من دونهم لن يتحقق النمو المنشود..

المهاجرون الجدد... حاجة اقتصادية أميركية ماسّة

انخفضت نسبة البطالة إلى أدنى من 4%

وكالات (لندن)
دخل الاقتصاد الأميركي في مرحلة اللابطالة في العديد من القطاعات التي لا تستطيع الآن إيجاد عمالة لتوظيفها، ما اعتبره اقتصاديون «تهديداً للنمو إذا لم يُفتح باب الهجرة».

وقد انخفضت نسبة البطالة إلى أدنى من 4%، أي إلى أقل مستوى منذ بداية سبعينات القرن الماضي. ففي العديد من القطاعات «تؤجل الاستثمارات والتوسعات لأسباب متعلقة بنقص العمالة على أنواعها الماهرة وغير الماهرة»، كما يؤكد الاقتصادي نيكولا لورين، في تحليل نشرته «ليزيكو» المالية والاقتصادية.

على سبيل المثال، في ولاية مين شمال شرقي الولايات المتحدة الأميركية كان الشتاء الماضي قاسياً، ليس بسبب تراكم الثلوج بل لنقص في العمالة التي احتاجت إليها الولاية لإزالة الثلوج من الطرقات التي شهدت عرقلة سير خانقة أدت إلى تعطل أعمال على نحو غير معتاد. فمنذ سنتين تقريباً لم تعد إدارة الولاية تجد سائقين بعدد كافٍ للآليات المخصصة لرفع الثلوج، ولم تجدِ المكافأة الإضافية المخصصة للمرشحين لهذا العمل نفعاً رغم أن قيمتها وصلت إلى ألف دولار.

ويؤكد الاقتصادي نيكولا لورين في تقرير خاص عن هذه الظاهرة «أن هذا الواقع يتكرر في ولايات أخرى، وفي قطاعات مختلفة، لأن نسبة البطالة تدنت إلى درجة لم يعد معها التوظيف سهلاً. بينما عروض العمل تتراكم ولا تقابلها تلبية مناسبة عدداً ونوعاً».

وكان أبريل (نيسان) الماضي قد سجّل رقماً قياسياً من تلك العروض التي بلغت 6,7 ملايين عرض على المستوى الوطني العام. وانخفضت نسبة عدد العاطلين إلى عدد الوظائف الشاغرة إلى أحد أدنى مستوياتها التاريخية تحت 0,9%.

ويقول محلل من «فاندسترات غلوبال أدفايزرز» إن الولايات المتحدة سينقصها 8,2 ملايين عامل وموظف خلال السنوات العشر المقبلة إذا استمر الوضع الاقتصادي نامياً باطراد، كما تشير المؤشرات الحالية، وإذا حصل ذلك سنشهد أكبر نقص عمالة تعاني منه الولايات المتحدة منذ 50 سنة.

وتكبر شيئاً فشيئاً قائمة القطاعات التي تعاني من هذا النقص وعلى نحو خطر في بعض الحالات. فالعديد من الولايات تطلب أطباء ومهندسين وممرضين وسائقي شاحنات وخدماً ونادلي مطاعم وعمالا زراعيين... ولا تجد تلك الولايات ما يكفي لتلبية العرض.

فقطاع النقل البري يحتاج إلى 50 ألف سائق، علماً بأن الرقم سيرتفع إلى 90 ألفاً في السنوات المقبلة وفقاً لجمعية مالكي الشاحنات. كما يعاني قطاع الطاقة المزدهر نسبياً بفضل النفط الصخري من هذا النقص أيضاً، فقد تباطأ الإنتاج في حقول واقعة في ولايتي تكساس ونيو مكسيك لعدم توافر عمالة كافية في هذا القطاع الذي تعافى سريعاً بعد ارتفاع أسعار النفط.

والمجموعات والشركات الكبيرة ليست بمأمن من هذا «العجز العمالي»، حيث عبّر، على سبيل المثال لا الحصر، رئيس شركة «دانكن دوناتس» الغذائية، عن قلقه من نتائج هذا النقص وتأثيره السلبي في خطط فتح ألف متجر إضافي للشركة في السنوات الثلاث المقبلة. وقال: «إذا لم يعالَج هذا النقص سنجد كيف أن الناتج الاقتصادي سيتأثر في نموه». ومما فاقم هذا الواقع أن جيل مرحلة الازدهار، أي الذين دخلوا سوق العمل في السبعينات، يواصلون تقاعدهم بكثافة.

وفي السابق كان الإحلال يحل الأزمة العمرية والديمغرافية ويحصل بسهولة بفضل استقبال المهاجرين الجدد، حتى وصلت نسبة العاملين الأجانب في الولايات المتحدة الذين هم من مواليد بلدانهم الأصلية إلى أكثر من 17% من إجمالي القوة العاملة، وفقاً لإحصاءات صادرة عن وزارة العمل، وعددهم أكثر من 27 مليون شخص، ربعهم يعمل خلافاً للقوانين، أي أنهم من المهاجرين المخالفين لشروط الإقامة، لكنّ سوق العمل يستوعبهم.

وتؤكد دراسة صادرة عن مركز الأبحاث «بيو ريسرش» أن نسبة السكان الأميركيين الناشطين في سوق العمل ستتطور في منحنى هابط من الآن حتى 2035 إذا لم تلجأ البلاد إلى تسهيل الهجرة إليها.

أما اللافت في كل ذلك فهو أن الولايات التي أسهم ناخبوها بشكل كبير في ترجيح كفة فوز دونالد ترمب بالرئاسة هي بين الولايات التي تعاني من هذا الواقع المرير المستجد. فإذا وجد كل العاطلين عن العمل في هذه الولايات عملاً وانخفضت نسبة البطالة إلى صفر تبقى هناك حاجة إلى 180 ألف عامل إضافي!

ويسأل اقتصاديون: إلى أي مدى ستواصل الإدارة الأميركية الحالية نكران هذا الواقع؟ ففي بلد يتمتع بأحد أدنى معدلات البطالة مقارنةً بكل الدول المتقدمة والصناعية، ويعاني من زيادة شيخوخة سكانه، تبدو الحاجة إلى مهاجرين جدد بدهية، أما إغلاق الحدود فبات يشكل هاجساً مؤرقاً للآلاف من أصحاب الشركات قبل غيرهم لأنهم اعتادوا تاريخياً الاستعانة بالعمال الأجانب في كل مرحلة تشهد نمواً اقتصادياً.

ووفقاً للاقتصادي، مارك زاندي، رئيس الباحثين في مؤسسة «موديز» للتصنيف الائتماني، تبدو المعادلة سهلة، إذ يقول: «لن تستطيع إدارة الرئيس ترمب تحقيق هدفها الخاص برفع معدل النمو إلى 3% وما فوق على المدى الطويل إلا باللجوء إلى تسهيل الهجرة إلى الولايات المتحدة».

لكن وعلى الرغم من توجهات تلك الإدارة والتي تبدو ظاهرياً أنها تعي ماذا تفعل، فإن بعض المعنيين فيها يدركون المخاطر التي يمكن أن تنتج عن تلك السياسات المعادية للهجرة السهلة. وبشيء من السرية، أو بالأحرى من دون إعلان كبير واسع النطاق، أعلنت وزارة العمل أنها ستسهل منح 15 ألف نسمة دخولاً إضافية من نوع «إتش - تو بي» التي تسمح للشركات بالاستقدام المؤقت للعمالة من الخارج لمواجهة نقص العمالة من الداخل، وكان ذلك الرقم أعلى بنسبة 50% من المتوقع.

على صعيد آخر، يدقّ اقتصاديون ناقوس خطر آخر، إذ برأيهم أن ما يزيد الطين بلة أن الإدارة الحالية لم ترصد ما يكفي من الأموال للتأهيل والتدريب المهني والتعليم المتواصل الموجه خصيصاً إلى متطلبات الوظائف الشاغرة.

إلى ذلك، وحتى الآن، لم تصح التنبؤات الخاصة بالاعتماد على الميكنة واستخدام الروبوتات، ولم تستطع الآلات قلب المعادلة كما كان متوقعاً على صعيد واسع قبل سنوات، فهناك قطاعات كثيرة لم تستثمر في تلك المكننة والتقنيات الحديثة وهي مستمرة في اعتمادها الكثيف على اليد العاملة، وما زال الخبراء مختلفين حول مدى تأثير التقنيات الحديثة على اليد العاملة في المدى القريب والمتوسط.

تبقى الإشارة إلى تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أظهر أن الولايات المتحدة عادت في 2017 لتكون الوجهة الأولى على صعيد الدول الغنية والمتقدمة لطالبي اللجوء، بعدما كانت ألمانيا قبل ذلك ومنذ 2013 على رأس تلك القائمة.

وأكد التقرير أن العام الماضي سجل 330 ألف طلب لجوء في الولايات المتحدة الأميركية وبنسبة صعود 26%. أما ألمانيا فقد سجلت هبوطاً بنسبة 73%، ليبلغ عدد طالبي اللجوء فيها 198 ألفاً، تليها إيطاليا (127 ألفاً)، وتركيا (124 ألفاً)، وفرنسا (91 ألفاً).