كأس العالم 2018..

كرة القدم تحاور أبو مكة

كأس العالم 2018

وائل رفعت سليم

 بعد ساعات قليلة ستبدأ فاعليات كأس العالم 2018 لكرة القدم وهو ما دفعني للكتابة عن المستديرة التي حيرت الناس وألهثتهم ورائها ، وبخاصة أن هذا الحدث يأتي مع بزوغ نجم الكرة المصرية محمد صلاح في أوروبا بما يقدم من أداء وتهديف وقيم أخلاقية راقية , وكان محط اهتمام الكثيرين بعدما أثارت معه إحدى شركات الاتصالات المصرية مشكلة بلا داع بمحاولة استغلاله جبراً ، وعندما رفض بدأت محاولات التشوية والإساءة لما يقدم من صورة نبيلة للشاب العربي ، بل ما يقدم من أخلاقيات ومُثل يجب أن يتحلى بها المشاهير والنخب ممن يقتدي بهم الناس ، وقبلها سخافة وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان علي التويتر ( بطلب لمحمد صلاح أن يخدم في الجيش الإسرائيلي ) ، ولحق ذلك اهتمام عالمي بإصابة محمد صلاح من لاعب ريال مدريد راموس في مباراته مع ليفربول بنهائي أوروبا والتي أجمع عليها الكثير بأنها متعمدة .

وهنا يمكنك القول بأن محمد صلاح واهتمام العالم به قد أكدا علي أمرين :- أولهما – أن كرة القدم أصبحت لغة عالمية سهلة الفهم وبالغة التأثير، ثانيهما :- أن القيم الأخلاقية الإنسانية واحدة في العالم ، وأن العالم يفتقدها الآن لذا عندما يجد النموذج الذي يترجمها ويقدمها كواقع حي يحترمه ويبالغ في تأييده ودعمه . ولهذا تخطت كرة القدم كونها لعبة أو ممارسة رياضية فهي إحدى وسائل التأثير في العالم الحديث وتعتبر أحد عناصر القوة الناعمة للدول علي شعوب العالم المختلفة فيكفيك أن تتابع كرة القدم لتعلم سياسة أي دولة من نهجها الرياضي ، وتعلم كيف صار ارتباط بعض الشباب في بلدان مختلفة بدولة ما نظراً لإبداع منتخبها الوطني أو عشق نادي ما داخل هذه الدولة ، وهذا ما حول نشاط كرة القدم إلي نشاط اقتصادي ضخم نقلها من هدفها الرياضي إلي وسيلة للحصول علي الرزق وإلي صناعة شاملة تقوم عليها مهن آخري مختلفة مرتبطة بوجودها .

وشعبية كرة القدم تنبع من كونها وسيلة لمليء الفراغ السياسي لدي الناس ، ولمعانها يأتي في ظل غياب القيم الروحية والفكرية والسياسية والأهداف القومية الكبرى ، فالإنسان بتكوينه كائن منتمي إما ( لدين أو وطن أو لأفكار أيديولوجية حزبية أو مهنية ) فعندما تتحلل كل هذه الانتماءات ويغيب الهدف الذي يجتمع عليه الناس والدولة فحتماً يصير الانتماء للنادي هو البديل وبخاصة إنها لا تشكل ضغوطاً سياسية علي أنظمة الحكم المختلفة والتي سمحت بتشكيل روابط للأندية عرفت باسم ( الألتراس ) لشغل الشباب وتفريغ طاقتهم من خلال تجمعات هذه الروابط ، وعندما برزت هذه الروابط في مشاهد سياسية ببلدان الربيع العربي صار ينكل بها ولك في مذبحة ألتراس النادي الأهلي بإستاد بورسعيد ، ومذبحة ألتراس نادي الزمالك بإستاد الدفاع الجوي خير شاهد للتاريخ علي هذا والآن تدفع روابط هذه الأندية دفعاً أمنياً نحو حل هذه الروابط ، ليصير الانتماء الرياضي وانتصارات النادي هو الهدف الإسمي الذي يعكس انتصاراً شخصياً للفرد يبحث فيه عن ولائه وانتماءه المفقود لوطنه ، وهو ما حول هذه الطاقة لدي الشباب القادر علي إحداث التغيير لصالح أوطانهم إلي طاقة مهدرة يهرب بها الفرد مع ناديه ولاعبيه من مشكلاته الخاصة ومشكلات أمته ووطنه .

أضف إلي ذلك أن كرة القدم قدمت نموذج حي لحلم ( العدالة الغائبة ) فهي تنافس بين طرفين كأي منافسة في الحياة ولكن هذه المنافسة لها قواعد وقوانين معلومة مسبقاً للمتنافسين من الفريقين وللجمهور أيضاً ، ومن ثم يصبح الصواب فيها واضح والخطأ فيها صارخ ، مع محدودية زمن المنافسة بداية ونهاية ، بالإضافة للفروق الفردية التي يقدمها اللاعبين ذو المهارات الخاصة الإبداعية أو المدربين من ذوي القدرة الخططية , والهدف الذي يركض خلفه اللاعبون والمدربون والجمهور ملئ بالشفافية المعلنة وهو السعي لإحراز الأهداف في مرمي الفريق المتنافس ضدة ، بالإضافة لكونها تسمح بالنقد للاعبين والمدربين والتعبير عن خطأ هذا أو ذاك فهي التعبير عن الرأي ( الديمقراطية المقيدة ) ، ومن هنا تصبح اللعبة وسيلة للشعوب تبحث فيه عما يشبع عجزها وفشلها في تحقيق العدل والسكينة للفرد كأحد أهم أُسس قيام المجتمعات والأمم ، وكذلك إشباع رغبتها في الانتصار الجمعي المفقود الذي يُعزز الولاء والانتماء للوطن .

وهذا ما يبرر حالة البهجة والنشوة والاحتفال المبالغ فيه عند الفوز ، ويفسر أيضاً حالة الخيبة والحزن البالغ عند الخسارة فكرة القدم هي دواء الشعوب المقهورة ، وبخاصة تلك التي تحكم بمنهج قمعي تعسفي ، والتي تهمل فيها الرياضة عموماً وتخلو من منظومة رياضية حقيقية قائمة علي العلم والدراسة ، وإنما تستغل أي مكسب رياضي جاء مصادفة لتجميل صورة نظام الحكم الديكتاتوري السلطوي ليبدو ذلك الحاكم هو البطل وهو الزعيم وأن هذا الفوز أو ذلك الانتصار جاء بفضل توجهاته وإشرافه ، ويجب أن يبقي الديكتاتور هو البطل الأوحد صاحب الانتصار والقفز علي قدرات اللاعب فلان أو المدرب فلان منطقي لتكتمل سيناريوهات تجهيل الشعوب واستغلالها دعماً للإستبداد ، لأن نجومية اللاعبين وحدها تصبح خطراً علي المستبدين لقدرتهم في التأثير علي الجماهير ولك في تجربة جورج وآيا الذي أصبح رئيساً لدولة ليبيريا عبرة .

ومن ثم تتوافق أفكار وأهداف ومصالح الحكام الطغاة المستبدين مع من يسعون للسيطرة علي العالم وتوجيه الشعوب نحو ( نظام عالمي واحد ) تقوده الصهيونية والماسونية والرأسمالية المتوحشة ، وما أعنيه بالأنظمة المستبدة هي تلك الأنظمة التي جاءت بغير إرادة حرة وطليقة من الشعب في اختيارها ، وأنحصر الحكم فيها علي مجموعة معينة من النخب ومنها ( العسكري أو الديني أو الوراثي سواء الملكي أو الرئاسي المستندان إلي منطق توريث الحكم بين عائلة واحدة ) ويبدو ذلك التوافق جلياً في دول مستهدفة لما بها من خيرات وثروات ومواقع استراتيجية تمثل مطامع استعمارية كبري عبر التاريخ كدول أفريقيا ودول جنوب وغرب آسيا ودول أمريكا الجنوبية ، وهي دول تقوم غالبيتها حول حكم الفرد وتغيب فيها المؤسسات السياسية وتلفظ فيها سبل الديمقراطية والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، رضخت بالكامل للهيمنة الاستعمارية من (النظام العالمي الجديد) وتأتي كرة القدم كوسيلة لشغل الشعوب عن فشل هذه الأنظمة وما حققته من دمار اقتصادي وسياسي واجتماعي ورياضي ، بل وقتل للضمير الإنساني للناس في هذه البلدان بعجزها عن توظيف موارد هذه الدول للارتقاء بحال الناس فيها وهو ما يعزز الفقر والجهل والمرض والظلم فيجعلها أرضاً سهلة المنال لإعداء البشرية من الصهاينة والماسونيين . ويأتيك حديث الإعلام عن الرياضيين وفضيحة فلان وفضيحة فلانة ليكون القبح حديثاً بين الناس يتداولونه ويصبح المشوهون فكرياً وأخلاقياً نجوماً ينشغل بهم الناس عما يدبره السياسيون لتمرير قوانين وسياسات ضد المواطن ولتوجه قوة المواطن وقدرته وتفكيره للبحث عن سبل إشباع حاجاته المادية ومشاهدة المباراة أمام التلفاز هي وسيلته الوحيدة للإيجاد ولائه وانتمائه ولتذهب الأوطان إلي الجحيم .

وبذلك تكتمل أدوات السيطرة علي عقول الشعوب بتغيبها وجعل القبح والتدني الأخلاقي عنواناً لها بدا الأمر واضح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا بتشوية صورة المواطن العربي والمسلم وخلق عدو جديد بدعم ثقافة الكراهية والاحتقار وتعزيز الاختلاف بمنهج عنصري ضد لاعبين بسبب توجهم السياسي أو الديني أو العرق وهناك أمثلة عديدة علي هذا ، لذا صار نموذج اللاعب صاحب القيم والمبادئ النابعة من ولائه الوطني أو الديني خطراً فهو يملك من حب الناس والتأثير فيهم ما يستطيع أن يهدم به في شهور ما صنعه هذا النظام العالمي الجديد من قبح في سنوات .

ومن هنا يبرز دور وقيمة ما يقدمه اللاعب المصري محمد صلاح من نموذج قد سبقه علي هذا الدرب أمير القلوب في مصر محمد أبو تريكة لينضما سوياً إلي مجموعة من اللاعبين الذين قدموا نموذج جيد للشباب العربي والمسلم منهم فردريك كانوتي فرنسي من أصول مالية ، ومسعود أوزيل ألماني من أصول تركية ، ويايا توري من كوت دي فوار ، وغيرهم كثير .

ومن ثم يتعين علي محمد صلاح أن يعي هذا جيداً ، وإلا ينخرط في أي استقطاب سياسي ، وأن يصبح مستقلاً في فكره وتوجهه يتصرف بمنطق أخلاقي ووطني ، وأن يختار معاونيه بعنايه بالغة ، وأن يحذر كل الحذر من التورط في أي أمور تخص العنصرية أو الاستبداد أو الماسونية ، وأن يحتمي بحب الناس الذي منحه الله له ، وأن يتمسك بأخلاقه وتواضعه فهم خلطة السر في نجاحه ، وأن يحافظ علي تفوقه وتقدمه ويثبت أن ما حدث في الموسم السابق لم يكن مصادفة ، وأن يقلل من ظهوره الإعلامي أو الدعائي للشركات ، وأن يقف بكل حزم لمن يريد استغلال أسمه في توجيه سياسي ما أو توظيف إعلاني ما ، وتذكر أن كل خطوة ستحسب عليك أنت وزوجك وأهلك ومعاونيك فلا تترك لأحد فرصة أن يتصيد عليك خطأ ، وأعلم أنك الآن تغيير صورة قد رسمت للعرب والمسلمين حاولوا ترسيخها عبر سنوات من الغل والحقد والكراهية لأمتنا .

ونصيحتي لك أخي المواطن حب كرة القدم كما تشاء وأسعي لممارستها كما تشاء للاستفادة البدنية منها ولكن لا تنسي مقولة سودانية مبدعة تقول :- ( أن إلهاء العرب يأتي من الكًفر ( الكورة ) و الوتر ( الغناء ) ) فأنت من يدفع الثمن . بقلم وائل رفعت سليم المحامي