ضد التنظيم المتطرّف..

مهجّرة ثمانينية عذبتها ويلات الحرب

مخيم الهول

عبد الله رجا (أبوظبي)

شاقة كانت رحلة أم عدنان المسنّة التي تبلغ من العمر 80 عاماً والتي تم تهجيرها على يد تنظيم داعش من دير الزور إلى أقصى الشمال السوري، بعد معارك ضارية ضد التنظيم المتطرّف، لتجد نفسها في مخيم الهول عند أطراف الحسكة.

تستحق قصة أم عدنان رواية كاملة عما جرى لها منذ بداية الأحداث وحتى اللحظة، إذ كانت تسكن في بيت ابنها في الميادين بدير الزور، وحين بدأت الاحتجاجات انتسب كل أفراد هذه العائلة إلى فصائل الجيش الحر، إلا أن هذه العائلة تم التنكيل بها على يد تنظيم جبهة النصرة في عام 2014، ولم يبق من العائلة سوى أم عدنان التي هربت مع بعض جيرانها إلى دير الزور.

أمضت أم عدنان ما يقارب العامين ونصف في دير الزور، بلا أقارب سوى هذه العائلة التي آوتها عطفاً عليها وحفيدها الطفل منصور. ولدى منصور قصة أخرى مؤلمة، إذ فقد أسرته خلال الحرب، فقتل أبوه وأمه وبقية إخوته بقصف قوات النظام على الميادين، وبقي يرافق جدته إلى هذه اللحظة، وما زالت الصور الكابوسية في ذهن ذلك الطفل الذي عانى اضطرابات نفسية وصيحات آخر الليل.

خلال إقامة أم عدنان لدى العائلة في دير الزور، فقدت عينيها من شدة الألم والحرقة والبكاء على رحيل كل أفراد أسرتها. ومن شدة الصدمة أصيبت هذه العجوز بمرض السكري، وباتت تعيش كما الموتى ضريرة مصابة بداء السكري الذي لا يتوافر دواؤه إلا بالمصادفة من المنظمات الخيرية.

نجاة

وحين بدأت عملية اجتثاث تنظيم داعش من دير الزور، طالت قذيفة صاروخية المنزل الذي يؤوي أم عدنان، وقُتل كل أفراد العائلة باستثناء أم عدنان ومنصور، لقد نجيا بأعجوبة من الموت، فيما أصيبت أم عدنان بإصابات في الرأس، أما منصور فقد أصيب بجروح، وعثر عليه تحت الأنقاض بعد يوم كامل.

بقيت أم عدنان في المنزل المدمر يومين، لا تعرف ماذا تفعل، لكنها قررت أن تخرج من البيت، ولم تكن تعرف إلى أين ستذهب، بعد أن تم تهجير كل القاطنين في الحي، بينما الآخرون رحلوا من هول المعارك.

وعندما قررت الخروج من البيت، وجدت في طريقها أسرة نازحة من المدينة، وتوسلت إليهم أن ترافقهم إلى حيث يذهبون، وبالفعل لبّت هذه المجموعة النازحة طلب أم عدنان إلى أن وصلوا مخيم الهول في الحسكة.

لم تصدق أم عدنان أنها أصبحت أخيراً في أمان بالمخيم الذي يديره الأكراد في الإدارة الذاتية في الحسكة، تصحو في كل يوم على غير العادة من دون ضجيج الطائرات وأصوات المدافع والقذائف، استأنفت حياتها في هذا المخيم، وهي تشعر أنها في نعيم، بعد أن تولت إحدى الجمعيات الخيرية نفقات دواء السكري.

سعادة تعيسة

تقول أم عدنان في لقاء مع «البيان» في مخيم أبو الهول: «فقدت كل شيء في هذه الحياة، ولكن حين أتذكر كيف كنا نعيش خلال القصف والمعارك المحيطة بنا منذ أن كنا في الميادين خلال سيطرة جبهة النصرة، وإلى أن وصل بنا الحال إلى دير الزور، حيث سيطر «داعش»، أشعر وكأنني في نعيم على الرغم من أنني أعيش في مخيم».

وتضيف: «هنا الحياة في المخيم لا خوف ولا جوع ولا تفجيرات، ومنصور بدأت الجمعيات الخيرية تتولى معالجته، ولم يبق لي من هذا البلد سوى تلك الخيمة التي تؤويني ومنصور الذي يعيلني في كل شيء».

تصف هذه العجوز المكلومة منصور بأنه شبابها الضائع، فهو من يساعدها ويعينها على الحركة، وهو ذاتها الماضية التي كانت تقوى على الحركة، وتختتم القول: «فقدت كل شيء، لكنني الآن بخير، وأعيش سعيدة برغم التعاسة».

*صحيفة البيان الأماراتية