في الصومال..

سياسيون: اللوبي القطري يحارب الحضور الإماراتي

الحكومة الصومالية نسيت من ساعد في استعادة الأمن في مقديشو

وكالات(لندن)

القوات الأمنية الصومالية أمام أزمة محاربة الإرهابيين والقراصنة والصراعات القبلية.

تسعى قطر للاستثمار في تخبط يعصف بقوى تحتكر النفوذ في الصومال، وسياسيين محسوبين على قوى خارجية في بلد مهدّد بالتمزق وتصاعد حدة الإرهاب وتزايد نشاطات القرصنة، واحتدام الصراعات القبلية التي ساهمت في غياب الاستقرار لعقود.

ودخلت قطر في صراع يشبه الحرب الباردة في الصومال، لتوسيع الهوة بين الحكومة الفيدرالية الصومالية والإمارات، التي ضخت على مدار أربعة أعوام الملايين من الدولارات في مشروعات تنموية، على رأسها ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال، وتدريب قوات عسكرية تابعة للجيش المركزي وقوات أمنية في إقليم بونت لاند، الذي يحظى بحكم ذاتي.

ويعارض سياسيون ينتمون إلى ما صار يعدّ “اللوبي القطري – التركي” في مقديشو الحضور الإماراتي في الصومال، ويسعون إلى إثارة الجدل حول وضع الإمارات العسكري والأمني والاقتصادي في البلد، الذي يحظى بموقع استراتيجي في منطقة القرن الأفريقي، منذ أن قطعت الإمارات والسعودية ومصر والبحرين علاقاتها مع قطر في يونيو من العام الماضي.

ووجدت مقديشو نفسها تحت ضغط كبير من قبل مسؤولين قطريين وأتراك لاتخاذ مواقف معادية للدعم الإماراتي مما دفع إلى تراجع في منسوب العلاقات الإماراتية الصومالية في وقت تبدو فيه الصومال في أمس الحاجة إلى مثل هذا الدعم.

ووصلت العلاقات إلى حدّ قررت معه الإمارات إنهاء برنامج تدريب عسكري في الصومال، ردا على مصادرة الملايين من الدولارات كانت مخصصة لدفع رواتب عسكريين صوماليين، وقامت قوات الأمن الصومالية باحتجاز طائرة إماراتية لفترة وجيزة الأسبوع الماضي.

ودربت الإمارات المئات من الجنود الصوماليين منذ عام 2014 في إطار جهد مدعوم من البعثة العسكرية للاتحاد الأفريقي، يهدف إلى هزيمة إسلاميين متشددين وتأمين البلاد للحكومة التي تحظى بدعم دول غربية وتركيا والأمم المتحدة، كما يساعد هذا الجهد الصومال على محاربة عصابات القرصنة التي تهدد حركة النقل البحري في منطقة القرن الأفريقي.

ويقول مراقبون متخصصون في شؤون القرن الأفريقي إن تركيا استغلت نفوذها في هذه الأزمة وضغطت على الحكومة الفيدرالية الصومالية من أجل التصعيد المفاجئ، ما جعل وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش يعرب عن استغرابه من سرعة وتيرته غير المبررة رغم جهود الإمارات لتعزيز العلاقات بين الجانبين.

كما تعرض مستشفى الشيخ زايد في مقديشو لمضايقات من قبل الحكومة، اضطرت معها أبوظبي، الاثنين، للإعلان عن إغلاقه.

ووقعت قطر، في نوفمبر الماضي، اتفاقا مع الحكومة الصومالية بمقدار 200 مليون دولار بهدف “إعادة تأهيل طرق سريعة إلى جانب مبنى وزارة التخطيط والتطوير”، وهو أول اتفاق من نوعه بين الدوحة ومقديشو.

وقال دبلوماسي غربي في المنطقة لـ”العرب” إن “دخول قطر إلى الصومال تم تسهيله من قبل تركيا، وكان يهدف بالأساس إلى تقويض العلاقات المتنامية مع الإمارات، حتى لو استغرق ذلك وقتا”.

وأضاف “وفي ما يبدو ظاهريا أن المواجهة تتركز على الحضور الإماراتي في الصومال، فإن كل المؤشرات تشير إلى أن السعودية التي تسعى قطر إلى إزعاجها من جهة الغرب، مقصودة أيضا بهذه المواجهة. ولا يمكن إغفال أن تركيا وقطر أيضا تجتمعان على مضايقة مصر التي تعتبر منطقة القرن الأفريقي جزءا من أمنها القومي”.

وتركزت الجهود القطرية على رفض سياسيين في مقديشو لأي مشاريع تنموية خصوصا في أرض الصومال وبونت لاند، الإقليمين اللذين يطالبان بالاستقلال عن مقديشو، وهو ما أثار سجالا حول شركة “موانئ دبي العالمية”، التي كانت تستعد لتحويل ميناء بربرة إلى أكبر موانئ شرق أفريقيا على الإطلاق.

وتقول تقارير غربية إن عدد السياسيين في مقديشو الذين باتوا يتلقون أموالا مباشرة من قطر في تزايد، كما أن تركيا تتحول مع الوقت إلى أحد أكبر المستثمرين في الصومال.

وأدخل صعود النفوذ القطري المستحدث في مقديشو الحكومة في فوضى عارمة، خصوصا بدفع من سياسيين كبار ارتبطوا ماليا وسياسيا بالدوحة. وفي 9 أبريل اضطر رئيس البرلمان الصومالي محمد عثمان جواري إلى تقديم استقالته، بعدما خسر معركة مع الحكومة كادت أن تدخل البلاد في حرب أهلية، بسبب إصراره على تمرير قانون يلغي مشروع تطوير ميناء بربرة من قبل الإمارات.

واضطرت قوات الاتحاد الأفريقي إلى التدخل، بعدما اقتحمت قوات جواري البرلمان واشتبكت مع قوات موالية لرئيس الحكومة حسن علي خيري، والرئيس الصومالي محمد عبدالله محمد (فرماجو).

لكن المسؤولين في حكومة أرض الصومال لا يأخذون الصراعات الداخلية في مقديشو على محمل الجدّ. وقال ليبان يوسف عثمان، نائب وزير الخارجية في حكومة أرض الصومال، ردا على استهداف الاستثمارات الإماراتية في بلاده، “الحكومة الفيدرالية لا تستطيع بسط سيطرتها على 10 كيلومترات مربعة في العاصمة مقديشو”.

ويقول رشيد عبدي، من مجموعة الأزمات الدولية، إن “الأزمة تدق إسفينا كبيرا بين الحكومتين”.

لكنّ للأزمة أبعادا اقتصادية وجيوسياسية كبيرة. ومن المتوقع أن يتكلف مشروع ميناء بربرة 450 مليون دولار، وهو ما يجعله أكبر استثمار في أرض الصومال، منذ إعلان البلد استقلالا عن الصومال من جانب واحد عام 1991.

وتصاعدت أهمية المشروع بعدما خرجت شركة “موانئ دبي العالمية” من جيبوتي المجاورة في فبراير الماضي، حيث كانت تدير الميناء الرئيسي في البلاد منذ عام 2009.

وتستحوذ جيبوتي على حصة تصل إلى 90 بالمئة من تجارة إثيوبيا عبر البحار، كما تقع على أراضيها قواعد عسكرية أميركية وفرنسية وصينية. ويأمل مسؤولون في أرض الصومال في حصول بلادهم على حصة من التحركات التجارية في المنطقة. وأعلنت إثيوبيا في مارس الماضي عن استحواذها على 19 بالمئة من مشروع ميناء بربرة.

والطرف الأكبر الخاسر من التنمية في هذه المنطقة هو تركيا، التي كانت تسعى إلى احتكار النفوذ في منطقة القرن الأفريقي بلا منازع.

لكن الحكومة الفيدرالية المدعومة من أنقرة والدوحة، ليست لديها القدرات التي تستطيع من خلالها الحفاظ على ولاء أقاليم شبه مستقلة كأرض الصومال وبونت لاند، لكنها في نفس الوقت ترفض أن تقوم دول كالإمارات بملء الفراغ الذي تركته، تحت ضغط مصالح شخصية من سياسيين بات ولاؤهم لقطر حصرا.

ووسط تصاعد الإرهاب بقيادة حركة الشباب، تخسر الحكومة كل يوم أرضا جديدة، وفي المقابل تضعف سيطرتها على الأقاليم، التي تنظر إليها باعتبارها حكومة ضعيفة.