مسلسل كويتي..

"عطر الروح" تفاصيل جريئة تدخل خفايا علم النفس

رحلة علاج مضنية

ناهد خزام

من بين الأعمال الخليجية التي شاركت في الموسم الرمضاني المنقضي، برز المسلسل الكويتي “عطر الروح”، وهو من إخراج محمد القفاص وتأليف علاء حمزة، ويشارك فيه كل من الفنانة هدى حسين وعبدالمحسن النمر وحسين المنصور، بالإضافة إلى نخبة كبيرة من نجوم ونجمات الخليج.

ويدور المسلسل حول عطر (هدى حسين) وهي طبيبة نفسية تتبع أسلوبا خاصا في علاج مرضاها، ونتيجة لخطأ في علاجها لإحدى الحالات تم إيقافها عن العمل ومنعها من مزاولة المهنة بأمر قضائي ما يضطرها إلى العمل في الدروس الخصوصية مستسلمة لقدرها.
تبرز الحلقة الأولى من المسلسل حياة الطبيبة الهادئة والمستقرة بين أسرتها الصغيرة وإخوتها، لكننا سرعان ما نكتشف أن هناك من يتتبع خطواتها، وهما رجلا أعمال متنافسان وبالغو الثراء والنفوذ، نجح أحدهما وهو عدنان (عبدالمحسن النمر) في الوصول إليها، وهو يقوم بمراقبتها حتى لا يستطيع منافسه مشعل (عبدالرحمن العقل) الوصول إليها.
أمر مثير بالطبع وجدير بشد انتباه المشاهدين، خاصة أن الطبيبة تتعرض في نهاية الحلقة الأولى لمحاولة قتل تدخل على إثرها المستشفى، ومن هنا يستطيع مشعل الوصول إليها، أما سر هذه المطاردة المثيرة للطبيبة عطر فيتلخص في رغبة مشعل في أن تقوم الطبيبة بعلاج ابنه المريض نفسيا منذ سنوات، لأنها الوحيدة، كما يقول، التي تستطيع علاجه من هذا المرض.
واحتوى المسلسل على مشاهد حادة وقوية خاصة تلك التي تتعلق بالمواجهات بين أطراف الصراع، ويبرز هنا دور الفنان عبدالمحسن النمر، الذي نجح في أداء دور الشرير المنتقم المليء بالغل والكراهية، والذي يسيء أيضا لكل المحيطين به، إذ يعامل موظفيه بالكثير من العنجهية والإهانة، وهو على استعداد لفعل أي شيء من أجل الوصول إلى هدفه الرئيسي وهو القضاء على ابن عمه مشعل، ليستولي على ثروته بصفته وصيا على ابنه المريض.
ويشمل المسلسل أيضا العديد من قصص الحب والغيرة والصراع والتحدي بين أطرافه، فتهديد عدنان للطبيبة عطر لا يزيدها إلاّ عنادا وإصرارا على علاج الشاب المريض، ويقابل مشعل ذلك بامتنان زائد، فيستضيف أسرتها بالكامل في قصره حتى يتسنى لها مباشرة علاج ابنه ومتابعته عن قرب.
“عطر الروح”، هو مسلسل يضم العديد من عناصر النجاح، فهو من بطولة هدى حسين، وهي واحدة من نجمات الصف الأول في الدراما الخليجية، كما تشاركها أيضا نخبة متميزة من النجوم والفنانين ذوي الإطلالة والأداء المتميز، إضافة إلى مؤلف العمل علاء حمزة ومخرجه محمد القفاص صاحب التجارب الناجحة في الدراما الخليجية، والذي عادة ما تلقى أعماله صدى واسعا في الخليج العربي.
ولكن رغم وجود هذه التشكيلة المتميزة إلاّ أن المسلسل انطوى على العديد من علامات الاستفهام حول حبكته الدرامية، والتي شابها الضعف وعدم التوفيق. ومن بين هذه العلامات على سبيل المثال تلك القدرات الخاصة للطبيبة عطر إلى الحد الذي يترك فيه مشعل ابنه فريسة للمرض النفسي طوال خمسة عشر عاما انتظارا للعثور على
الطبيبة عطر، التي لا يستطيع أحد على وجه الأرض علاج ابنه ممّا هو فيه سواها، كما يقول.
أما سبب إيمانه الشديد بالطبيبة فيرجع لقدرتها على علاجه هو نفسه، وهو في سن الشباب من أعراض الحقد والكراهية، ونجاحها في تحويله إلى شخص طيب ومحب للخير! وهو سبب لا يقل غرابة عن قناعته المبالغ فيها بالطبيبة التي بدا من الحديث عنها وعن قدراتها أنها ساحرة وليست طبيبة.
وبعد موافقة عطر على علاج ابن مشعل يروي لها الرجل الأسباب التي أدت إلى وقوع ابنه فريسة للمرض النفسي، وهنا تطالعنا قصة غريبة أخرى، فقد تعرض مازن هو وأمه لحادثة سطو أو مطاردة وهو في سن الخامسة، وماتت أمه نتيجة لذلك بالإضافة إلى أخيه الرضيع، وبقي هو لمدة يومين مع جثتيهما في الصحراء.
وحين تسأله عطر عن الكيفية التي بقي فيها ابنه على قيد الحياة بلا ماء ولا طعام طوال يومين كاملين في الصحراء، يخبرها مشعل أنه كان يرضع من ثدي أمه! هكذا بكل بساطة، طفل يتعدى الخامسة حسب رواية والده، وتعرّض لصدمة قاسية على هذا النحو يهديه تفكيره إلى هذا التصرف، لا بد إذا أنه طفل قوي ولديه القدرة على التصرف والثبات الانفعالي، فكيف وقع إذا فريسة للمرض النفسي على هذا النحو؟
وثمة تساؤل آخر يطرح نفسه هنا حول الكيفية التي عرف بها مشعل كل تلك التفاصيل التي رواها على مسامع عطر، وقد أصيب الناجي الوحيد من الحادثة وهو
ابنه مازن بفقدان النطق والانهيار التام بعد الحادثة.
أما عن الطريقة الغريبة التي اتبعتها الطبيبة في علاج مازن فتعد أيضا من دواعي الدهشة في هذا المسلسل، ولا بد أنها تمثل ثورة في العلاج النفسي الحديث، فبعد نجاح الطبيبة في أقلمة الشاب المريض على وجودها عن طريق استخدامها لعطر أمه، استطاعت أن تخرجه من حالة العزلة لينطق بضع كلمات بسيطة، ولاستكمال العلاج تصطحبه إلى أوروبا، حيث تطالعنا عدد من المشاهد السريعة التي تلخص رحلة عام من العلاج.
ومن بين الوسائل المبتكرة التي اتبعتها الطبيبة في علاج الشاب، هي تدريبه على ألعاب القتال، ليس هذا فقط بل واستخدام السلاح أيضا، في الوقت الذي تبث في نفسه روح الانتقام والكراهية لعدنان عدو أبيه اللدود، والذي استولى على ثروته.
ويعود مازن إلى الكويت بعد عام واحد وقد تحوّل إلى شخص آخر، من شاب مريض لا يستطيع الكلام أو التواصل مع من حوله منذ كان في عمر الخامسة، أي أنه لم يحظ بأي نوع من التعليم، إلى شاب متزن انفعاليا، ويجيد الحديث، والأهم من كل ذلك أنه بات محملا بالكراهية ويسعى إلى الانتقام، كما أنه ينجح بمهارة وسرعة بديهة في قيادة كل من حوله وحثّهم على طاعته، حتى يستطيع في النهاية وفي وقت قياسي القضاء على إمبراطورية عدنان والاستيلاء على ثروته بالكامل، وكأنه خلال هذا العام كان يتعاطى حبوب الذكاء ولا يعالج من مرض نفسي.