أصداء الحرب التجارية ما زالت متصاعدة..

الصين تلوّح بـ سلاح اليوان في الحرب التجارية المحتملة

بكين تعتبر المحادثات مع واشنطن مستحيلة في الظروف الحالية

وكالات (لندن)

بينما يؤكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه يتوقع التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين، ما يعني اقتناعه بأن بكين ستقدم على الرضوخ لتنازلات كبيرة من أجل تلافي وقوع حرب تجارية، تؤكد بكين من جانبها أنها لا تريد خوض حرب تجارية؛ لكنها تبدي كامل استعدادها للدفاع عن مصالحها بكل الطرق الممكنة، ومشددة على استحالة إجراء محادثات في ظل الظروف الحالية، وملوحة في ذات الوقت بسلاح خفض قيمة اليوان، وهو أمر قد يتسبب بضرر كبير للصادرات الأميركية؛ لكنه في الوقت ذاته من شأنه أن يشعل حربا مفتوحة مع خصوم آخرين في شتى أرجاء الأرض.


وبالأمس، ذكرت وكالة «بلومبيرغ» نقلا عن مصادر مطلعة، أن الصين تبحث الأثر المحتمل للخفض التدريجي لقيمة اليوان، كأداة تحرك في الخلاف التجاري المتصاعد مع الولايات المتحدة.


ونقلت الوكالة عن المصادر قولها إن مسؤولين صينيين كبارا يبحثون تحليلين مطولين لأثر خفض قيمة اليوان أعدتهما الحكومة، لكن تحليل الأمر وبحثه لا يعني أن المسؤولين سينفذون خفضا في قيمة العملة بالفعل، إذ إنه إجراء يحتاج إلى موافقة القيادات العليا في البلاد.


ويرى خبراء دوليون أن خفض قيمة اليوان سيكون تصعيدا خطيرا وذا أثر بالغ ومؤلم للاقتصاد الأميركي، ربما أكثر من تبادل فرض الرسوم الجمركية الانتقامية؛ لكنه سيفتح جبهات أخرى للمعركة، إذ إن القوى الاقتصادية الكبرى في أوروبا وآسيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التحدي الصيني؛ ولن تسمح بحدوثه لأنه يهدد اقتصاداتها أيضا.


وخلال حملته الانتخابية للرئاسة، كثيرا ما وجه الرئيس الأميركي انتقادات للصين - وآخرين على رأسهم ألمانيا - بشأن الخفض المتعمد لقيمة عملتها، ما يتسبب في ضرر بالغ للصادرات الأميركية حول العالم، ويخلق منافسة غير شريفة أو عادلة من وجهة نظر ترمب، وهو ما تعهد بمواجهته ووقفه.


لكن بحسب المراقبين، فإن خفض اليوان من شأنه أن يشعل حرب عملات عالمية، إلى جانب الحرب التجارية، وهو الأمر الذي سيضر بكل الاقتصادات الكبرى، ومن بينها الصين نفسها. ولذلك يرى أغلب المحللين أن الأمر مجرد «تهديد» بسلاح ردع، في حال لجوء واشنطن لمزيد من التصعيد التجاري، أكثر من كونه أمرا قابلا للتطبيق.


وإلى جانب سلاح العملة، فإن الصين تمتلك عددا آخر من آليات التصعيد مع واشنطن، من بينها الضغط على الشركات الأميركية العملاقة العاملة على أراضيها أو أراضي حلفائها، خاصة في شرق آسيا، وكذلك تحريك كتلة السياحة الصينية الضخمة بعيدا عن الولايات المتحدة.


وتأتي التسريبات الصينية بعد ساعات من تغريدة للرئيس ترمب، أشار فيها إلى أنه يتوقع أن ترضخ الصين، وأن يجري التوصل إلى نهاية للنزاع التجاري المتصاعد مع بكين. لكن الصين أكدت أمس أن المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة «مستحيلة في ظل الظروف الحالية»، وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غينغ شوانغ للصحافيين، خلال مؤتمر صحافي مقتضب: «حتى الآن، لم يجرِ المسؤولون الأميركيون والصينيون أي مفاوضات حول النزاعات التجارية... في ظل الظروف الحالية، يبدو مستحيلا بالنسبة للفريقين عقد أي محادثات حول هذا الموضوع».


وقال غينغ، إن «الولايات المتحدة تلوح مهددة بالعقوبات، فيما تقول في الوقت ذاته إنها مستعدة لمحادثات. لا أعرف على من تمثل الولايات المتحدة هذا المشهد». وأضاف أن الخلافات التجارية «هي استفزاز كامل من الولايات المتحدة».
كما قالت الخارجية الصينية إن الولايات المتحدة هي التي يجب إلقاء اللوم عليها في الخلاف التجاري بين البلدين، وإن الإجراءات التي اتخذتها أثارت مخاوف المجتمع الدولي.


وتسعى الصين أيضا لمحاولة حشد الرأي العام الدولي إلى جانبها، ونقل بيان أصدره مجلس الدولة الصيني عن رئيس الوزراء لي كه تشيانغ، قوله إن نشوب حرب تجارية بسبب إجراءات أحادية الجانب لن يضر بالمصالح الثنائية فحسب - في إشارة واضحة للولايات المتحدة - ولكن أيضا بالمصالح المشتركة في العالم.


وقال لي للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال اجتماع في بكين أمس الأحد، إن المطلوب هو معارضة الأحادية والحماية التجارية، في ظل الغموض الذي يكتنف أوضاع الاقتصاد العالمي. وأضاف أن تحدي الإجماع بإجراءات أحادية الجانب من شأنه تهديد السلام والاستقرار في العالم لكن في الوقت ذاته، فإن بكين لا تغلق الباب تماما بوجه محاولات رأب الصدع، إذ قال تشيان كه مينغ، نائب وزير التجارة الصيني أمس، خلال منتدى «بواو» الآسيوي في إقليم هاينان جنوب البلاد، إن بلاده لا ترغب في خوض حرب تجارية؛ لكنها لا تخشاها.


وكان ترمب قال الأحد، إنه يتوقع التوصل إلى نهاية للنزاع التجاري المتصاعد مع الصين، بعد تهديدات بفرض رسوم متبادلة بين العملاقين الاقتصاديين هزت الأسواق المالية.


وكتب ترمب على «تويتر»، أن «الصين ستزيل العوائق التجارية لأن القيام بذلك هو الشيء الصحيح». وتابع بأن «الضرائب ستكون متبادلة، وسيتم التوصل لاتفاق حول الملكية الفكرية مستقبل عظيم لكلا البلدين»؛ مؤكدا في حديث عن الرئيس الصيني شي جينبينغ: «سنظل أصدقاء على الدوام مهما حدث بشأن خلافنا بخصوص التجارة».


وأدت المخاوف من نشوب حرب تجارية إلى تراجع أسواق المال العالمية بنحو اثنين في المائة وهدد ترمب الخميس بفرض رسوم جمركية إضافية على سلع مستوردة من بكين بقيمة 100 مليار دولار، في حلقة جديدة من الخلاف التجاري المتصاعد، ما دفع بالصين إلى تأكيد أنها مستعدة لحرب تجارية محتملة مع الولايات المتحدة، مهما كان الثمن.وتسببت هذه التهديدات المتبادلة في زعزعة ثقة المستثمرين في السوق؛ إلا أن بعض المستثمرين أملوا في أن تكون إدارة ترمب ربما تصعد من لهجتها وتتخذ موقفا حازما كتكتيك تفاوضي للتوصل لاتفاق مع الصين.


ويوم الأحد، رفض كبار مستشاري ترمب الاقتصاديين الحديث عن حرب تجارية، وقالوا إن الرئيس جاد بشأن فرض رسوم، حتى مع استمرار الحديث مع الصين.

وصرح كبير المستشارين الاقتصاديين لاري كودلو لشبكة «فوكس نيوز»: «لدينا اتصالات مستمرة معهم؛ ولكن في هذه العملية يجب أن تشكل الرسوم جزءا من تلك الاتصالات، وبعد ذلك نأمل في أن تجري مناقشات، وربما في الشهرين المقبلين يكون الصينيون جادين في الجلوس على طاولة المفاوضات».


وقال مستشار آخر هو بيتر نافارو، لشبكة «إن بي سي» الإخبارية، إنه أثناء إجراء «مناقشات مع الصينيين» فإن واشنطن ماضية في فرض الرسوم والقيود الاستثمارية التي تستهدف بكين. وأضاف: «نريد تجارة عادلة وتبادلية. نريد منهم التوقف عن سرقة أشيائنا. نريد منهم حماية الملكية الفكرية وليس أخذها منا».


وردا على سؤال حول تغريدات ترمب الأحد، وما إذا كانت الصين أبدت أي مؤشرات على التنازل، قال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين: «ليس من اللائق أن أعلق على ما يجري من مناقشات في القنوات الخلفية». وأضاف أنه لا يعتقد أن حربا تجارية ستندلع. وقال إن ترمب «يرتبط بعلاقة وثيقة جدا مع الرئيس (شي)، وسيواصل مناقشة هذه القضايا معه».