رجل طاعن في السن..

قصص هندية ساخرة لكنها سوداوية ولا تهدف إلى التسلية

قصص عن حياة الهندوس والمسلمين المضطربة

أحمد رجب (لندن)

يضم كتاب “من الأدب الأردي.. قصص قصيرة” نماذج مختارة من القصص القصيرة الهندية التي كتبت باللغة الأردية لستة من كبار كتابها، ترجمها الدكتور أيمن عبدالحليم الأستاذ بقسم اللغات الشرقية بجامعة عين شمس، وهو من القلائل الحاصلين على درجة الدكتوراه في اللغة الأردية وآدابها، وسبق أن ترجم عنها أكثر من كتاب مثل الرواية القصيرة “سفر الخروج”.

ويؤكد المترجم في مقدمته للكتاب الصادر عن سلسلة الجوائز التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، حرصه على أن تمثل هذه المختارات الفترة الذهبية للقصة القصيرة وكتابها في تاريخ الأدب الأردي في كل من الهند وباكستان، موضحا أن القصص المترجمة كتبت “تحت تأثير أحداث تقسيم الهند وتعكس صورا واضحة المعالم للعنف الطائفي والتعصب المذهبي وتمنح درسا خالدا للبشرية تعلو فيه المعاني الإنسانية من حب ورحمة فوق الأحقاد والكراهية العمياء، وهذه النماذج تضع الأدب الأردي في مقدمة الآداب العالمية التي تنادي بقيم الحق والفضيلة وتسمو فوق الصراعات والمصادمات”.

القصة والواقع

يرى دارسو الأدب الأردي أن القصة القصيرة من أقدم فنونه، فبعضهم ينسب المثنويات إلى فن القصة القصيرة، وبعضهم يرد أصولها إلى حكايات كليلة ودمنة، لكنهم اتفقوا على أنها بشكلها الفني المتعارف عليه تعتبر ابنة للقرن التاسع عشر الذي شهد الاحتكاك بثقافة المحتل الإنكليزي وانتشار الصحف. وقد مرّت القصة الأردية القصيرة في تطورها بمراحل عديدة لكنها حافظت في كل مراحلها على السمات المؤكدة لمحليتها.

القصص القصيرة رغم سوداويتها لم تخل أيضا من لمحات المحبة والفطرة الإنسانية النقية ضد فكرة الشر المطلق

ويعتبر بريم جند أبا للقصة الأردية القصيرة، لكن المترجم اختار نماذج لستة من كتاب الجيل التالي له وهم: سعادت حسن منتو، راجندر سنج بيدي، كرشن جندر، خواجه أحمد عباس، أحمد نديم قاسمي، وخديجة مستور، وهم جميعا على اختلاف مدارسهم الأدبية وعقائدهم الدينية وأساليبهم القصصية، قصصهم تعتبر علامة بارزة في تاريخ الأدب الأردي وتحظى بدراسات نقدية وأكاديمية حتى الآن.

ويبرر المترجم إيثاره للقصة القصيرة بأنها “كانت أكثر تأثرا وقبولا لمشاكل شبه القارة الهندية عاكسة لآلامها وآمالها، فاقتربت من الحياة ومن مشاكل المجتمع وتفاعلت مع هموم الشعب، وشاركت في الحركات الإصلاحية وأسهمت في بث الروح الثورية ضد الاستعمار، فكانت من مظاهر تفسير الحقائق وانعكاس الحياة في الأدب”.

وقد شغلت المصادمات الطائفية بين المسلمين والهندوس كتاب القصة القصيرة.لذا عالجت قصصهم هذه المتغيرات. ويقول أيمن عبدالحليم “إن القصص تدل دلالة واضحة على أن كتاب القصة القصيرة في الهند وباكستان أخذوا ينظرون إلى الواقع نظرة جد مختلفة وجديدة، عمادها الإدراك الواعي للأحداث من حولهم”.

ويشير المترجم إلى أن “كتاب القصة القصيرة قدموا هذا الواقع بوضوح وصراحة، ولمْ يكن غرض هذه القصص التسلية والمتعة، خاصة وأن بعضها يحمل لهجة ساخرة في ثوب كوميديا سوداء، وإنما غرضها الوصول من خلال الوعي بالأحداث الطائفية وتأثيرها على المجتمع إلى الحقائق الإنسانية”.

آمال وآلام

يشترك كتاب القصة الأردية في أنهم تعرضوا لظرف تاريخي واحد، فكان لديهم إدراك عميق بأحداث التقسيم التي أحدثت خللا في الهياكل الاجتماعية والفكرية واهتزازا في القيم الإنسانية المرتبطة بالواقع. فقدموا هذا الواقع بأساليب فنية متنوعة، وعالجوا في قصصهم قضايا الآلام الإنسانية التي خلفتها أحداث المصادمات الطائفية بلمحاتها التراجيدية الحزينة التي عزفت شخصياتهم القصصية على أوتارها.

فخرج بعضها في صورة مراث تنعى أسرهم التي فارقوها، ويبكون على علاقاتهم وضياع ثقافاتهم، وبعضها تصوير للانحطاط الإنساني الذي يؤدي إلى ارتكاب أبناء الوطن الواحد لأعمال بربرية ووحشية ضد بعضهم بعضا.

ولمْ تخل هذه القصص أيضا من لمحات المحبة والفطرة الإنسانية النقية التي تقضي على فكرة الشر المطلق، كما جاء بعضها تأريخا للقضايا الاجتماعية والنفسية التي نتجت عن هذه المذابح؛ خاصة وأن صراعات وآلام أبطال تلك القصص ترتبط بقوة إنْ لمْ تكن مستمدة جميعها من الأحداث الواقعية.

ومنح المترجم ثلث صفحات كتابه للقاص سعادت حسن منتو (1912 – 1955)، وقدم قصصا من مجموعته “زر الطربوش” التي تتعامل فنيا مع آثار التقسيم واختار المترجم منها قصة “توبة تيك سنج” التي تسخر من تبادل المجانين بين الهند وباكستان.