أردوغان يواصل تحدي الحقائق الاقتصادية البديهية..

انحسار خيارات خروج الاقتصاد التركي من كبوته الحالية

قبضة أردوغان تطرد السياح الأجانب

وكالات (لندن)

تبدو إدارة الاقتصاد التركي في فوضى يصعب تخيلها هذه الأيام، حيث تصدر إعلانات متضاربة ومتقاطعة من مسؤولي الحكومة، بينما يتواصل انحدار قيمة الليرة في ظل ارتفاع معدلات التضخم والزيادة المتسارعة في عجز الموازنة والحساب الجاري.

ويبرر سيميل إرتيم المستشار الاقتصادي البارز لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انخفاض قيمة الليرة بالمضاربات في سوق المال.

ويقول أيضا إن القيمة الحقيقية للعملة التركية ليست 4.01 ليرة مقابل الدولار وهي القيمة التي بلغتها الخميس الماضي، بل إن القيمة الحقيقية 3.85 ليرة للدولار.

وفي الوقت نفسه يقول إرتيم إن الدعوات التي تطالب الحكومة بالسيطرة على التضخم وعجز الموازنة الحالي من خلال رفع أسعار الفائدة، ليست سوى أساليب قديمة من وحي أفكار صندوق النقد الدولي ولا علاقة لها بحقائق الاقتصاد في تركيا.

سيميل إرتيم: أفكار صندوق النقد الدولي لا علاقة لها بحقائق الاقتصاد في تركيا

ويعترض المستشار الرئاسي على الدعوات المنادية بالحذر ويؤيد بشدة خفض أسعار الفائدة كوسيلة تهدف لتعزيز النمو الاقتصادي.

وعلى الجانب الآخر، يتعامل نائب رئيس الوزراء محمد شيمشك، وهو خبير سابق في مؤسسة ميريل لينش وشغل لسنوات منصب وزير المالية، مع الأمر بطريقة مغايرة من خلال التأكيد أينما حلّ على ضعف الاقتصاد التركي.

ويردد شيمشك دائما أن التضخم في تركيا، الذي يزيد على 10 بالمئة، إنما يزيد من تدهور قيمة العملة ويفاقم ما تعانيه الشركات التركية من مشاكل بسبب الديون الخارجية.

ويدعو المسؤول التركي البارز عمالقة الصناعة الذين راكموا ثروات من خلال مشاريع إنشائية عملاقة بتشجيع من أردوغان نفسه، إلى تحويل استثماراتهم إلى قطاعات التكنولوجيا والبحث والتنمية.

وقد طالب شيمشك البنوك التركية خلال الأسبوع الماضي بإنشاء أذرع استثمارية لدعم الشركات الناشئة بدلا من الاعتماد على الودائع في عمليات التمويل.

ويؤكد نائب رئيس الوزراء التركي كذلك على الخطر الذي يواجهه الاقتصاد التركي بسبب معدلات الادخار المنخفضة، والتي تزيد بالتالي من تدهور قيمة الليرة. يؤكد شيمشك بإلحاح على أن السبيل الوحيد لتحسين الأوضاع سيكون من خلال بدء عملية إصلاح اقتصادي.

هذه التعليقات المتناقضة من مسؤولي الحكومة البارزين إنما تعكس خلافات حادة داخل الإدارة في ما يتعلق بأساليب إدارة الاقتصاد. ويبقى الأمر كله بيد أردوغان الذي يقرر انتصار أحد المعسكرين: سواء النهج العقلاني الذي يتبناه شيمشك أو طريق إرتيم المحفوف بالمخاطر.

لكن المستثمرين في تركيا سمعوا من قبل تعليقات مشابهة من شيمشك. وقد لا يعدو الأمر كون نائب رئيس الوزراء كان يتحدث إلى فريق من الأجانب الذين كانوا يتوقعون قرارات عقلانية من الحكومة؛ قرارات يعجز هو عن اتخاذها.

محمد شيمشك: التضخم المرتفع يزيد من تدهور قيمة الليرة ويفاقم معاناة الشركات التركية

قد تكون تعليقات شيمشك مجرد دعاية لوقف النزيف الاقتصادي وإنقاذ الليرة. هذا الطرح تعززه قرارات الحكومة خلال العامين الماضيين، والتي كانت أبعد ما يكون عن الخط الأقرب إلى البديهيات الاقتصادية، الذي يقترح شيمشك السير عليه.

ليس جديدا القول إن الناتج المحلي الإجمالي لتركيا قد نما بنسبة تزيد على 7 بالمئة في العام الماضي، لكن الجديد هو إصرار الحكومة على تحقيق معدل نمو بنسبة 5.5 بالمئة أو أكثر خلال العام الحالي.

ويقول شيمشك إن عجز الموازنة الحالي مقارنة بالنمو، والذي يتجاوز 5.5 بالمئة، هو عجز كبير بنسبة خطرة، ومن الضروري خفضه إلى 4 بالمئة على المدى القريب ثم إلى 3 بالمئة على المدى المتوسط.

لكن هذا الطرح القلق لا يتسق مع الأهداف التي وضعتها الحكومة لتحقيق نمو قوي، ولا يتلاءم مع محاولات خفض أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي والساعي للسيطرة على تدهور سعر الليرة وعلى الطلب الضعيف محليا.

وتسير تركيا نحو الانتخابات، ولا أحد يعرف إن كانت السياسات الاقتصادية المتهورة التي تطبقها حكومة الرئيس أردوغان ستسمح بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في شهر نوفمبر من العام المقبل.

وفي وقت يبدو فيه أن الإيقاع الحالي للنمو الاقتصادي غير قابل للاستمرار، فإن الأمر يتطلب الدعوة لانتخابات مبكرة. انتخابات ربما لا يتمكن أردوغان من إجرائها قبل العام المقبل، في ظل انغماسه في عملية تطهير مؤسسات الدولة واجتثاث كل من يعارض سياساته بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضد حكمه في شهر يوليو من عام 2016.

ويبدو أيضا أن الحكومة لن تسير في الطريق الذي يدعو إليه شيمشك، رغم أنه صوت العقل الذي يمكن أن ينقذ الاقتصاد من الانهيار.