معالجة لإشكالية اليأس من العالم الواقعي..

"بلا نهاية" أشخاص معزولون يبحثون عن مدينة فاضلة

في البحث عن عالم أفضل

العرب

تنوعت المعالجات الفيلمية لثيمتي اليوتوبيا الأرضية والديستوبيا التي تضرب الأرض وما عليها في سينما الخيال العلمي، وذلك بين الإنتاج الضخم وبين الأفلام قليلة التكلفة، كما شاهدنا في أفلام “الضحية العاشرة” و”القردة الاثنا عشر”، و”1984”، و”أطلس”، و”أتوماتا”، و”باتمان”، و”متسابق المتاهة”، و”العمى”، و”البرتقالة الميكانيكية”، و”المدينة المعتمة، و”سباق الموت”، و”ماد ماكس”، و”إيليسيوم” و”الهرب من نيويورك”، وغيرها من الأفلام والسلسلات السينمائية التي توزعت على مسار تاريخ السينما في القرنين الماضي والحالي.

وفي فيلم “بلا نهاية” للمخرجين جوستن بينسون وآرون مورهيد (العرض الأول 2018)، هناك معالجة لإشكالية اليأس من العالم الواقعي والبحث عن مكان وزمان مختلفين ما يجعل الحياة أكثر جدوى.

الشقيقان جوستن وآرون، وهما المخرجان، يعيشان وحيدين معزولين في مكان ما، حيث تبدو الأجواء أقرب إلى حقبة السبعينات أو الثمانينات من القرن الماضي، وأولى علاماتها عدم توفر شبكة الإنترنيت.

يصل إلى الشقيقين شريط مسجل تتحدث فيه آنا (الممثلة كالي هيرنانديز) عن أجواء المخيم الذي تعيش فيه هي وثلة من أصدقائها وصديقاتها، فيقرّر الشقيقان الذهاب إلى هناك. الطريق البرية والبيئة المفتوحة تحيلاننا إلى موقع المخيم، حيث تعيش طائفة منقطعة عن العالم الخارجي تؤمن بأنها يجب أن تعمّر طويلا، لكن الشقيق الأكبر جوستن يقول إنها مجموعة عدمية تؤمن بالانتحار وأفرادها ليسوا أسوياء ويتعرض الرجال منهم للإخصاء.

يعيش الشقيقان أجواء المجموعة بعد انقطاع، وسوف نكتشف لاحقا أن أحد أفراد المجموعة كان له الفضل في إنقاذ الشقيقين من الموت في حادث احتراق السيارة التي كانت تقودها والدتهما.

وخلال ذلك، سنغوص بالتدريج في الغرائبيات، رسامة كانت تائهة ووجدت ضالتها في هذا المكان وهذه المجموعة، امرأة فقدت أثر زوجها ووجدت في المجموعة من سيساعدها في البحث عنه، امرأة أخرى تستطيع اكتشاف إدمان الشخص من خلال نفث الدخان على وجهه.. وهكذا.

وفي الأثناء نكتشف أن المجموعة، وبسبب طبيعة المكان المجهول الذي تعيش فيه، تمر بها أطوار فلكية غريبة مثل تكامل ثلاثة أقمار في الليل دفعة واحدة.

واستندت أغلب أحداث الفيلم إلى وجهة نظر الشقيقين، وهما يغوصان عميقا في عالم المجموعة المجهول، ما يدفع آرون إلى التشبث بالبقاء على الرغم من ممانعة شقيقه الأكبر الذي تبعده المجموعة، لأنها تكتشف أنه كان يسخر منها.

وخلال ذلك، هناك خط في الأحداث لا يجري الكشف عنه، وهو: هل أن المجموعة انتحارية عدمية حقا؟ إلى أن يتحقّق ذلك في المشاهد الأخيرة من الفيلم من خلال تجمعهم في شكل دائرة ويلقى إليهم بحبل سميك من الأعالي، لتختفي المجموعة كليا. ولا يخلو الفيلم من مشاهد توحي بأعمال السحر والإيهام البصري، حيث المبدأ السائد هو أن على كل شخص أن يوجد لنفسه عالمه الخاص وأن عليه أن يكتشف بنفسه ما يريد.

وعلى صعيد خطوط السرد الدرامية، لن تتحقّق حبكات ثانوية كبيرة سوى كشف تضليل الشقيق الأكبر وتشويه صورة المجموعة، ولكن التحوّل الدرامي الكبير يقع ساعة هرب الشقيقين وسط العواصف والحرائق التي تلاحقهما.

مكانيا وبسبب التكلفة الإنتاجية الزهيدة تم التصوير في مخيم بالقرب من غابة، لكن ذلك الفقر المكاني-الإنتاجي، حيث ينتمي الفيلم إلى فئة أفلام الخيال العلمي قليلة التكلفة، دفع المخرجين كما يبدو لإيجاد حلول بصرية ومؤثرات خاصة تضفي على المكان طابعا غرائبيا، لدفع المشاهد إلى المتابعة، وهو ما جرى فعليا، حيث المفاجآت المتعلقة بالأقمار والحرائق والدخان كانت عاملا إضافيا في كسر الرتابة المكانية، واستخدم المخرجان أيضا حلا إخراجيا من خلال حديثهما إلى الكاميرا مباشرة وهما يرويان انطباعاتهما وأفكارهما في عدد من المشاهد.

وهذا النوع من كسر الإيهام أضفى على الفيلم بعدا واقعيا إضافيا للأداء المتوازن للشخصيات، كما أضفى على الشقيقين بعدا غرائبيا ما يحرك فضول المشاهد ويدفعه إلى تتبع مسار الأحداث. ولأن الأحداث بمجملها تقع في ذلك المكان الواحد مع تقسيمات مكانية موازية خاصة ببعض الشخصيات، فإن الحوار كان هو الغالب وكان هو الأداة الأكثر استخداما لنقل الأحداث، حوارا كتب ببراعة وكان يخفي في الكثير من الأحيان أكثر ممّا يفصح عمّا تكنه الشخصيات.

وبهذا لم نجد في تلك الحوارات رتابة وتكرارا، بل كان المخرجان على درجة من الوعي بتلك المساحة الفاصلة بين الإيجاز واستخدام الحوار الأكثر دلالة وبين الوقوع في الرتابة. ولعل هذا الفيلم الغرائبي فيما أشرنا إليه من البحث عن المدينة الفاضلة تكمن ميزته الأخرى في تعتيمه على ما هو خارج المكان، وما يجري في مدن ومجتمعات أخرى، إذ العزلة كاملة ومتحكمة في تلك الشخصيات الباحثة عن خلاصها.