نقطة نائية..

إرهابيون يصارعون سجانيهم في االمجهول الكوني

إرهاب دولي يكتسح الفضاء

طاهر علوان (بغداد)

لا شك أن سينما الخيال العلمي قدّمت العديد من الأفلام التي تتعلق بموضوع الفضاء والمركبات الفضائية واكتشاف كواكب ومجرات مجهولة، ومنذ فيلم “رحلة إلى القمر” الذي يعود إلى العام 1902 والتجارب السينمائية تتواصل في هذا النوع، وقد شاهد الجمهور الكثير منها خاصة من خلال سلسلة “حرب النجوم” و”ستار تريك” و”أوديسة الفضاء” وصولا إلى أحدث ما شاهدناه في هذا المجال وهو فيلم “سولو، قصة حرب النجوم” للمخرج المعروف رون هوارد.

ولكن ماذا لو أدمجت قضية الإرهاب التي يتواتر الحديث عنها في عالمنا اليوم مع رحلة مكوكية إلى الفضاء، وماذا لو انتقل صراع الإرهابيين إلى نقطة نائية في المجهول الكوني؟ هذا السؤال وغيره يطرحهما فيلم “القادم” للمخرج إيريك زاراغوزا (إنتاج 2018) والذي يعرض في صالات السينما الآن.

وتتحدث قصة الفيلم عن عمليات إرهابية تضرب الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وتضرب لندن تحديدا وتظهر اللقطات الأولى ضرب برج لندن وساعة بيغ بين، ثم الانتقال بعد ذلك بخمس سنوات، حيث تكون ثلّة من الإرهابيين قد تم اعتقالها وإرسالها بعيدا في مركبة فضائية.

 

حفلت سينما الخيال العلمي منذ ما يزيد عن المئة عام بالحديث عن ثيمة الفضاء، وما أتاحه من تجارب سينمائية توغّلت عميقا في اكتشاف الكواكب والمجرات المجهولة عبر رحلات فضائية تكون في الغالب مجهولة العواقب، وهو ما ذهب إليه فيلم “القادم” الذي يعرض حاليا في الصالات العالمية، مع إضافة عنصر تشويق جديد من عصرنا الراهن، ألا وهو الإرهاب

صورة غير مألوفة لزنزانات يقبع فيها إرهابيون ببدلات بيضاء، وهم تحت سيطرة شخص واحد، هو كنغسلي (الممثل لوكاس لوغران) الذي يمارس عليهم عمليات تعذيب متواصلة ويتمايل طربا وهو يراقبهم عبر الشاشات.

لكن التحوّل الدرامي في الفيلم يقع ساعة التحاق ثلاثة أشخاص بالمركبة الفضائية هم كل من الطيار همنغز (الممثل دومينيك باور)، والباحثة والمعالجة النفسية ستون (الممثلة ميشيل ليهان)، وضابط المخابرات ريسر (الممثل سكوت آدكنز).

ومن هناك، يتحوّل ريسر إلى قطب الصراع الأساسي في الفيلم، فبعد وصول الفريق تحاول الطبيبة ستون التعرف على ظروف احتجاز الإرهابيين وترفض تعرضهم للتعذيب وتتعاطف مع أوضاعهم الإنسانية، لكن الأمور تنقلب ضدها، إذ يقوم الإرهابيون باحتجازها واستخدامها رهينة، ومن ثم يخرجون من زنزاناتهم ويسيطرون على المركبة الفضائية ويحوّلون مسارها للهبوط في روسيا.

ومرة أخرى يتحوّل السياق الدرامي إلى صراع وسجال بين الإرهابيين والمجموعة المقابلة، كل منهم يحاول الانتصار على الآخر، فيما يمارس الضابط ريسر سادية مطلقة ويكرّر عبارة أنه هنا لحماية أميركا من الإرهابيين.

مشاهد مليئة بالحركة والقتال الفردي بين الطرفين، وفي كل مرحلة كان هناك من يموت خاصة من الإرهابيين الذين كانوا يظنون أنهم باستيلائهم على المركبة سيخرجون من زنزاناتهم إلى الحياة، لكنهم يصدمون بأنهم محلقون في الفضاء.

ويبدو أن الممثل سكوت آدكنز المعروف بأدواره المميزة وخاصة في أفلام الحركة والأفلام البوليسية، لم يضف لمسيرته شيئا كبيرا من خلال هذا الفيلم، عدا أنه يقدّم دور البطل الذي لا يقهر في مقارعة الإرهابيين، كما غابت عن الأحداث أي خطوط سرد إضافية، وبقي الخط السردي الرئيسي والسائد هو خط الصراع بين الفريقين من دون تطوّر درامي يذكر.

وحاول المخرج أن يكسر رتابة المكان، لأن أغلب الأحداث تجري داخل جدران المركبة الفضائية، وذلك بتقسيم المكان إلى غرف مقفلة بإحكام وكل طرف متحصن في غرفة، وبين الحين والآخر يقع الصراع والقتال الفردي.

وفي المقابل، أحدثت ستون توازنا موضوعيا ليس لجهة تجسيدها دور حمامة السلام، بل لكونها عاملا مهما في قلب مسار الأحداث ولخوضها سجالا مع ريسر الذي بدا أسير نزعته العنفيّة، ويتّخذ قراراته لوحده ويمارس شراسة مبالغا فيها أحيانا.

مشاهد مليئة بالحركة والقتال الفردي بين الطرفين، وفي كل مرحلة كان هناك من يموت خاصة من الإرهابيين الذين كانوا يظنون أنهم باستيلائهم على المركبة سيخرجون من زنزاناتهم إلى الحياة

ولا شك أن الفيلم كان بحاجة إلى المزيد من التماسك لجهة الحبكة ومسارات الأحداث وبناء الصراع، وكان بالإمكان تطوير فكرة الجهات الأمنية الأوروبية وهي تتابع المجريات عبر الأقمار الصناعية مثلا، لكن ذلك كان من بين الثغرات.

ومن الثغرات الأخرى المهمة أيضا، تلك التي تتعلق بكنغسلي الذي كان الحارس الوحيد على الإرهابيين وهو الذي يستجوبهم وهو الذي يمارس التعذيب في حقهم، إذ لم يكن منطقيا أن تحلق سفينة تحمل إرهابيين بقيادة شخص واحد فقط، وهو الذي يكتشف قبل موته أنه قد تم خداعه.

وفي المقابل تم التعتيم على هوية الإرهابيين بوصفهم ينتمون إلى نوع من الإرهاب الدولي، وهي نقطة إيجابية في عدم إلصاق التهمة بجهة ما ترتبط بالإسلام، مع أن المخرج جاء بممثل واحد من أصول عربية، وهو إدريس (الممثل المغربي علاء صافي).

ولعل السؤال الذي يبرز على صعيد السرد الفيلمي والسيناريو، هو: ترى إلى أين تمضي سفينة الفضاء بأولئك الإرهابيين؟ وما هي نتيجة نقلهم إلى الفضاء الخارجي، أهو لتعذيبهم أم لإجراء تجارب عليهم؟ ولماذا لا يجري كل ذلك على الأرض؟

بالطبع لو تم ذلك لأفرغ الفيلم من ثيمة الخيال العلمي، لكن في نفس الوقت وجدنا أن تلك الدوامة التي عاشتها الشخصيات لم تكن لتنتهي إلاّ بقتل بعضهم بعضا، ونجاة ستون والطيار وعودتهم إلى الأرض سالمين بعد قصف المركبة االفضائية بمن فيها.