تتبع من من خلال قصائده..

رحلة هروب المتنبي من مصر.. جدل التاريخ والجغرافيا والأدب

نظرة جديدة لحياة المتنبي

وكالات (القاهرة)

احتفى معهد المخطوطات العربيّة، الأحد، غرة أبريل 2018، بكتاب “على خطى المتنبي: من الفسطاط إلى الكوفة” الذي ألّفه الدكتور عبدالعزيز المانع، ضمن المنتدى التراثي الأول لعام 2018 بحضور نخبة من كبار الباحثين السعوديين والمصريين وعلماء المخطوطات.

صدر الكتاب عن كرسيّ المانع لدراسات اللغة العربية بجامعة الملك سعود خلال عام 2017. ويوثق الكتاب القيم عبر 291 صفحة لرحلة هروب أبوالطيب المتنبي من الفسطاط (مصر) إلى الكوفة (العراق)، قبل أكثر من ألف عام، مؤرخا تاريخ المغادرة: الأحد 19 ذو الحجة 350هـ، وميلاديا 19 يناير من عام 962، وكان الوصول: السبت 25 ربيع الأول 351هـ، الموافق لـ3 مايو 962م.

يتضمّن الكتاب خرائط وصوراً ودراسات نقدية، مشروعاً بحثياً استغرق 7 سنوات، ومكّن من رسم مسار رحلة هروب أبوالطيب المتنبّي من الفسطاط إلى الكوفة قبل 1156 عاما، وذلك بعد إقامة في مصر دامت 5 سنوات، ثم حاول المتنبي النجاة بحرّيته من كافور عبر سيناء حتى الكوفة، هربا من كافور الإخشيدي الذي كان المتنبي يمدحه وخشي أن يقوم بهجائه فجعل عليه مراقبين، ما أدى لهرب المتنبي عائدا إلى مسقط رأسه بالكوفة.

واستطاع المانع أن يتتبع الأمكنة التي ذكرها المتنبي في قصائده، بل وحرص على زيارتها في نفس التوقيت المقارب لزيارة المتنبي، فمثلا إذا كان زار مكانا في فصل الربيع كان يحرص المؤلف على زيارة المكان بنفس التوقيت في محاولة لاستكشاف روح الأمكنة واستعادة الأجواء التي عايشها المتنبي قبل أكثر من ألف عام.

وقال الدكتور عبدالعزيز المانع إن “المتنبي كتب عنه منذ وفاته أكثر من 8 آلاف دراسة وكتاب ما بين بحث وشرح لديوان ونقد ودراسات أدبية، لكن أرى أن هذا العمل يضاف إلى المكتبة العربية الخاصة بدراسات المتنبي، مقدما دراسة ونظرة جديدة لحياة الشاعر بشكل مغاير”

نقلة نوعية في دراسات المتنبي

وأضاف مؤلف الكتاب “تطرقت الدراسات لرحلات عدد من الرحالة والمستشرقين مثل ابن جبير وغيره وكانت كتبا نظرية ولم تتطرق لحياة الشعراء، لكنني تتبعت كل مكان نزل به المتنبي في 7 سنوات ما بين رحلات وتأليف قمت خلالها بـ9 رحلات”.

وحول أهمية كتاب “على خطى المتنبي” في المكتبة العربية، قال فيصل الحفيان، مدير معهد المخطوطات العربية بالقاهرة “إن أهمية الكتاب تنبع من ربط المانع النص اللغوي بالجغرافيا والمكان وضع عينه على النص والمكان وقدم جهدا مركبا، فلم يقف عند تقليب أوراق التاريخ بل قلب الأماكن، مثبتا أن التاريخ يصدق الجغرافيا وتصدق الجغرافيا التاريخ، وكان المستفيد من ذلك الإبداع الشعري الذي قدمه لنا المتنبي الشاعر العظيم الذي اختلفت حوله الآراء لكنه يظل شاعر العربية الأول”.

وأشار الحفيان إلى أن المنتدى التراثي ينتقي الموضوعات التي يرى أنه من المناسب إثارتها مع المعنيين بالشأن الثقافي والتراثي، حيث ركزت ندوة كتاب “على خطى المتنبي” على إشكالية وضع الحدود بين الفن والإبداع الشعري والتاريخ والجغرافيا.

وقال دكتور محمد عبدالرحمن الهدلق، أستاذ النقد والبلاغة بجامعة الملك سعود، خلال مناقشة الكتاب، إن “المؤلف بذل جهدا بحثيا كبيرا، مثمّنا حرصه على جمع المعلومات وتحديد الأماكن والإحداثيات للمواقع التي زارها المتنبي والتي تغيرت أسماؤها أو حرّفت متنقلا بالطائرات والمركبات، بل قام بزيارة إلى هذه الأماكن والمواقع لمرتين أو أكثر للمزيد من التحقق والتدقيق، منها: بلبيس، عجرود، رأس النقب، جبل إرم، غرندل، رأس الصوان، وصولا إلى الكوفة”، مشيرا إلى أن “مكمن الصعوبة أن المتنبي لم يكن يسلك الطرق المعروفة للسفر بل كان يتعمد السير في طرق غير معروفة هربا من الرجال الذين أوكلت لهم مهمة القبض عليه وإعادته لمصر”.

وقال شيخ النقاد الدكتور محمود الربيعي، نائب رئيس مجمع اللغة العربية في مداخلة بعنوان “رحلة في رحلة المانع”، إن “هذا الكتاب الأنيق المخبر والمظهر تتجلى روعته في أنه حقق نقلة نوعية في دراسات المتنبي والأدب العربي بوجه عام، بعد تراكم الكثير من الدراسات التقليدية كنا بحاجة إلى كتاب جريء يطلعنا على زوايا جديدة في التراث الأدبي العربي”. مضيفا “في هذا الكتاب يتجادل التاريخ والجغرافيا مع الأدب ويحاورانه مشكلين ضفيرة منهجية وفنية”. ثم استفاض الربيعي موجها النقد للكتاب في إغفاله الإشارة إلى الجهود البحثية للدكتور محمود شاكر الذي ألف كتاب “المتنبي رسالة في الطريق إلى ثقافتنا”.

ثم أثير الجدل بين الباحثين من الحضور والمتحدثين حول إمكانية تصديق الشعر أو الاعتماد عليه باعتباره منتجا إبداعيا يعتمد أساسا على الخيال، فجاء رد مؤلف الكتاب عبدالعزيز المانع “أصدق المتنبي وأصدق شعره”. وتابع المانع قوله “أجد أن المتنبي كان يقدم مكانا على متأخر ويؤخر مكانا على متقدم لأجل الوزن الشعري فهو يعجزه -وهو المتنبي- أن يسرد المواقع وفقا لترتيبها الجغرافي لأنني تتبعته أرضا أرضا وشبرا شبرا”.

ثم تضمنت الجلسة الثانية من جلسة المنتدى التراثي الأول لمعهد المخطوطات العربية نقاشا بعنوان “جغرافية الإبداع” تحدث فيها عدد من الباحثين الأكاديميين منهم: محي الدين محسب، وأيمن ميدان وكمال عبدالباقي لاشين، وخالد فهمي ومدحت عيسى. وشهدت الجلسة الثالثة تكريم الدكتور عبدالعزيز المانع بإهدائه درع المعهد ودرع المتنبي بعد أن قدم قراءة أخرى لحركة الشعر والشاعر.