قرار قتله صدر من طهران ..

ماهي أسباب الخاتمة التراجيدية للرئيس صالح

الراحلان علي صالح وعارف الزوكا

وكالات

كشف السكرتير الصحفي للرئيس اليمني الراحل علي صالح، أحمد الصوفي لـالوطن، أن تصفية الرئيس السابق أُقرّت من أعلى المراجع السياسية والدينية في طهران، مشيرا إلى أن الخيانة لم تكن وحدها سببا في نهاية صالح، وإنما هناك أسباب أخرى تكفّلت برسم تلك الخاتمة التراجيدية، منها عدم الاستعداد للمعركة.

يواصل السكرتير الصحفي للرئيس اليمني الراحل علي صالح، أحمد الصوفي إفاداته لـالوطن، حول الأحداث التي جرت قبل وبعد مقتل صالح، مبينا أن تصفية الرئيس السابق كانت قد أقرت من أعلى المراجع السياسية والدينية في طهران، وأنه خاض مواجهة هو لم يحدد أو يختر ساعة الصفر لها، وكشف أن الخيانة لم تكن وحدها سبباً لنهاية صالح، وإنما هناك أسباب أخرى تكفلت برسم تلك الخاتمة التراجيدية، منها عدم الاستعداد للمعركة، مشيرا إلى أنه لم يواجه هجوم الحوثيين المدججين بالأسلحة الثقيلة، والأعداد الكبيرة من المرتزقة، بل كان يواجه جيشا من المتكسبين.

 فض الشراكة

هل ظهور صالح، وإعلانه فض الشراكة مع الحوثيين والانتفاضة في وجه المشروع الإيراني، هو ما جعل الحوثيين ينتقمون منه؟

 لقد كان الحوثيون يعلمون أن لحظة فك الارتباط آتية لا ريب فيها، وكان مخطط تصفية علي عبدالله صالح من أولويات الحفاظ على مكاسبهم العسكرية في الميدان، وأن خطوطا بدأت تتكشف أمامهم قبل يوم المواجهة الحتمية التي قرر صالح أن يخوضها كممثل للشعب اليمني، ومعبراً عن روح ثورتي سبتمبر وأكتوبر.


لقد كان خطاب صالح الأخير، أو وصيته الأخيرة، استدراكا سياسيا حصيفا حدد طبيعة الصراع وجوهر الصدام والمواجهة مع الحوثيين، واختار القضية التي من أجلها قدم روحه ودمه قربانا لها، وكان الحوثيون يعلمون واستعدوا لهذه اللحظة الفاصلة وهم يطمعون بأن يجعلوا صالح يتنفس من سخام القيم الملوثة التي انسحبت على المشهد السياسي جراء التحالف البغيض معهم، كلاهما كان يعلم أن لحظة المواجهة وساعة الصدام والمواجهة الكبرى آتية لا ريب فيها، وكلٌ كان يتهيأ لها بطريقته، غير أن الحوثي بطبيعته العدوانية ورفضه لمبدأ العيش المشترك، ودأبه على تدبير المؤامرات لتصفية الخصوم والحلفاء كان قد أعد العدة الكافية ليحسم الصراع لصالحه ويحذف دور صالح الذي تقرر منذ وقت مبكر من قبل أعلى المراجع السياسية والدينية في طهران، وما الحوثي إلا أداة متوحشة نفذت ما أملاه عليها سيدها.

ـ مع هذه النهاية التراجيدية رشحت معلومات من مصادر متعددة تفيد بأن صالح كان يعلم بوجود خيانات من حوله، لماذا تأخر في اتخاذ القرار؟


لم تكن الخيانات وحدها سبباً كافياً لنسج تلك النهاية المشؤومة لرجل يتمتع بذلك الوزن الشعبي العارم، هناك أسباب أخرى تكفلت برسم تلك الخاتمة التراجيدية. لقد كانت المواجهة منذ الوهلة الأولى تعتمد على المبادرة والارتجال، لم تكن الموارد المتوفرة قد حشدت، ولم تكن التدابير العسكرية الضرورية قد جرى مراعاتها مثل تأمين القيادة والسيطرة والتموين، ولم تُعد الخطة العسكرية التي يمكن للمقاتلين اتباعها والالتزام بها، لقد مضت الانتفاضة بخطى مرتجلة نحو الخاتمة التراجيدية الناتجة عن استدراج الحوثيين لصالح إلى حرب ومواجهة هو لم يحدد أو يختر ساعة الصفر لها. أنا على يقين أن حربا إذا ما قرر صالح خوضها لا شك أنه كان سيعد لها العدة الكافية ليضمن النصر، لأنه قائد عسكري محنك، لقد اختاروا له التوقيت وأديرت المعركة بقصور بيّن في فن إدارة المواجهات الشبيهة.

المسؤولية جماعية

هناك أصابع عديدة تشير بالاتهام إلى ياسر العواضي وآخرين ممن حوله بالخيانة. ما معلوماتك في هذا الشأن؟

المعارك المرتجلة التي تؤدي إلى هزائم قاسية كالتي انتهى بها مؤقتا الصدام تنزع بالعادة إلى البحث عن أب وأم للهزيمة، والجميع يتبرأ منها، لكنني أقول إننا جميعا نتحمل مسؤولية صناعة تلك الخاتمة القاسية لرجل بحجم الزعيم علي عبدالله صالح، ولا يمكن أن يبرر حزب بحجم المؤتمر الشعبي العام لنفسه أو لغيره أمام التاريخ أو أمام أعضائه ونفسه تلك النهاية المأساوية، فالتاريخ لن يرحم من صنعوا ذلك الحدث واختاروا أن يرتبط اسمهم بأدق تفاصيل ثوانيه وساعاته. لقد كان هناك بعض من قيادات حزب المؤتمر التي لم تميز في ذلك اليوم انتماءها وما إذا كانت للمؤتمر أم جزء من الوساطة التي مكنت الحوثيين من جمع المعلومات حول نقاط ضعف تحصينات الجبهة التي تخندق فيها زعيم المؤتمر نفسيا وسياسيا وأخلاقيا، وحزب المؤتمر معني بتقييم الحدث بكل أبعاده حتى يرد على أسئلة التاريخ وحاجات التنظيم لإجابات نزيهة وموضوعية وشافية. لقد فرضت التحالفات الخاطئة قبل لحظة المواجهة التباسات وتداخلات في الاصطفافات والولاءات في جبهات المواجهة، وستظل تسحب نفسها على المؤتمر الشعبي العام لوقت طويل. إنها لحظة لا يمكن قياسها بالأسماء أو بالانفعالات الآنية، بل بتقييم يعتمد على المرجعيات السياسية والعسكرية، ويستعين برجال لم تختلط مشاعرهم ولا مواقفهم بحسابات الربح أو الخسارة، أو تتلوث بأطماع وراثة دم الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح.

غير أنني أجزم بأن أنسب مكان لتلقي الإجابة الكاملة عن هذا السؤال الشائك هو المؤتمر العام الثامن لحزب المؤتمر الشعبي العام، ولا شك أن لذويه وأبنائه وأولياء دمه صوتا ورأيا في هذا الشأن. وقد قاوم صالح ببسالة ليس فقط هجوم الحوثيين المدججين بكل أنواع الأسئلة الثقيلة، والأعداد الكبيرة من المرتزقة، بل كان يواجه في ذات الوقت جيشا من المتكسبين الذين قادوا كتائب من الأكاذيب وفيالق من الأوهام.

صراع مكشوف

لماذا خيم الصمت على أنصار الرئيس السابق وقواعد حزب المؤتمر الشعبي العام. وهل هناك محاولات للثأر من الحوثيين؟

لقد كانت الصدمة كبيرة، واستيعابها يحتاج إلى وقت. فما بالك وحزب المؤتمر يجمع بين استيعاب الصدمة ورص الصفوف لاجتثاث الحوثي ومن تعاونوا معه في اقتراف جرائم بحق الوطن والمواطن، والجميع يتهيأ للمواجهة المرتقبة، ويترقب لحظة الثأر بمعناها السياسي والأخلاقي لدم علي صالح الذي لن يذهب هدرا، بل هو اليوم يعمد مفهوم جمهوريتنا، ويؤكد أن المواجهة اليوم بين اليمنيين الذين يسعون إلى امتلاك زمام مصيرهم على أرضهم ودولتهم، ويعبرون على رغبة شعبهم في العيش المشترك في ظل نظام جمهوري يعتمد الديمقراطية في الوصول إلى السلطة، وبين أصحاب النزعة الفارسية التي تحاول أن توجه طاقة اليمن لخدمة مشاريع مشبوهة تفرض مكانا للنزعة الإمبراطورية الإيرانية في الجغرافيا اليمنية. هو صراع بين الجمهورية اليمنية بكل فئاتها الاجتماعية وبين من يريدون عودة عجلة التاريخ إلى الوراء، لقد أنجز الحوثيون انقلابا ليس فقط على ثورتنا بل وعلى عروبتنا وثقافتنا الوطنية أيضاً. وحولوا صنعاء إلى عاصمة مارقة عن محيطها الوطني ومتمردة عن التزاماتها العربية.

ثقل جماهيري

ولكن ما حقيقة التصدعات في حزب المؤتمر الشعبي العام؟

المؤتمر تجاوز طائفة من أقوى الصدمات التي لم يتعرض لمثلها حزب سياسي في المنطقة العربية، هو عبر ما يسمى بالربيع العربي باقتدار وهو بكامل جاهزيته كحزب، وبرهنت الاستبيانات المحايدة أنه ما زال الحزب الأكثر ثقلا في الأوساط الشعبية، ويتمتع برنامجه السياسي ورؤيته الوسطية بتأييد شعبي كاسح، ولكن تقف أمامه اليوم مهمات شديدة التعقيد وفي أوضاع أقل ما يقال عنها أنها غير مختبرة أو مدربة، لكنه يتعاطى مع إفرازات انتفاضة ديسمبر والبيئة التي فرضها انقلاب الحوثي على أسس التعايش الوطني وغدره بالجمهورية اليمنية بروية وعمق. وإذا كانت هناك حالة من التبعثر في أوضاع قياداته، سواء في القاهرة أو أبو ظبي أو صنعاء، إلا أنها متحدة فكريا ومتوافقة سياسيا ومحكومة في تعاطيها مع تحدياتها الداخلية ومهماتها الوطنية بالانطلاق من ثلاثة أسس:
الأول هو أن النظام الداخلي المقر بتعديلاته في الدورة الأولى للمؤتمر العام السابع للحزب، باعتباره مرجعية تحكم أداء مؤسسات الحزب بين دورتي الانعقاد، وتمثل نتائج الانتخابات لأطره القيادية أساسا لشرعية متينة ومستقرة لا يمكن لأحد أن يتجاوزها، أو يدعي القدرة على القفز عليها. 


أما الأساس الثاني فهو وصية الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح التي أوجز فيها المهمات السياسية المنوطة بالمؤتمريين قيادة وقواعد وأنصارا، خلال المرحلة القادمة، والتي تنحصر في تحديد المربع النضالي الذي يتخندق فيه الحزب في مواجهة عصابات وميليشيات الحوثي، ومن ورائها المشاريع الإيرانية في المنطقة، وهي الوصية التي فتح بها صفحة جديدة ليحدث تغيرا عميقا في خارطة النضال الوطني، وسيفرض شروطا جديدة ويؤمن مناخات للتعجيل في تطبيق قرار مجلس الأمن �2216�. 

وبالنسبة للأساس الثالث فهو يوحد رؤية قيادة المؤتمر أينما كانت، ويتمثل بتمسك المؤتمريين بهوية المؤتمر الفكرية والسياسية، المتمثلة في الجمع المتصالح والمنسجم في التحليل والتقييم بين المصلحة الوطنية العليا ومصلحة حزب المؤتمر، باعتباره ما زال في طليعة المسجونين بهاجس تسريع وتيرة النضال للتخلص من هذه الأوضاع، وفي ذات الوقت التأهب لتحديات ما بعد انتهاء دحر الحوثي.

هذه الأسس يقوم على أساسها ما يمكن أن نسميه التحرك الوطني لتأمين التوافق السياسي بين التيارات والقوى المنخرطة في الصراع من أجل الجمهورية والثورة والوحدة ودولة النظام والقانون، وقد شرع المؤتمر في تجسيد هذا الالتزام بتحرك متناسق وتفهم كامل لأوضاع كل مجموعة في أماكن تواجدها، سواء أكان في صنعاء أو في القاهرة أو في أبو ظبي، وجميع الإجراءات التي تخالف النظام الداخلي وتتعارض ووصية الزعيم.