توازن دقيق..

الإصلاح السعودي.. بين الحرية والخصوصية

السير بحذر وانتباه

وكالات (الرياض)

أعلنت رئاسة أمن الدولة في السعودية السبت الماضي توقيف عدد من الأشخاص اتهمتهم بمحاولة “النيل من أمن واستقرار المملكة وسلمها الاجتماعي والمساس باللحمة الوطنية".

ونقلت الوكالة الرسمية في السعودية عن المتحدث الأمني لرئاسة أمن الدولة قوله إن المتهمين قاموا “بالتواصل المشبوه مع جهات خارجية في ما يدعم أنشطتهم، وتجنيد أشخاص يعملون بمواقع حكومية حساسة وتقديم الدعم المالي للعناصر المعادية في الخارج”.

وتعددت القراءات والتفسيرات لهذه الاعتقالات ولخلفيات هاشتاغ “وومن تو درايف”، وأدلت كل جهة بدلوها. فوفقا للبعض من مؤيدي الحكومة، إن الحملة الأخيرة على تويتر عن ضرورة قيادة المرأة للسيارة مضللة وغير ضرورية.

 وأكدوا، من وجهة نظرهم، على أن نشطاء حملة قيادة السيارة يجب عليهم أخذ زمام الأمور في الوقت المناسب حتى يصبحوا مصدر مصداقية للمجتمع.

تمكين النساء من قيادة السيارات سيمنحهن القدرة على التحرك والانضمام إلى القوة العاملة بعد أن كن يعتمدن على الرجال 

وسيكون باستطاعة النساء قيادة السيارات ابتداء من 24 يونيو المقبل، بحسب مدير الإدارة العامة للمرور اللواء محمد بن عبدالله البسامي بعد نحو تسعة أشهر من قرار الملك سلمان.

وتم تأسيس مدارس لتعليم قيادة السيارات خاصة بالنساء في خمس مدن بالمملكة مع مدرسات سعوديات حصلن على رخص القيادة في الخارج.

وتمكين النساء من قيادة السيارات سيمنحهن القدرة على التحرك والانضمام إلى القوة العاملة في البلاد، بعد أن كن يعتمدن على الرجال في تنقلاتهن.

ويؤكد مراقبون أن توقيت هذه التغريدات هو ما دفع السلطات إلى التدخل، في حين استثمرته جهات خارجية لتكرار نفس الجمل عن حقوق الإنسان في السعودية، التي باغتت هذه الجهات بمشروع إصلاحي يرقى إلى مرتبة الثورة في مجتمع مثل المجتمع السعودي.

تعقب جين كيننمونت، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط بالمعهد الملكي البريطاني للشؤون الخارجية، تشاتام هاوس، بقولها “لم يتدخل ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان بشكل مباشر في الأيام القليلة الماضية، مما أثار تكهنات بأن ما اثير حول الاعتقالات يمكن أن تكون علامة على مكائد تُحاك ضد الخطط الإصلاحية.

حماية لمسار التغيير

التقطت منظمة هيومن رايتس ووتش، نصف المعلومة، دون أن تتأكد من التفاصيل، حيث سارعت إلى إصدار بيان جاء فيه "تبدو 'الجريمة' الوحيدة التي ارتكبتها الناشطات والنشطاء هي رغبتهم في قيادة النساء السيارة قبل أن يسمح الأمير محمد بن سلمان بذلك. إذا كانوا في السجن لهذا السبب، فعلى السلطات إطلاق سراحهم فورا'.

وانتقدت هيومن رايتس فكرة أن تقود الدولة عملية الإصلاح وترتب مساراتها وفق ما تراه أنسب، ضمن مسار لا تستوعبه هيومن رايتس ومثيلاتها من منظمات المجتمع المدني التي تضع قوالب جاهزة لـ'الديمقراطية' دون مراعاة لخصوصية هذا المجتمع أو ذلك واختلاف طبيعة الحكم بين دولة وأخرى، ودون اعتبار الفوارق الجغرافية والتاريخية والقانونية والسياسية والعرفية، مع إضافة البعد الديني وحساسية موضوع الإصلاح في دولة مثل المملكة العربية السعودية.

ذكر بيان هيومن رايتس خلفيات النشطاء، وخصوصا الناشطات، وهو تاريخ يحسب لهن، وقد شكلت اللبنة التي بنيت عليها الخطوات الإصلاحية في رؤية السعودية 2030.

 ورغم أنها دخلت حيز التنفيذ، فمازالت هذه الرؤية، كما القرارات التي اتخذت في إطارها مثل فتح دور السينما والعروض الفنية في المملكة إلى جانب منح المرأة حق قيادة السيارة، لا تحظى بتأييد الجميع، ومازال هناك انقسام في المواقف.

ويفرض هذا الانقسام أن تكون الدولة هي التي تقود التغيير وتضبط إيقاعاته. وكان الأمير محمد بن سلمان اعترف بنفسه أن السعودية لا تملك أفضل سجل في حقوق الإنسان، لكنها تتحسن.

 وأضاف، في حوار مع صحيفة تليغراف البريطانية، خلال زيارته إلى لندن، في شهر مارس الماضي، أن السعودية أحرزت تقدما كبيرا في وقت قصير في مجال الحقوق والمواطنة، وهو أمر اعتبره المراقبون تحولا كبيرا في الكيفية التي تقارب بها الرياض المسألة من حيث الاعتراف بها والاعتراف بأن جهودا تبذل دون خجل أو تردد لرفع مستوى الأداء وتحسين أوضاع حقوق الإنسان وفق ما تتطلبه خصوصية الدولة السعودية لا على طريقة قوالب الديمقراطية الغربية التي تصدّرها مؤسسات حقوقية غربية ومنظمات تتبع المجتمع المدني ازدهرت بشكل كبير، وخطير، في ظل الثورة في عالم التواصل الاجتماعي.

وأضحت أحداث الربيع العربي، في تونس ومصر، وما وصلت إليه الأوضاع في ليبيا واليمن وسوريا، أبرز مثال يذكر عند الحديث عن أدوار مثل هذه المنظمات وكيف نشطت عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي واستغلت رغبة الشباب في التغيير والإصلاح لتمرير برامج أخرى مغايرة تماما لطموح هذه الفئة المؤثرة من المجتمعات العربية.

خصوصية التجربة

عندما بدأت رياح 'الربيع العربي' تعصف ببعض دول المنطقة، انبرى المراقبون والخبراء يتحدثون عن أن هذه الرياح ستصل إلى دول الخليج العربي، وخصّوا بالذكر السعودية. لم يخطئ هؤلاء المنظّرون في توقّعاتهم حين روّجوا لفكرة أن الأحداث التي شكّلت منعرجا تاريخيا غيّر المنطقة ستغيّر دول الخليج أيضا لكنّهم أخطأوا في تحديد طبيعة هذا التغيير وصوره وسياساته وطريقة تنفيذ وجهة تطبيقه.

مرد الخطأ أساسا تلك الصورة النمطية التي تعودت عليها وسائل الإعلام الغربية عن السعودية، الوهابية، المحافظة، وهي صورة استغلّتها حكومات ومؤسسات ومنظمات حقوقية لابتزاز المملكة في تجارب كثيرة، خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وحُمّل المجتمع السعودي برمته وزر هذه الأحداث فقط لأن من بين المنفذين سعوديون وبسبب الصورة التي تروجها وسائل الإعلام الغربية عن السعودية.

لا شك في أن السعودية ساهمت إلى حد كبير في تدعيم هذه الصورة، خاصة بعد أن قلّصت من أدوارها الخارجية في مواجهة الضغط الدولي والاتهامات بنشر التطرف والتشدد، الأمر الذي استفاد منه الغرب للضغط على السعودية في الخارج كما استفاد منه المحافظون والمؤسسات الدينية النافذة في داخل المملكة.

ويؤكد مراقبون أن هناك قوى ومنظمات خارجية طالما كانت تبتز السعودية بالإصلاح، الآن هي تضغط لتعطيله لتستمر عملية الابتزاز.

 ويضيف المراقبون أنه يمكن للسعوديين ذوي التوجهات المستقلة، والمتفاعلين اجتماعيا الذين يمكن أن يساهموا بشكل كبير في أجندة الإصلاح، أن يقعوا بسهولة تحت طائلة هذه المؤسسات وشعاراتها البراقة حول حقوق الإنسان.

ويوضح غازي الحارثي، المدير الإقليمي للمركز الديمقراطي العربي في الخليج، أن "السعوديين وصلوا إلى مستوى من الوعي بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي تجاوزوا فيه أقرانهم من الشعوب العربية، بحيث أنهم رفضوا كل دعوات التحرك لتغيير السلطة بقوة كما تحركت شعوب أخرى، وفضلوا الالتزام بوفائهم لحكومتهم، واعتبروا أن المقارنة بين السعودية وبين الأنظمة العربية التي سقطت لا تجوز، وأصبح ذلك مضرب مثل في تحويل الأزمات إلى نقاط تحوّل تاريخية دفع بها الشعب إلى التغيير واستجابت له الحكومة بتغييرات هائلة وخطط مستقبلية لم يكن يتوقعها الكثير".

شكلت هذه الخطوات الإصلاحية في السعودية صدمة للعالم الخارجي، أكثر من الداخل السعودي الذي كان يشهد حراكا وينشط شبابه ونساءه من أجل حقوق كثيرة، بدأت تشهد طريقها نحو التشريع ضمن سياق رؤية السعودية 2030. إن طريق البناء أصعب من الهدم، وطريق الإصلاح في مجتمع نصفه محافظ يخشى التغيير له كلمته وتأثره، ونصفه الآخر له نفس الحضور الوازن والتأثير لكنه يسير في الاتجاه المعاكس الأكثر انفتاحا، جيل منغمس في الثورة الرقمية، ولم يعد يحتاج إلى أن يسافر ليرى ما يجري في العالم، تكفيه ضغطة زر ليكون العالم بين يديه، في دولة تعتبر من أبرز دول المنطقة تطورا في مجال البنية التحتية لشبكة الإنترنت.