، ما تعليقك؟
** إنها مشكلة التعميم، والتي يبتلي بها الكثير من أهل العِلم، المسلم لم ينزل من كوكب آخر، وكم من المسلمين ساهموا في الحضارة الأوروبية، والبداية كانت بالفلاسفة القدماء، وهل يمكن أن نسمي المسيحيين صُنّاع موت عندما كانت الكنيسة تُقيس إيمان الناس بالأشبار، ومحاكم التفتيش قائمة، أم هو الانتقاء، لا المسلم ليس صانع موت ولا راغب بالموت إنما هناك جماعات تمثل تلك الصناعة، ومَن تابع برنامج «صناعة الموت» الذي تبثه قناة «العربية» سيرى كيف أن خطورة تلك الصناعة وقع على المسلمين قبل غيرهم. أقول: بن لادن مسلم ورئيس الهند أبو الكلام مسلم أيضاً، فكيف يُجمع بينهما، وبهذا التعميم والتجهيل؟!

* كثر الحديث عن حوار الحضارات، فهل مشكلتنا ذاتية أم مع الآخر؟
** مشكلتنا ومشكلة غيرنا أيضاً، ذاتية أولاً ثم مع الآخر، ذلك إذا علمنا أهمية العامل الداخلي في تقدم أو تراجع شعب من الشعوب أو أمة من الأُمم، وأزيد في حالتنا تبدو ذاتية إلى حد كبير.

* ازدهار المرحلة الأندلسية كان نتيجة التسامح المتبادل بين الإسلام والمسيحية، فكيف نستفيد من هذه التجربة في العصر الحالي؟
** لا أتفق مع هذا القول، إنما الانفتاح على المسيحية كان موجوداً ببغداد، عاصمة الدولة العباسية، وقبله بدمشق عاصمة الأمويين، وكذلك عند العثمانيين، والشرق أزدهر كثيراً بمشاركة المسيحيين، والحُكام ذهبوا من الشرق إلى الأندلس، غير أن الظروف السياسية والاستقرار النسبي هناك قد أعطى الأندلس ميزة ما تفضلت به، وهذا لم يستمر كثيراً، فلو تفحصنا التاريخ نجد موجعات كثيرة نزلت هناك على غير المسلمين، واضطهد مفكرون وأقصي آخرون. هذا الحُكم أيضاً له صلة بما أشرنا إليه بالتعميم.

* صراعنا مع الغرب حالياً هل تراه صراع بين دينين أم بين عالمين؟
** لا يوجد صراع ولسنا متفقين مع الغرب أكثر من هذا الزمن، وليس هناك عربي لا ينزع للحياة في الغرب، إقامة أو سياحة أو تجارة أو أخذ عِلم، وليس هناك سياسي عربي لا يفهم أن بناء بلده لا يتحقق إلا بخبرة وجهد غربي، فأين هو الصراع؟! هذه حقيقة، ليس لنا الهروب منها. لا يوجد صراع ديانات ولا مذاهب، يوجد جماعات توجه هذا الصراع وتقدمه على أنه ديني أو مذهبي.

* لا تحفل بغداد أوأي عاصمة عربية بما تحفل به نيودلهي مثلاً من كثرة الأديان والمذاهب والأقوام، فلماذا تتقدم الهند ويتأخر العرب، هل هي الطائفية إذن؟
** انتصرت الهند على الطائفية الدينية والقومية بعلمانيتها الحقيقية، التي خدمت الأديان والمذاهب كافة، فهي التي جعلت الأكثرية الهندوسية تنتخب المسلم أبو الكلام زين العابدين لرئاسة الهند. لكن، هل تخلصت الهند من نظامها الاجتماعي الطبقي المدمر؟! لا، فما زالت غير قادرة على ذلك، وهنا تبقى تجربة الديمقراطية محدودة، أقول هذا مع إعجابي بالتجربة الهندية، وتعايش مئات الأديان والمذاهب بسلام، ما عدا حدوث نزاعات يستغلها السياسيون أسفرت عن مقاتل بين الجماعات، مثلما هي أزمة مسجد بابري بين المسلمين والهندوس في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي.

* تدمير التراث أحد أشكال اضطهاد الناس، ولذلك تعتبر قضية حماية التراث أكثر من مجرد مسألة ثقافية، فعلى من تقع مسؤولية تدمير تاريخ وآثار العراق وسوريا واليمن بسبب الحروب والنزاعات في السنوات الأخيرة؟
** لم نكن نعرف أن تحت تراب أرضنا كل هذه الكنوز الأثرية، لولا حملات التنقيب الغربية، التي جاءت وحملت الكثير من الآثار لتُشييد بها متاحف أوروبا العظيمة. من هذا نفهم أن حرصنا على التراث بدأ حديثاً، وما زال العديد من الجماعات الدينية والأفراد من الفقهاء يعتبرونها مجرد أوان وأصنام، هذه هي الثقافة المزروعة في عقول الكثير المتدينين، وآخرون تعاملوا مع التراث كتجارة سوداء عبر الحدود العالمية. فحماية الآثار ليست مهمة ثقافية فقط، إنما مهمة سياسية واجتماعية وطنية قبل كل شيء، فهذا إرث الشعب والأرض. أما تدمير آثار العراق، فالأمريكان يتحملون القسط الأوفر، لأنهم غروا البلاد وتركوها بلا حتى حرس حدود، هذا من الناحية السياسية، أما من ناحية التنفيذ فالجماعات الدينية تتحمل ما حصل، لكن أيمكن أن يُقال للتمساح أنك متوحش؟! فهؤلاء تماسيح لم يسلم منهم لا البشر ولا الشجر، من دون أن أغفل ممارسات النظام العراقي السابق في الاتجار بالآثار والمخطوطات تحت وطأة الحصار، أما التراث السوري واليمني فيُسأل عنه بشار الأسد وعلي عبد الله صالح.

* وما أبرز خسائر العراق في هذا الإطار؟
*عاجز عن تقدير الثَّمن، والخسائر لم تبدأ مع «داعش»، إنما صُرفت ثروات العراق ودماء شبابه في الحروب، بسبب سياسات النظام السابق، ثم أكمل مسلسل الخسائر مَن أتى في ظل الغزو «2003»، ووصلت الذروة بالجماعة التي سمت نفسها «دولة القانون» و«داعش»، فصارت الآثار أصناماً تحت رحمة فؤوس «داعش»، ولك قياس عظمة الخسارة، وهي الجولة الثانية من الخسائر بعد نهب المتحف الوطني العراقي «9 أبريل 2003».