ثعلب السياسة يعود إلى الواجهة من البوابة الروسية..

تقرير: الرئيس ناصر.. رفض عروض صالح وقدم نصيحة تاريخية لهادي

علي ناصر محمد المعلم الاستاذ

نصر محسن
كاتب صحافي متعاون مع صحيفة اليوم الثامن

علي ناصر محمد الرئيس الجنوبي السابق والسياسي اليمني الذي يصفه يمنيون بأنه ثعلب السياسة اليمنية، خرج من عدن في منتصف ثمانيات القرن الماضي اثر الانقلاب على حكمه إلى صنعاء ومنها إلى سوريا، بعد ان اتهم بأنه معرقل لتوقيع الوحدة اليمنية بين ممثل الجنوب (الحزب الاشتراكي اليمني) وممثل الشمال حزب المؤتمر الشعبي العام والقوى المتحالفة معه من التيارات الدينية المتطرفة والقبلية والعسكرية، انتهى هذا الاتفاق بالحرب التي حذر منها ناصر في وقت مكبر معتبرا انها حرب لن يخرج منها اي منتصر.

خلال مسيرات الحراك الجنوبي التي انطلقت في العام 2007م، ظل الحراكيون يرددون شعارات تطالب بعودة قيادات الجنوب من المنفى، لدعم دعوات الاستقلال التي انطلقت حينها، ليظهر بمشروع دولة اتحادية من اقليمين قوبل بمعارضة من السلطات اليمنية ومن الجنوبيين إلى ان يتخذ هادي قرارا عقب مؤتمر حوار شهير بتسليم اليمن الى ستة اقاليم أعلن الجنوبيون رفضهم له.

من هو علي ناصر محمد؟

علي ناصر محمد الحسني (ولد 1939) كان رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لفترتين رئاسيتين. حيث عمل كرئيس مجلس الرئاسة من 26 يونيو، 1978 حتى 27 ديسمبر، 1978. وكرئيس للجمهورية في أبريل 1980 ، قبل ان ينقبل عليه عبدالفتاح اسماعيل الذي كان قد فر الى روسيا، لكن قتل في تلك الحرب التي أشعل نارها للإطاحة بناصر من الحكومة نتيجة تقارب الأخير مع جيران اليمن الجنوبي في الخليج.

  البداية

بدأ الرئيس علي ناصر محمد حياته مدرسا، في العام 1959، بعد تخرّجه من دار المعلمين فمديرا لمدرسة "دثينة" الابتدائية، ثم انضم إلى حركة القوميين العرب في اليمن الجنوبي التي تحولت فيما بعد إلى تنظيم الجبهة القومية، وانخرط في الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني حتى العام1964، وتخرج من مدرسة الصاعقة في أنشاص في مصر وأصبح عضوا في المكتب العسكري، وبعد استقلال اليمن، تم تعيينه محافظا للجزر اليمنية في العام 1967، ثم حاكما لـ "لحج"، وفي آذار – مارس من العام 1968 أصبح عضوا في القيادة العامة للجبهة القومية، ثم بعد سنة اختير وزيرا للحكم المحلي ثم وزيرا للدفاع بدءا من العام 1969 ثم جمع في أواسط السبعينات حقيبة الدفاع مع التربية، وفي العام 1971 اتفق الرفاق على تعيينه رئيسا للوزراء، وعضوا في المجلس الرئاسي الثوري، وتمت تنحية الرفاق سالم ربيع علي وعبد الفتاح إسماعيل وعلي عنتر ومحمد صالح العولقي، وأصبح علي ناصر محمد رئيسا بالوكالة ثم عُقِد مؤتمر طارئ للجبهة القومية في أكتوبر – تشرين الأول من العام 1980، وتمت تنحية عبد الفتاح إسماعيل وتعيين علي ناصر محمد رئيسا للدولة وأمينا عاما للحزب ورئيسا للوزراء.

الانفتاح على الخليج

 اكتشفت ناصر وعدد من رؤساء الدول الاشتراكية، أن الاتحاد السوفييتي كان حريصا على إبقاء دولهم بحالة فقر، وانعدام للتنمية والرفاهية، وقد عرض عليه الرئيس الإثيوبي منغستو هيلا مريام وثيقة تثبت أن النفط قد اكتشف في بلاده على يد الشركات الروسية، ولكنهم أخفوا الأمر عن الحكومة الإثيوبية، بعد أن أبلغوا موسكو"، وكان انفتاح علي ناصر على دول الخليج العربية، والقرن الإفريقي، ملمحا هاما من ملامح حكمه، وربما كانت المرجعية الثقافية لمواطني اليمن الجنوبي دافعا كبيرا لبحثهم عن التنمية، وهم بمعظمهم تجار ناجحون تاريخيا من حضرموت إلى عدن.

الضغط على الخليج

في موسكو استقبل بريجنيف علي ناصر محمد بالقبلات، وفي الاجتماع المغلق، أخرج الرئيس الشيوعي السوفييتي خريطة للجزيرة العربية، واشار بإصبعه إلى الربع الخالي، وليس إلى اليمن الجنوبي، وقال هذه المنطقة تسبح فوق بحيرة من النفط، ونحن نريد التعاون على هذا الملف، وفهم علي ناصر أن الروس لا يريدون تقديم العون لليمن بقدر ما يريدون الضغط على السعوديين وبقية دول الخليج وبالتالي الولايات المتحدة، من خلال دفع اليمن لإثارة الإشكالات الحدودية مع السعودية وعُمان.

الموقف من عمان يغضب الروس

تقول صحيفة العرب الدولية "حين صعد علي ناصر محمد وتسلّم القيادة السياسية والعسكرية في اليمن الجنوبي كان في "أرض المهرة" و"حضرموت" أكثر من"20" ألف مقاتل عماني مسلّح، وتوقع السوفييت من علي ناصر محمد إعادة إحياء ثورة "ظفار" التي اندلعت ضد الحكم في سلطنة عمان والبريطانيين، في الستينات في فترة حكم السلطان سعيد بن تيمور والد السلطان قابوس وأخمدت في العام 1975، وهي الثورة الشيوعية التي قدّم لها الدعم الاتحاد السوفييتي وجمال عبدالناصر من خلال القيادة السياسية الاشتراكية في اليمن الجنوبي الذي بدأ علي ناصر يدرك أنه يراد له أن يكون دولة وظيفية في المنطقة، بعد أن قام العقيد الليبي معمّر القذافي بتمويل ثوار ظفار، ولكن علي ناصر محمد كان ضدّ الاستمرار في التدخّل، مما سبّب حنقا سوفييتيا كبيرا سرعان ما ترجم في تأزيم الموقف داخل قيادة الحزب الاشتراكي.

 

بعد انهيار سلطته 

تفجر الوضع في جنوب اليمن، وانقلب الحزب الحاكم على قياداته، وغادر علي ناصر محمد السلطة بعد أحداث 13 يناير- كانون الأول من العام 1986، لاجئا إلى صنعاء في اليمن الشمالي، ثم غادرها ثانية في العام 1990، وكان الصراع داخل الحزب الاشتراكي قد تسبب بغضب، وربما بارتياح، القيادة السوفييتية، التي لم تعد قادرة على تحمّل تصرفات علي ناصر محمد، بعد محاولاته الخروج عن عصا الطاعة، والانفتاح على اتجاهات مختلفة في العالم لا ترضى عنها موسكو.

رحل علي ناصر عن صنعاء إلى دمشق، ليلتزم الصمت طويلا، عند حافظ الأسد، الذي أراد الاحتفاظ بورقة يمنية، كما استضاف من قبل طيفا من المعارضات العربية والإقليمية في المنطقة، عبدالله أوجلان والجبهة الشعبية لتحرير إرتيريا والفصائل الفلسطينية المنشقة عن منظمة التحرير، والمعارضة البحرينية، والمعارضة العراقية بكامل أحزابها وشخصياتها، والمعارضون المصريون والتوانسة والجزائريون والموريتانيون، حتى شكّل جناحا مسلحا لحزب البعث في نواكشوط!

وكان على علي ناصر محمد، أن يمشي بين الألغام في مناخ سوريا المتشابك، المتمثل في الأجهزة الأمنية والفساد والمتنفذين، ولكنه ذهب إلى التشارك مع فخري كريم في مشروع المدى، وفي العام 1995 أسس في دمشق المركز العربي للدراسات الاستراتيجية.

وأصرّ خلال فترة وجوده في سوريا على الاحتفاظ بشخصية المتقاعد، رغم أنه تدخّل كثيرا في حياة اليمنيين، وحاول الظهور بمظهر الأب الذي يحنو عليهم، من خلال الأعمال الخيرية وإجراء العمليات الطبية للفقراء منهم على نفقته الشخصية، والتركيز على الجانب الثقافي لليمن الجنوبي، من خلال مراكز دراسة العمارة والفنون التي قادتها زوجته السورية ريم عبدالغني، التي كثيرا ما تمّ اتهام على ناصر محمد بأنه من خلالها قام بمصاهرة طائفة حافظ الأسد، في الوقت الذي تتحدّر فيه ريم عبدالغني ناصر محمد من أصول سنيّة في اللاذقية.

وحاول علي عبدالله صالح استثمار علاقته مع الرئيس المتقاعد، فعرض عليه عدّة مرات الترشح أمامه في الانتخابات، وتقول مصادر مقرّبة من علي ناصر محمد إنه قام في إحدى تلك المرات بعرض مبلغ خمسين مليون دولار أميركي كهدية لعلي ناصر محمد في حال قبل الترشّح لمنصب الرئاسة أمام علي عبدالله صالح، ولكنه يعلم تماما أن السلطة وأجهزة المخابرات وصناديق الاقتراع كلّها كانت تحت تصرّف صالح، فرفض مسبقا الدخول في تلك الانتخابات.

 

بعد ثورة اليمن

 

كثيرا ما تشكو الأوساط العربية من شحّ الشخصيات ذات الخبرات السياسية في الساحة العربية، وكثيرا ما قدّم السياسيون أنفسهم على أنهم ماهرون في اللعبة، ولكن كان على السياسي أن يدرك أن المكسب الأبعد لقضيته يختلف عن المكسب الشخصي، وأنّ الأول سيفضي إلى الثاني دون شك، الأمر الذي أدركه علي ناصر محمد، فحين انتفض الشعب اليمني، وازداد تعقيد المشهد في تعنّت علي عبدالله صالح وتمسّكه بالسلطة، مقابل التفكك الأمني الكبير الذي ضرب البلاد، يقول علي ناصر محمد عن ثورة جيله في 14 من أكتوبر تشرين الثاني من العام 1963 بأنها:" كانت ثورة لرجال من كافة مناطق الجنوب الذي كان يتكوّن يومها من سلطنات ومشيخات وإمارات يتجاوز عددها الـ 22… و كان لثورة 26 سبتمبر في الشمال دورها في تشكيل الخلفية والمنطلق التي ساندت الكفاح المسلح في الجنوب بالإضافة إلى تعاطف الشعب في الشمال مع ثورة أكتوبر".

يقدّم علي ناصر محمد اليوم نفسه ضمن إطار صورة الزعيم التاريخي لليمن، مستفيدا من تضاريس وأخطاء تجربته الشخصية، ومن تجارب السياسيين اليمنيين، ومن انهيار حكم علي عبدالله صالح، وتربطه علاقات مميزة مع الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي فقد نقلت مصادر بأن الرئيس علي ناصر محمد كان قد وجّه نصيحة للرئيس هادي، يطالبه فيها بأن يغادر الرئاسة، كون الأمور لا تبشّر بخير، قائلا: " نصيحة يا أبا جلال غادر.. الأمور لا تبشّر بخير"!، بعد أن اشتكى الرئيس هادي لعلي ناصر محمد بالقول: " لقد تعبتُ كثيرا خلال الفترة التي تولّيت فيها الرئاسة" مضيفا أنه يرى أنه "يحرث في البحر بسبب ممارسات بعض السياسيين والعسكر في صنعاء، وأنه لا ينام إلا ساعة أو ساعتين".

وفي الوقت ذاته، يستمر الحكم في اليمن، ما بين التدخل الإيراني الذي تصرّ عليه طهران بدعم الحوثيين في صعدة، وتكريس دور علي سالم البيض، بينما ينفتح علي ناصر محمد على الإيرانيين بشكل مفاجئ، لمحاولة قطع الطريق على ملايين الأطنان من السلاح التي يورّدها علي سالم البيض إلى الجنوب، ويواصل دعوته إلى الحوار ما بين الأطراف كلّها في اليمن، فيظهر بمظهر الحكيم اليماني، الذي تدخّل أكثر من مرة لتجاوز الأزمات عبر فتح النوافذ بالحوار السياسي. وعمل علي ناصر محمد على إيقاف حرب الاستنزاف بين شطري اليمني، وتمكّن من إبرام مصالحة بين الجبهة الوطنية المدعومة حينها من قبل اليمني الجنوب وحكم علي عبدالله صالح في الشمال، ويحتاج اليمن والمحور العربي اليوم، توطيد اليمن بتكريس الأداء السياسي بعيدا عن السلاح ومراكز القوى، وتنتظر اليمن عملية جراحية عربية لوقف الامتداد الإيراني في أراضيه، وإلا أصبح الجنوب الفك السفلي للكماشة الإيرانية التي تعمل في الشرق والشمال.

وقد كان لافتا أن ترفع أجيالٌ صورة علي ناصر محمد، وهي لم تولد في عهده، شباب الثورة اليمنية، الذين جابوا بتلك الصور شوارع الجنوب، هتفوا لرجلٍ أثبت أنه ليس مغامرا في السياسة، وإلا لما قبل البقاء في البيت قرابة ثلاثة عقود، بقيت فيها العلاقة ما بين ناصر وصالح لغزا كبيرا يدلّ على اعتماد الاثنين كليهما مبدأ شعرة معاوية، مع أن علي ناصر محمد بقي هاجسا في ذهن علي عبدالله صالح طيلة حكمه، ونجح عبدالله صالح في تخريب علاقات علي ناصر محمد مع عدد من الدول العربية، مع أن الأخير أكّد له مرارا، وفي أكثر من مناسبة، أنه ترك اليمن وليس في باله الجلوس مكانه على كرسي الحكم، أما الأمران الثابتان اللذان يصرّ عليهما علي ناصر محمد في الإعلان عن مواقفه فهما تمسكّه بالدعوة إلى الحوار الوطني لإعلان التصالح والتمسك بوحدة اليمن في الوقت الذي يلوّح كثيرٌ من قادة الجنوب بورقة الانفصال لتحقيق المكاسب السياسية.

العودة من البوابة الروسية

عاد الرئيس ناصر مؤخرا إلى المشهد السياسي ليقدم حلولا للحرب التي دمرت اليمن جراء اصرار الحوثيين الموالين لإيران على المضي قدما نحو التصعيد ومواصلة القتال.

وأكد رئيس اليمن الجنوبي، علي ناصر محمد على ضرورة إقامة دولة اتحادية في اليمن من إقليمين، خلال مشاركته في مؤتمر فالداي العالمي الذي يقام سنوياً في مدينة موسكو. واقترح ناصر رؤية للحل في اليمن بإيقاف الحرب وتوفير مناخ سياسي ملائم للحل، والشروع بخطوات لاستعادة الثقة بين المتصارعين بموجب، تشكيل مجلس رئاسي لإدارة المرحلة الانتقالية، وتشكيل حكومة توافقية من كافة المكونات السياسية، وتشكيل لجان عسكرية محلية وإقليمية ودولية لجمع السلاح الثقيل والمتوسط من الجماعات المسلحة وتركيزها في يد سلطة وزارة الدفاع الوطنية.

 وطالب بإطلاق الحوار، بعد وقف إطلاق النار، بين كافة المكونات السياسية والاجتماعية للتوافق على شكل الدولة الفيدرالية وقيام الدولة الاتحادية من إقليمين، وتشكيل لجنة دستورية لتنقيح المشاريع الدستورية المطروحة.

وطالب علي ناصر محمد أيضاً، بتشكيل لجنة انتخابية لوضع الأسس للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لتجنب المجابهات العسكرية مجدداً، وبعقد مؤتمر دولي لتمويل وإعادة إعمار مادمرته الحرب. وطالب ناصر مجلس الأمن الدولي بدعم هذه الخطة لتكون ملزمة وقابلة للتنفيذ تحت إشرافه.

 

المصادر - وسائل اعلام دولية