تحالف ظرفي يساعد على احتواء المدنيين..

خيط رفيع يشد علمانيي العراق إلى تيار مقتدى الصدر

سائرون.. لكن هل سيصلون

وكالات

ما زال تحالف العلمانيين في العراق مع تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر لخوض الانتخابات القادمة، يثير جدلا واسعا مأتاه التباعد الكبير في رؤى وطروحات الطرفين والتي تبلغ أحيانا حدّ التضادّ التامّ، ما يجعل التقاءهما مجرّد التقاء مصالح انتخابية ظرفية، دون أن يكون هناك أي ضمان للمصالح التي يراد تحقيقها، خصوصا للعلمانيين الذين يحاولون إيجاد موطئ قدم لهم في ساحة عراقية يسيطر عليها الإسلاميون بقوّة ويمتلكون وسائل استدامة سيطرتهم.

ويذهب منتقدو التحالف العلماني الصدري إلى حدّ القول إنّ سبب التقاء الطرفين سطحي إلى حدّ كبير ويمكن تلخيصه في عدائهما المشترك لبعض القوى السياسية المسيطرة على المشهد.

ويرى هؤلاء أن مدنيي العراق وعلمانييه أضاعوا فرصة استمالة شرائح واسعة من العراقيين الذين بلغوا في السنوات القليلة الماضية ذروة نقمتهم على الأحزاب الدينية الحاكمة في البلد عندما لمسوا بشكل غير مسبوق نتائج تجربة حكم تلك الأحزاب بالغة السوء على أوضاعهم ومختلف نواحي حياتهم.

غير أنّ افتقار العلمانيين والمدنيين للبرامج البديلة والواضحة، يقول المنتقدون، حرم هؤلاء من توظيف غضبة الشارع العراقي ونقمته على الأحزاب الحاكمة.

وحسب المنتقدين أنفسهم فإنّ تحالف العلمانيين والمدنيين مع الصدر دليل على عجزهم عن صياغة بديلهم المستقل وفق رؤاهم الخاصة وتبعا لأفكارهم وتوجّهاتهم.

ومن هذا المنظور -يشرح هؤلاء- فإنّ التيار الصدري الذي لا يمكن أن يتخلّص من خلفيته الإسلامية الشيعية، سيكون هو المستفيد من تحالفه مع العلمانيين والمدنيين.

 

إذا كانت المصالح هي الدافع إلى تحالف علمانيين عراقيين مع التيار الصدري، فهل من ضمان لتحقيق تلك المصالح في ساحة عراقية يسيطر عليها الإسلاميون بقوّة.. أليس ذلك التحالف وسيلة أخرى لاحتواء العلمانيين والمدنيين بدل التمكين لهم

وأولى الفوائد ترسيخ صورة مقتدى الصدر كـ”زعيم” عراقي إصلاحي متسامح ومتجاوز لحدود الطائفية، خصوصا وأنّ هذا العنوان الأخير يجد رواجا كبيرا في صفوف العراقيين المكتوين بنيران الصراع الطائفي وبما خلّفه ذلك الصراع من نتائج كارثية.

وفي إطار الاستعداد للانتخابات العامّة المقرّرة لشهر مايو القادم ، سجّل تحالف العلمانيين المعروفين بمناهضتهم للأحزاب الإسلامية الشيعية التي تحكم العراق منذ 15 عاما، مع مقتدى الصدر المعروف أيضا بمعاداته لبعض الأحزاب الحاكمة، ضمن مشروع انتخابي مشترك.

ومهّدت المواقف المعلنة للطرفين من ظاهرة الفساد المالي والإداري وتردي واقع الخدمات لإذابة الجليد بين التيار الصدري الذي يمتلك قاعدة شعبية واسعة في المدن العراقية، والأحزاب العلمانية التي لم تحظ سوى بـ3 مقاعد في البرلمان، من أصل 328 مقعدا.

وأثمر التقاء المصالح تقاربا هو الأول من نوعه بين تيار إسلامي شيعي وقوى سياسية علمانية، عبر تشكيل “تحالف سائرون” لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، في تأكيد مباشر لتخلي الصدر عن الانضمام لاحقا، إلى التحالف الشيعي.

ويهدف التيار العلماني المدني الذي يضم عدة أحزاب بتحالفه مع التيار الصدري، إلى تشكيل حكومة إصلاحية مختلفة عن الحكومات التي قادها الشيعة خلال الأعوام الـ15 الماضية.

ويقول جاسم الحلفي، القيادي في الحزب الشيوعي العراقي إن “تحالفنا مع التيار الصدري ليس أيديولوجيا وإنما تحالف مصالح عامة تخص العراقيين”.

ومن هذه المصالح، يشرح الحلفي لوكالة الأناضول، “تخليص النظام السياسي من الفساد والمحاصصة، ومحاسبة الفاسدين، وإرجاع الأموال العامة التي سرقت”.

ويؤكد أن هدف التيارات المدنية والعلمانية من التحالف مع التيار الصدري يتمثل في “تشكيل حكومة إصلاحية مختلفة عن الحكومات العراقية السابقة”.

ومن أبرز التيارات والأحزاب المدنية والعلمانية في العراق، حزب الأمة، والحركة الاشتراكية العربية، والحزب الشيوعي العراقي، والحزب الوطني الديمقراطي، والحركة المدنية الوطنية، وكتلة الوركاء الديمقراطية، والحزب الوطني الآشوري.

ويرى التيار الصدري الذي يمتلك 34 مقعدا في البرلمان، من أصل 328، أن تحالفه مع القوى السياسية المدنية والعلمانية “جاء بعد تراكم المشاكل المتعلقة بسوء الإدارة، والفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة، في ظل سنوات من الحكم الشيعي”.

ويعلّق مناضل الموسوي النائب عن كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري، بالقول إنه “بعد تشخيص المشاكل المتعلقة بالتخندق الطائفي التي مرت بها العملية السياسية في البلاد، فإن الصدر يدعم التحالف مع القوى السياسية على أساس وطني، والابتعاد عن القاسم السياسي والحزبي والقومي”.

ويعتبر الموسوي أن “الانتماءات الحزبية لم تجلب للعراق سوى المشاكل”. ويوضح أن “علاقة التيار الصدري مع باقي القوى السياسية -ومن ضمنها القوى السياسية الشيعية- بنيت على أهداف مرحلية تتعلق بالفساد”.

ويضيف “على هذا الأساس، قرر الصدر الانسحاب من الحكومة لإتاحة الفرصة أمام رئيس الوزراء حيدر العبادي، لاختيار أعضاء حكومته على أساس التكنوقراط”.

وبشأن مصير التحالف الوطني الشيعي، يقول الموسوي إنه “غير موجود أصلا. نحن انسحبنا منه، بسبب دعم بعض كتله السياسية لأعضاء فاسدين في الحكومة الحالية”.

ويؤكد أن “مقتدى الصدر يرى أن منصب رئاسة الوزراء ليس مهما أن تشغله أي شخصية، بغض النظر عن قوميته ومذهبه، شرط أن يعمل لصالح العراق”.

وعلى مدى الدورات السابقة للبرلمان العراقي 2006-2018، شكل التحالف الوطني الشيعي الغالبية في البرلمان العراقي، عبر تحالف يجمع كتله الشيعية الرئيسة.

ويضم هذا التحالف كلا من ائتلاف دولة القانون، والمجلس الأعلى الإسلامي، وتيار الإصلاح الوطني، وحزب الفضيلة الإسلامي، والتيار الصدري.

ويمكن لآليات تشكيل مؤسسات الدولة العراقية والتي اعتمدت على المحاصصة الطائفية، ومن أبرزها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، أن تمنع الأحزاب العلمانية من تغيير الواقع السياسي، بحسب رؤية المحلل في الشأن السياسي العراقي نجم القصاب.