العبرة منها..

حكايات شهرزاد المنسية .. الأعرابي وزوجته الوفية

شهرزاد

فاتن عمري

تحكي شهرزاد و تروي عجائب القصص لمليكها شهريار، وتتحفه بأغرب ما مر وصار على الملل والأمصار، لكن كما لكل شيء اوان، انتهت حكايات شهرزاد أخيرا وسكتت عن الكلام المباح، بعد ان أعتقت رقبتها من القتل ورضي عنها شهريار.

صمتت شهرزاد عن الحكي وقت الفجر، حّرر الحكايات كي تطير إلى أركان الأرض الاربعة، تحمل قصص الشعوب وعبر و حكما قلنا تم جمعها في كتاب جمع التراث والخرافة والتاريخ ضمن قالب واحد، دون ان يعرف يوما من هو كاتب هذه الدرة الادبية.

لكن بمرور الوقت، تقادمت الحكايات وبليت السنة شعراء الربابة والحكاواتية من ترديدها، فغاب العديد منها في طي النسيان، وكادت ان تنسى معها الحكم والعبر التي لخصها كاتبها المجهول.

لم يكن “ألف ليلة وليلة” مجرد كتاب حكايات شعبي يروج للخرافة والاسطورة فقط، ذلك كان الجانب الظاهر، لكن المعنى حّل برموز وقراءات عدّة للواقع ااسلطوي والسياسي والانثوي والاجتماعي في العصر العباسي وما قبله، ونقل صورة متكاملة عن حال البلاد والعباد في ذلك الوقت، وتوجه بالنصح والإرشاد والتوعية لمن سيدكون الأثر النفيس لحكاوي ليالي شهرزاد، ومنها حكاية الاعرابي وزوجته الوفية

الحكاية
 

“فلمذا كانت الليلة 692″، هكذا تبدأ شهرزاد دائما حكاياتها، تمزقم نالوقت رقعا تطيل بها عمرها، واهتارت ان تؤنس مليكها شهريار بقصة عن الوفاء والحب، وتقدم له في نفس الوقت لايات حبها و طاعتها ووفائها من خلال الشعر والنثر والصور الجمالية التي حفلت بها القصة، فقالت شهرزاد

“يحكى ان امير المؤمنين معاوية جسلس يتنسم الهواء الطلق في مجلسه بدمشق، فغذا به يرى أعرابيا يحجل في مشيه من حر الارض ويتقي أشعة الشمس بكفيه العارتين، قاصدا باب أمير المؤمنين

فقال معاوية”والله لئن قصدني لأعطيته وام كان مظلوما لنصرته”، هكذا قال امير المؤمنين ولا رد لكلمته.

حالما وقع الأعرابي بين يدي الامير شق ثيابه حزنا وفرقا والتمس العدل من جور الوالي، الذي كان قد أعجب بزوجته حتى رغّب أهلها في زواجه منها بالمال وألقى بالأعرابي المسكين في السجن وعذّبه ليطلّقها، فاضطر الأعرابي إلى طلاقها وتزوجها الوالي قسرا.

من حينه، أرسل امير المؤمنين كتابه إلى واليه مروان بن الحكم، قال فيه

وليت ويحك امرا لست تدركه   فاستغفر الله من فعل امرء زاني

وقد اتانا الفتى المسكين منتحبا   يشكو إلينا ببين ثم احزان

أعطي الأله يمينا لا أكفرها      نعم وأبرء من ديني وأيماني

ام انت خالفت فبما كتبت به     لاجعلنك لحما بين عقباني

طلّق سعاد وعجّلها مجهّزة       مع الكميت ومع نصر بن ذبيان

 

وهكذا كان، سار الموكب بالكتاب عجلا و أتوا مروان بن الحكم الذي لم يملك الا ان يطلق المرأة لتعود مع الموكب لقصر أمير المؤمنين.

لكن معاوية أعجب بالمرأة، وراود زوجها بالمال والجواري ان يسلوها فما قبل، بل زاده كربا على كرب، فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار، وفرق ان يناله جور الخليفة المستجار به.

 

كل هذا وسعاد تنظر كليهما، فما لبثت ان تحدثت ألى معاوية قائلة

هذا وام كان في جوع وأضرار   أعز عندي من قومي ومن جاري

وصاحب التاج أو مروان عامله   وكل ذي درهم عندي بدينار

فتعجب معاوية من وفائها ورجاحة عقلها وأعادها الى زوجها محملة بعشرة آلاف دينارذهبا.

العبرة
لا يقدم الامتاع مجانا في الف ليلة وليلة، بل يجاوزه في قوة التسلية والتشويق جانب الحكمة والنصح والارشاد، الذي يبدا بقمة كرسي الخليفة الى ان يصل إلى طبقات الشعب الفقيرة.

قصة الاعرابي وزرجته ومعاوية حملت معاني واضحة هي الوفاء والحب والغيرة وجور الحكام ، متجسدا في الوالي، ومن بعده مروان، لكنها حكلت رسالة مهمة أيضا، ان للظلم والجور حدود مهما تجبروا ، يغلب صوت العقل على الجحود، فكما حكّم معاوية عقله على هواه، ترسل القصة رسائل للقارئ بتحكيم العقل على القلب وضرورة تجاوز المرغوب احيانا لضرورة تحقيق الواجب المطلوب.