ملامسة قضايا حساسة..

أسباب سياسية وراء إيقاف مسلسلات تركية في الجزائر

تركيا تريد كتم الأفواه المعارضة بتعلة غولن

وكالات (لندن)

فشلت مؤسسات فنية تركية في إنتاج مسلسلين في الجزائر إثر تدخل السلطات التركية لمنع عرض مسلسلين قالت إن إنتاجهما مرتبط بحركة “خدمة” التي يتزعمها فتح الله غولن.

واستبعدت مصادر جزائرية فرضية شحّ الموارد المالية وراء توقيف إنتاج عملين دراميين تشترك في إنتاجهما مؤسسة الشروق للإعلام الجزائرية بالتعاون مع شركات تركية، واللذين كان مؤملا أن يعرضا خلال شهر رمضان المقبل.

وعزت المصادر سبب الإيقاف إلى تدخل الرقيب الرسمي في قرار التوقيف، بسبب ملامسة المسلسلين لقضايا حساسة، لا تزال مدرجة في خانة التابوهات ودوائر القرار السياسي، على غرار حيثيات مرحلة العشرية الدموية في الجزائر، ودوائر القرار السياسي في البلاد، فضلا عن الحرب المعلنة من طرف النظام التركي على تنظيم غولن.

وذكر مصدر مقرب من الشركة المنتجة في تصريح لـ”العرب”، بأن “القرار المفاجئ من طرف إدارة مجمع الشروق للإعلام، حول توقيف تصوير مسلسلي؛ الرايس قورصو، وتلك الأيام، عشية استعداد القنوات التلفزيونية لعرض الباقات البرامجية خلال شهر رمضان القادم، لا يستند إلى صعوبات مالية، بقدر ما يستند إلى تدخل الرقيب، رغم تمسك إدارة المجمع بالفرضية الأولى”.

 إدارة مؤسسة الشروق، تعهدت بتسوية جميع الوضعيات المالية والإدارية والحقوق للعاملين في ورشتي المسلسلين خلال الأيام القليلة المقبلة

وذكرت المصادر أن “قرار التوقيف تم بضغط من السلطات التركية التي تدخلت لدى نظيرتها الجزائرية، من أجل الغرض المذكور، بعد أن توصلت بمعطيات حول وجود كادر فني في فريق العمل، من أصول تونسية ويحمل الجنسية التركية، وهو عنصر فاعل في جمعية الخدمة التابعة للمعارض فتح الله غولن”.

ورجحت أن يكون قد تم توقيف الكادر المذكور من طرف الأمن التركي، في إطار الحرب المعلنة من قبل نظام الرئيس رجب طيب أردوغان، ضد أتباع المعارض غولن، منذ المحاولة الانقلابية التي تمت في 15 يوليو 2016.

ولم تستبعد أن يكون الأمر على صلة بمشروع القناة التلفزيونية الدولية التي كان المجمع يعتزم إطلاقها قريبا، بسبب مخاوف من أن يكون المشروع مدعوما ومروجا لأفكار فتح الله غولن، وأن تواجد موالين أو منتمين إلى جمعية الخدمة في فريق إنجاز المسلسلين يمهد الطريق لتجسيد مشروع القناة الدولية.

وكان مالك ومدير المجمع، الذي يملك عدة منصات إعلامية، علي فضيل، قد أعلن في حفل نظمه بالعاصمة خلال الأسابيع الأخيرة عن الاستعداد لإطلاق قناة دولية قريبا، ولم يكشف عن مكان البث، وكانت إسطنبول من بين العواصم المحتملة.

وقال “قصة العمل واعدة جدا، وتمس الشعوب العربية بتوليفة تركية وحلة جزائرية عربية وبجودة سينمائية”، ما يعكس رهان المجمع على العملين الدراميين لافتكاك مرتبة ريادية محليا وعربيا بداية من شهر رمضان المقبل.

وتعهدت إدارة مؤسسة الشروق، بتسوية جميع الوضعيات المالية والإدارية والحقوق للعاملين في ورشتي المسلسلين خلال الأيام القليلة المقبلة، وهو ما يتناقض مع حجة شحّ الإمكانيات المادية، التي بررت بها توقيف عمليها.

ويشهد المجمع الذي يشغل نحو ألف موظف من صحافيين وفنيين، في ثلاث قنوات تلفزيونية وصحيفتين ورقيّة وإلكترونية ومجلة أسبوعية، وضعية مالية متذبذبة في السنوات الأخيرة، نتيجة مضايقات سياسية.

وشهدت المؤسسة خلال العام الماضي مضايقات غير معلنة، من طرف دوائر القرار السياسي في الجزائر، بعد بث قناة الشروق خلال شهر رمضان الأخير لمسلسل عاشور العاشر، الذي وجه انتقادات ضمنية للسلطة، وقام مخرجه جعفر قاسم، بعدة إسقاطات خيالية على شخصيات ومراحل معينة على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

وتعرضت المؤسسة لحصار دام عدة أشهر من طرف الوكالة الحكومية المحتكرة للإعلان الحكومي، وحتى من طرف المؤسسات الخاصة، ما اعتبر عقابا لها على جرأتها في تناول قضايا ومسائل حساسة.

وكانت الجزائر منصة محتملة في محاولات السلطات التركية إيجاد بدائل لصناعة الدراما التركية، بعدما قررت مجموعة قنوات أم.بي.سي السعودية وقف عرض المسلسلات التركية.

ولم تستبعد مصادر “العرب” أن يكون قرار التوقيف على صلة بمضمون المسلسلين، على اعتبار أن “تلك الأيام” تتناول مرحلة العشرية الدموية وتتطرق إلى عدة استفهامات تتعلق بإدارة وتسيير الأزمة الأمنية من طرف مؤسستي الجيش والأمن، بما فيها سؤال: من يقتل من؟ الذي ألمح حينها إلى ضلوع العسكر في تجاوزات وانتهاكات في حق المدنيين.

ولا تزال مرحلة العشرية الحمراء، من الطابوهات المحرمة على التناول الأدبي والسينمائي والدرامي، فباستثناء بعض المحاولات المحتشمة، لا تزال المرحلة في طي الكتمان، خاصة وأنها استفادت من بند كامل في قانون المصالحة الوطنية الذي أطلقه الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في 2005، لإبقائها بعيدة وعدم الخوض فيها، ترسيخا لمسار المصالحة الوطنية.

وإذ لم تشر المصادر إلى قرار التوقيف واكتفت بذكر ما أسمته بـ”العلبة السوداء” في السلطة، فإن مسلسل الرايس قورصو، هو الآخر كان جريئا في انتقاداته وإسقاطاته للسلطة ولبعض الدوائر السياسية والشخصيات الفاعلة، وهو ما دفع أصحابها إلى الضغط على إدارة المؤسسة لوقف تصويره، قبل أن تصبح المسألة أكثر إحراجا خلال عملية البث، كما حصل مع مسلسلي عاشور العاشر، وجرنان القوسطو، خلال شهر رمضان الأخير.

ولقي توقيف تصوير المسلسلين، تضامنا واسعا في الساحة الفنية المحلية، حيث تصدر هاشتاغ “ضد توقيف تلك الأيام” التغريدات في الساعات الأخيرة، وعبر المغردون عن صدمتهم وأسفهم لقرار التوقيف، وأعرب المخرج عبدالقادر جريو، عن تضامنه اللامحدود مع “زملائه الممثلين والفنيين، ومع قناة الشروق”.

وذكر بيان المؤسسة، الذي اطلعت عليه “العرب”، بأن “مجمع الشروق قرر توقيف تصوير المسلسلين الرايس قورصو وتلك الأيام، بصفة رسمية ونهائية منذ الخامس من أفريل الجاري، وذلك لأسباب مادية بحتة”.

وأضاف “مجمع الشروق هو الوحيد المخول للحديث عن الموضوع، وأن أي طرف آخر يحاول إقحام نفسه في الموضوع لا يمثل إلا نفسه، ويبلغ المجمع جميع الشركاء والمتعاملين أنه الوحيد المخول للحديث في هذا الموضوع، وأن أي تصريح أو حديث من أي طرف كان، لا يمثل إلا نفسه ولا يُلزم المجمع، لا من قريب ولا من بعيد”.