رموز وإشارات فجرت خلافات جوهرية..

قضايا مفصلية تظهر داخل المجتمع أثناء المونديال

كل الثقافات تعبّر عن نفسها من خلال معتقداتها

موسكو

أمر متوقع وطبيعي أن تستبق وسائل إعلام ومواقع تواصل اجتماعي كثيرة مونديال روسيا 2018 بالحديث عن صدامات مرتقبة خارج الملاعب بين جماهير المشجعين بسبب خلافات سياسية ودينية وغيرها، لكن ما لم يكن مرتقبا أن تظهر إلى السطح قضايا مفصلية راهنة داخل المجتمع الواحد أثناء المونديال من خلال رموز وإشارات فجرت خلافات جوهرية داخل الشعوب الباحثة عن هويتها في الزي الرياضي الوطني الموحد.

وأمر متوقع وطبيعي أيضا أن يتصدى ويستعد البلد المنظم لهذه الأمور على أتم الوجوه، وبكل ما يمتلك من خبرات أمنية ضخمة، وكذلك أخذ الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” جميع احتياطاته ونفذ التزاماته وقراراته مثل نشر المراقبين للهتافات العنصرية بين المدرجات وفتح تحقيقات في بعض التجاوزات والهتافات، علاوة على ذلك، فإن الاتحاد كان قد نشر ووزع “دليل الممارسات الجيدة للتنوع ومكافحة التمييز” لدعم جميع الاتحادات الأعضاء، ودعا الجماهير التي ترتاد ملاعب كرة القدم إلى التحلي بروح الوحدة والسلام والصداقة.
كل هذه الأمور تبدو عادية ومتوقعة في تجمع كروي هو الأكبر من نوعه في العالم على الإطلاق، لكن أن تخص أبناء ديانة ما دون غيرهم من اللاعبين والجماهير بالمراقبة والتعليق على كل حركاتهم وسكناتهم، فهذا يصنف في خانة التهويل التي من شأنها أن تحيل إلى خانات وتوصيفات أبعد وأخطر مثل الرهاب المتفشي في الغرب من الإسلام والمسلمين.
إن مجرد التركيز ولفت الانتباه إلى أن هذا اللاعب أو ذاك قادم من بيئة مسلمة، ليحيل، وبصورة شبه آلية، إلى أن المعلق يريد “أن يضع خطا أحمر أو أخضر” تحت اسم هذا اللاعب للفت الانتباه إلى أمر “غير رياضي” يحيل حتما إما إلى نوع من الإسلاموفوبيا وإما الترويج إلى نزعة إسلامية واضحة.
مقطع فيديو يظهر لاعبي المنتخب التونسي لكرة القدم والجهاز الفني وهم يقومون بتلاوة سورة الفاتحة قبيل خوضهم مباراة مع منتخب إنكلترا ضمن مونديال روسيا، يثير جدلا واسعا في تونس
وأبرزت بعض المشاهد الخاصة بانطلاقة بعض المنتخبات - خصوصا العربية منها- تمييزا طائفيا بدا واضحا ويمكن أن يستشفه المتابع لإحدى القنوات المتخصصة مثل قناة “بي.إن.سبورت”، والتي تحتكر حقوق بث مباريات المونديال في الشرق الأوسط فقد جاهد معلقوها في الحديث عن خلفيات بعض اللاعبين ممن يمثلون المنتخبات العالمية لإبراز خلفيتهم الدينية الإسلامية، ففي ما يتعلق مثلا بلاعب منتخب الدنمارك يوسف بولسن، فقد أسهب معلق مباراة المنتخبين الدنماركي بنظيره البيروفي في الحديث عن اعتناق والدة اللاعب التي تنحدر من أصل دنماركي الدين الإسلامي والاقتران برجل من تنزانيا في أغلب دقائق المباراة دون التقيد بأجواء المباراة.
وفي نفس الإطار، أبرزت مواقع إعلامية صورا لاعتذار حارس مرمى المنتخب المصري محمد الشناوي، عن تسلم جائزة أفضل لاعب بعد اختياره في مباراة منتخبه ضد المنتخب الأورغوياني بحجة أن الجائزة مقدمة من شركة خمور.
وفي هذا الصدد، أثارت تعليقات على مقطع فيديو يظهر لاعبي المنتخب التونسي لكرة القدم والجهاز الفني وهم يقومون بتلاوة سورة الفاتحة قبيل خوضهم مباراة مع منتخب إنكلترا، الاثنين الماضي، ضمن مونديال روسيا، جدلا واسعا في تونس.
واتهم الصحافي التونسي محمّد بوغلاب، في برنامج إذاعي محلي، مدرّب الفريق نبيل معلول، بالرّياء، مرجعا هزيمة المنتخب إلى غياب الإعداد الجيد منتقدا المدرب في تمضية الوقت في الصلاة والدعاء بطريقة استعراضية سواء خلال الحصص التدريبية أو أثناء المباريات، وذلك عوض “قراءة الخصم” حسب تعبيره.
وكتب بوغلاب، في الصحافة المحلية التونسية مقالا متحدّثا فيه عن المنتخب والمدرّب نبيل معلول، قائلا “مدرب قضى جل المباراة وهو يقرأ القرآن وكأن التأهّل يمر عبر جامع الزيتونة أو الأزهر؟”.
وأضاف بوغلاب، في مقاله “نسي المدرب أن الفوز يتطلب إعداد الخطط المناسبة لهزم منتخب بطولته هي الأقوى في العالم (إنكلترا)، ولكنه فعل مثل شيوخ الأزهر الذين كانوا يقرؤون صحيح البخاري وكتب الصوفية حين كانت مدافع نابليون بونابرت تدك أسوار القاهرة، أواخر القرن الثامن عشر”.
وردا على ما كتبه الصحافي التونسي، اعتبر آخرون أن “هذا الجدل مفتعل، وأن ما فعله اللاعبون من قبيل الممارسة الشخصية والعقدية والدينية دارجة لدى كل الفرق الرياضية من جنسيات وديانات أخرى”. في المقابل، يرى الباحث في الحضارة العربية سامي براهم، أن “كل الثقافات تعبّر عن نفسها من خلال معتقداتها، فمثلا نجد فرقا رياضية تمارس طقوسا من نوع آخر”.