الجنوب يتجه بوتيرة متسارعة نحو الاستقلال الذاتي..

أحلام الانفصال في جنوب اليمن.. قنبلة موقوتة

على فوهة بركان

العرب (لندن)

مع انتهاء ثلاثة أعوام من تدخل قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، صعّد الحوثيون من ضرباتهم الصاروخية، بشكل غير مسبوق، ضد الأراضي السعودية التي تقود التحالف ضدهم.

وسبّبت هذه الصواريخ موجة من الانتقادات الدولية وانتكاسة لدى العديد من اليمنيين الذين كانوا يأملون في أن تتجه الأطراف المتصارعة إلى طاولة المفاوضات بدلا من التصعيد العسكري، الذي قد ينتهي إلى توليد انقسام آخر، وتجدد جراح حرب قديمة، وهي الحرب بين الجنوب والشمال.

وتدق دراسة صدرت مؤخرا عن المعهد الملكي البريطاني للسياسات الخارجية “تشاتام هاوس” ناقوس الخطر بشأن هذا السيناريو، واصفة جنوب اليمن بـ”القنبلة الموقوتة”. ويشير معدّ الدراسة بيتر سالسبري إلى أنه بعد مرور ثلاث سنوات من الحرب، أصبح اليمن “دولة تعمها الفوضى”.

ويقول سالسبري “بعدما كان اليمن دولة واحدة يشارك في حرب ثنائية، هو يشبه الآن إلى حد بعيد منطقة دول مصغرة، مليئة بمجموعة معقدة من السياسات والنزاعات الداخلية، بدرجات متفاوتة من الصراع مع بعضها البعض”.

وكانت النتيجة غير المقصودة لهذه النزاعات هي أن جنوب الدولة اليمنية يتجه بوتيرة متسارعة نحو الاستقلال الذاتي، نظرا لتاريخ اليمن الجنوبي الطويل من السعي وراء الاستقلال. ومن الناحية التاريخية، اعتقدت النخب السياسية والمسؤولون الأجانب أن “القضية الجنوبية” يمكن تأجيلها إلى أجل غير مسمّى بسبب افتقار الجماعات الانفصالية إلى التماسك وتوحيد الاستراتيجية.

وفي العام 1972 اندلعت اشتباكات حدودية بين دولتي شمال اليمن وجنوبه على خلفية مساعي إقامة وحدة بين البلدين. وفي سنة 1979 بدأت مباحثات بين الرئيس الجنوبي عبدالفتاح إسماعيل والرئيس الشمالي علي عبدالله صالح توجت بالتوقيع على اتفاقية الوحدة، وتشكيل لجنة دستورية مشتركة لوضع مشروع دولة الوحدة. وفي 22 مايو 1990 توحد الشطران بشكل مفاجئ، وأصبح علي عبدالله صالح رئيسا للدولة، وعلي سالم البيض نائبا له، وأعلن عن دستور جديد تم الاستفتاء عليه بنجاح عام 1991. لكن في 5 مايو 1994 اندلعت حرب أهلية بين الجنوب والشمال استمرت حتى يوليو 1994، وأدت إلى انتصار الشمال وفرار القادة الجنوبيين خارج البلاد ومن بينهم سالم البيض.

واليوم، بالرغم من أن الجماعات المؤيدة لانفصال الجنوب، مرة أخرى، لم تكن موحدة بالكامل، إلا أنها أصبحت أكثر تنظيما وتسليحا، لا سيما بعدما أظهر الصراع الأخير الذي حدث في عدن بين القوى الانفصالية والموالية للحكومة، مدى القوة النسبية والتماسك للحركة المؤيدة للاستقلال.

ويؤكد سالسبري أنه إذا تُركت القضية الجنوبية من دون معالجة، فإنها قطعا ستزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب الأهلية الجارية في اليمن، مضيفا أن المحافظات الجنوبية الآن تمتلك بنى تحتية عسكرية وشرطية وأمنية خاصة بها، مستمدة إلى حد كبير من السكان المحليين.

وتمكنت القيادة السياسية الناشئة، في الجنوب، من تنظيم نفسها بشكل أكثر تماسكا عن التكرار السابق للحركة الانفصالية. وإذا ما تم بذل جهد قبل أن تنتهي الحرب الأهلية، وظهرت محاولة الانفصال والعودة إلى واقع الدولتين الذي كان قائما في البلاد قبل الوحدة، بمجرد الموافقة على وقف إطلاق النار، فقد يؤدي ذلك إلى اندلاع صراع آخر.

وتضيف دراسة تشاتام هاوس أنه حتى دون إعلان استقلال صريح، فإن احتمال نشوب صراع مع الحكومة المعترف بها دوليا في المناطق الجنوبية المتنازع عليها  (عدن وشبوة وحضرموت) لا يزال مرتفعا.

وتنتقد الدراسة غياب اهتمام صانعي السياسة الدوليين بالجنوب منذ بدء الحرب، تماشيا مع النزعة التاريخية لرؤية قضية هذه المنطقة كمسألة ثانوية.

ونتيجة لذلك، فإن الجماعات الانفصالية الجنوبية ليست مدرجة رسميا في عملية السلام، رغم أنها ستلعب دورا مهمّا في تقرير أمن اليمن واستقراره وسلامته الإقليمية في المستقبل.

ومن أجل تعزيز الأمن والاستقرار في اليمن، والحيلولة دون حدوث المزيد من التدهور في العلاقة مع الحكومة، سيتعين على صانعي السياسات تطوير فهم أعمق للجنوب، وتحسين التواصل مع قادة الجنوب والعمل على بناء قدرات المجتمع المدني الجنوبي، كما ستحتاج إلى ذلك في بقية البلاد.

وتخلص الدراسة إلى أنه لم يعد بالإمكان تأجيل “القضية الجنوبية” إذا كان ينبغي تجنب الأخطاء التي حدثت في الفترة الانتقالية من 2012 إلى 2014. وفي ذلك الوقت تمكن الحوثيون، بدعم من الرئيس السابق، الذي قام الحوثيون بتصفيته، علي عبدالله صالح، من الزحف جنوبا إلى صنعاء لأنهم لم يُنظر إليهم على أنهم تهديد حقيقي للعملية السياسية.

لكن في الواقع، تسبب استيلاء الحوثيين على صنعاء في اندلاع الحرب الحالية.