تؤثر في مسار العلاقات..

تجاهل علامات التحذير في علاقات الحب يوصلنا إلى نقطة اللاعودة

إعادة تقييم لذواتنا وفيما لو كان بإمكاننا فعل شيء لإنقاذ العلاقة

نهى الصراف

تظهر علامات غير جيّدة على السطح في أغلب العلاقات العاطفية؛ تصرفات غير مسؤولة من الطرف الآخر، إهمال متعمّد، لا مبالاة، سوء ظن وتجاوزات لفظية أو سلوك لا ينمّ عن احترام، برود في المشاعر وربما تكرار ارتكاب الأخطاء ذاتها تلك التي تتسبب في جرح الطرف الثاني في العلاقة.

ما يحدث في أغلب الحالات، أن الطرف الذي يقع عليه الحيف من شريكه في العلاقة، قد يُهمل هذه العلامات المهمة ويضعها تحت السجادة ليتخلص منها مؤقتا ويواصل حياته، إلا أنها سرعان ما تظهر مرة أخرى بشكلها القديم مع إضافة بعض الرتوش ولسان حالها يقول “لا تؤجل عمل اليوم للغد”؛ أي أن علينا أن نتعامل مع المشاكل الصغيرة التي تواجهنا بدلا عن تجاهلها، وإلا فإنها ستكبر وتتضخم مع مرور الوقت، فضلا عن أنها قد تكون مؤشرا لاستحالة استمرار العلاقة.

أصبح الأميركي جون كيم، بفضل تجربته الذاتية بينما كان خارجا لتوه من علاقة عاطفية فاشلة، رائدا في مجال مساعدة الآخرين باعتباره معالجا مرخصا ومؤلفا ومؤسسا مشاركا لمجموعة “تي.اي.جي”؛ أي جماعة المعالج الغاضب وهي مجموعة رائدة في مجال العلاقات، تعمل من خلال فريقها على موقع المجموعة على الإنترنت من معالجين ومدربين لمساعدة ودعم الآلاف من الأشخاص الذين خبروا علاقات وتجارب شخصية فاشلة، لاسترجاع أنفاسهم وبناء حياتهم من جديد مثلما يحبون، بصرف النظر عن أماكن تواجدهم وطبيعة تجاربهم الحياتية.

مثل ربة البيت الكسولة، وعلى الرغم من أننا نرى كل شيء بوضوح، إلا أننا نلجأ أحيانا إلى جمع الغبار والقمامة بالمكنسة لنخبئها تحت السجادة، بدلاً عن التخلص منها نهائيا في حاوية النفايات، وما سيحدث بالتأكيد، أن الغبار سيعلو السطح النظيف مرة أخرى فنضطر إلى كنسه من جديد. هذه صورة قد تكون مقاربة لما يحدث من تطورات سلبية في أي علاقة عاطفية.

من خلال مدوّنته “المعالج الغاضب”، نشر كيم مجموعة من المقالات بدأها بمقال “مشاعري اللعينة”، في سلسلة وثّقت رحلته بعد الطلاق، مستخدما أسلوبا مختلفا في تقديم النصح والمشورة للآخرين الذين لا يلاحظون العلامات إلا بعد فوات الأوان، وهو يفضل في طريقته أسلوب إسداء النصح بـ”وأنا أيضا”، بدلاً عن “يجب عليك”، كاشفا عن عيوبه وآرائه الشخصية وعن العلاقات والطريقة التي اتبعها في تخطي هذه الفترة العصيبة من حياته.

ويرى بأن تقصّي هذه الإشارات أو العلامات بين الحين والآخر أفضل من رفع الراية البيضاء التي تشير إلى أن الوقت قد فات ولا يمكن إصلاح ما فسد؛ تقصّي الإشارات ومكامن الخلل يمكن أن يرأب الصدع في أي علاقة ويساعد في تضميد الجروح أولا بأول قبل أن تستفحل، أما الراية البيضاء فتعني بأن الأمر انتهى ولا محلّ للتراجع أو تصحيح الخلل.

ويؤكد متخصّصون على أن المقصود بالإشارات أو العلامات الخفية وليست الظاهرة، وهي الأحداث أو التصرفات التي تصدر عن الشريك وفي الغالب نميل إلى تجاهلها ونخفيها “تحت السجادة”، لندّعي بأن كل شيء ناصع والأمور تسير على ما يرام، هذا التجاهل الذي يؤدي إلى تفاقم الثقوب واتساع الشق في نسيج العلاقة حتى يصعب رتقها عندما تصل إلى نقطة اللاعودة.

ولعل القيام باستشفاف هذه العلامات قد لا يعني بالضرورة وجود خلل ما في نوايا الشريك، فربما يعني بأن علينا أن نعيد تنظيم أنفسنا للقيام بعمل ما وهي لا تعني اللوم بقدر إعادة تقييم لذواتنا وفيما لو كان بإمكاننا فعل شيء لإنقاذ العلاقة.

ويورد جون كيم بعض الأمثلة من صميم واقع العلاقة العاطفية وتعامل الطرفين في خضم حياتهم اليومية، فهو يرى بأن الحديث بين الاثنين إذا اقتصر على العائلة والأصدقاء ومشاكل العمل، ربما القضايا العامة والسياسة مثلا، فهذا يعني بأن أحد الطرفين في الأقل يحاول تجنّب الخوض في التعبير عن مشاعره، بل ويحاول جاهدا تجنّب الخوض في كل ما يتعلق بالجانب العاطفي للعلاقة؛ فيستجيب بعدم اكتراث لكلمات الحب ويتجاهل تلميحات الطرف الآخر لضرورة الحديث والاسترسال في التعبير عن المشاعر أو اقتطاع بعض الأوقات للقاء أو حتى للتخطيط لمستقبل العلاقة.

وعندما يلجأ أحدهم إلى هذه الخيارات، فهذا قد لا يعني بالضرورة إشارة إلى رغبته في إنهاء العلاقة لأنه لم يعد يحمل أي مشاعر حب، بل قد تكون رد فعل لإهمال الطرف الثاني وتزايد الخلافات والتباعد المكاني، إضافة إلى الغموض الذي يلف سلوك هذا الطرف، وهكذا، يمكن أن تتبلد مشاعر الحب تدريجيا فتتحول من حالة الحركة إلى حالة السكون تماما مثلما تتجمّد المياه، لكنها ستموت في النهاية.

وينصح متخصصون في علم النفس بضرورة التحدث مع الشريك في ما يتعلق بالمشاعر التي يكنّها لنا، حتى إذا كانت سلبية، فالمصارحة أمر صحّي في هذه الحالة خاصة إذا تم تفسير سلوك الآخر بصورة خاطئة أو أنه تفوّه بكلمات لا يعنيها حقا. أما إذا تعذّر هذا، فالواجب يكون بمصارحة النفس، ويكون هذا بطرح بعض الأسئلة المهمة على أنفسنا، عندما يخبرنا حدسنا بأن هناك خطبا ما أو تصلنا إشارات التحذير من الطرف الآخر. ومن ضمن هذه الأسئلة: هل تمثّل هذه العلاقة إضافة مهمة في حياتنا؟ هل نشعر بالسعادة والأمان مع الشريك، هل ينم سلوكه عما يكنه لك من احترام، هل يمكنك الاستغناء عن وجوده لفترة طويلة من دون أن يشكل هذا الأمر فرقا بالنسبة لك؟ هل تفتقد علاقتكما إلى الصراحة والوضوح، هل يسبب لك الاستمرار في العلاقة مزيدا من الجروح النفسية، وهل تعرقل نجاحك في العمل والحياة؟

بالطبع، هناك الكثير من العوامل الخارجية يمكن أن تؤثر في مسار هذه العلاقة، لكن هذا لا يعني بأن يكون وجود الشخص الآخر باعتباره عبئا مضافا إلى هموم الحياة اليومية، فإذا كانت هناك سحابة رمادية تظلل العلاقة فيتوجب عليك أن تسأل نفسها؛ لماذا وإلى متى؟