الموسم الرمضاني..

اعتلاء الصف الثاني يعيد تشكيل خارطة الدراما بمصر

ياسر جلال ومحمد رياض من الظل إلى البطولة الأولى

إلهام رحيم

أن تأتي النجومية متأخرة خيرا من ألاّ تأتي، تنطبق تلك المقولة هذا العام على بطل مسلسل “رحيم” الفنان ياسر جلال، وأمير كرارة بطل مسلسل “كلبش 2” بعد أن برزا بوضوح كبطلين وممثلين قادرين على تسخير سنوات طويلة من الخبرات التي اكتسباها، وتطورت أدواتها الفنية مع تنوع وتعدد الأدوار.

ورسخت الشروط التجارية والتسويقية التي أجبرت الدراما المصرية لسنوات طويلة على قبولها، وجود أسماء بعينها على الشاشة الرمضانية لمدة غير قصيرة، إما لمن بدأوا كأبناء للشاشة الصغيرة وأكدوا وجودهم الدرامي على مدار سنوات وإما من نجوم الشاشة الكبيرة -السينما- الذين حلوا في البداية كضيوف على الشاشة الصغيرة قبل أن يقعوا تحت غواية الذهاب للملايين في بيوتهم، ممّن لا يذهبون إليهم في السينما، الأمر الذي يزيد من جماهيريتهم.

والجماهيرية تلك، سبق لها أن أبعدت أبناء أصليين للتلفزيون عن البطولات المطلقة في مسلسلاته وحصرتهم في الأدوار المساعدة والهامشية، إلى أن امتلك بعض المنتجين شجاعة المجازفة بضخ دماء جديدة بين نجوم الصف الأول تلفزيونيا وقدموا على مدار أربعة أعوام، ثلاثة من ألمع نجوم الدراما الحاليين؛ وهم أمير كرارة في مسلسله “كلبش” بجزأيه وطارق لطفي بمسلسلي “شهادة ميلاد” و”بين عالمين” وياسر جلال بمسلسلي “ظل الرئيس” و”رحيم”.

مسألة إعادة تشكيل النجوم فنيا وجسديا ليتصدوا لأماكنهم الجديدة في أدوار البطولة ليست بالأمر السهل، ففي العمل الأول يتم إثبات استحقاق الأسماء للبطولة ويظلون على مدار الأعمال التالية يقاتلون للاحتفاظ بالمكانة التي حقّقوها، ولأجل ذلك يخطو نجوم البطولات الأولى خطواتهم بتأن ودراسة عميقة، فهم لا يملكون إلاّ مواهبهم وخبرات السنين وثقة منتجي أعمالهم، وهي ثقة غالية الثمن.

احتل ممثلون قلائل الصورة كاملة في الكثير من الأعمال الدرامية دون غيرهم، واستغلوا نجوميتهم الكبيرة وجماهيريتهم الطاغية لسنوات طويلة، وجاء الموسم الرمضاني الحالي ليغير من تكوين تلك الصورة بعد أن أعاد تقديم نجوم من الصف الثاني ليكونوا أبطالا لمسلسلاتهم ويستحوذوا على إعجاب المشاهدين، وأبرزهم ياسر جلال في عمله “رحيم“.

وإذا كانت هذه الثقة في محلها ربحوا وربحت الدراما مواهب تغافلها الكثيرون على امتداد فترات طويلة، وإذ لم تكن على قدر الثقة يخسر المنتج أمواله ورهانه، لكن تخسر الموهبة المراهن على وجودها الفني، إذ يعد من المستحيل أن يجازف أحد بمنحها فرصة أخرى إلاّ في حالات استثنائية ونادرة، كما أن عودتها لمربع الأدوار الثانية والثانوية تكون مرادفا لديها بالموت الفني.

ولعل أبرز وأعقد الأمثال على تلك الظاهرة، هو الفنان ياسر جلال الذي بدأ حياته الفنية عام 1983 من خلال فيلم “الراقصة والطبال”، ليظل بعدها حبيس الأدوار الثانية لعقود طويلة حتى أعاد مسلسل “رحيم” هذا العام اكتشاف موهبة جلال وقدرته على تقديم دور البطولة، التي ظهرت العام الماضي في مسلسل “ظل الرئيس”.

وخاض جلال تحديا صعبا هذا العام في مسلسله “رحيم” بعد أن نجح في خطف المشاهد من واقعه ومشاكله وأدخله عالم مغامراته المثيرة التي صار الجمهور جزءا منها.

وتدور أحداث العمل حول رجل الأعمال رحيم الذي أدين بعد أحداث 25 يناير 2011 في تهم غسيل الأموال وتهريبها وقضى في السجن سبع سنوات، خرج بعدها لينتقم ممّن سرقوا ممتلكاته وأهانوا أسرته. وبذلك قدّم المسلسل من خلال الدراما الشعبية والقصة الملحمية علاوة على الأداء المميز لبطل له كاريزما توليفة لعمل وحبكة درامية قوية، تتلون بين الأكشن والرومانسية واللمسات الاجتماعية.

ورغم أن المسلسل لم يتطرق لأي جانب سياسي مباشرة، خشية أن يقع ضحية حالة الاستقطاب التي تعاني منها مصر منذ سنوات، إلاّ أن المؤلف محمد إسماعيل أمين استطاع ببراعة أن يقنع جميع مشاهدي نصه بأن تهريب الأموال وغسيلها وقعا بالفعل في مصر عقب ثورة 25 يناير، دون أن يحدّد الأطراف التي تورطت في تلك الجريمة، وهي قضية شائكة للغاية لكنه استطاع تجاوز حساسيتها ببراعة.

كما استغل المؤلف أن بطل العمل ياسر جلال لم يصب بأمراض النجومية والهوس بالظهور في العمل من أول لقطة وصولا للأخيرة، ونحت شخصيات المسلسل جميعها بحرفية ساعدت في غزل الأحداث والأدوار كنسيج متكامل وليس نسيجا على مقاس البطل فقط، للدرجة التي يشعر فيها الجمهور أحيانا أن المسلسل بطولة مشتركة بين الجميع، والكل يتبارى داخله كي لا يتخلى الجمهور عن متابعة مغامراتهم حتى النهاية.

وجاءت كاميرا المخرج محمد أسامة السينمائية الملامح لتضيف الصورة كعنصر يدعم فكرة عالم المغامرات بحس فني واع لم يقع في فخ المبالغة، ولأجل ذلك لم ترصد في العمل أخطاء لافتة.

وتفنن محمد أسامة في إبراز شخصيته المميزة كمخرج تستحوذ أدق التفاصيل التي يمكن أن تضيف للنص على اهتماماته، وإن جاءت هذه التفاصيل بلا قيمة حقيقية أمام قوة النص وأداء الممثلين الذين سيطر عليهم تماما حتى لا يجنحوا للمغالاة، لأن النص يسمح بذلك في شخصية رحيم تحديدا.

وتحسب كذلك للمخرج قدرته على الاستفادة القصوى من إمكانيات الفنانين الذين نجدهم يعبرون عن المشاهد بكل أحاسيسهم ويستخدمون أدواتهم من صوت ولغة عيون وتعبيرات جسدية منضبطة، وقد تكون الخبرة الكبيرة لمعظمهم وراء حالة الانصهار التي نراها داخل شخصياتهم، لا سيما حسن حسني (86 عاما) الذي نراه في ذروة عطائه الفني في هذه المرحلة العمرية في دور الأب الذي أهين إبان سجن ابنه رحيم السند والعون له.

أما ياسر جلال (49 عاما)، والذي ظلم مع جيل كامل من نجوم التلفزيون لمدة تجاوزت العشرين عاما، فقد تمكن من استرداد حقه الفني بالكامل ونال جزءا مرضيا عن إخلاصه لكل الشخصيات التي قدّمها على مدار هذه السنوات، وحصد من الشعبية والنجومية ما فاق كل التوقعات بفضل قدراته التمثيلية الكبيرة.

وساعد الفنان محمد رياض في ظهور العمل بشكل أفضل بعدما تخلى عن شخصية الطيب البريء التي سُجن فيها فنيا لفترات طويلة، ليقدّم شخصية حلمي التي تحمل داخلها متناقضات معقدة، فهو رجل العصابات ذو الوجه المريب الذي تشير كل تصرفاته لإدانته دون وجود أدلة على ذلك.