الثورة الإسلامية والهويات الوطنية..

السعودية وإيران.. أيهما الأخطر على العراق؟!

تذويب الهويات الوطنية للشعوب المجاورة تحت شعار تصدير الثورة

د. جعفر المظفر

حتى لا يصير التهجم ضد السعودية لازما كلما كانت هناك نية للتهجم ضد إيران يبدأ السيد سجاد تقي كاظم تقي إحدى مقالاته بفاتحة تقول "سأكتب ضد السعودية إذا أجبتمونا: هل لها 67 مليشيا، وأحزاب ببغداد، وصور ملوكها بالعراق، ويقصد بهذا صور آيات الله الإيرانيين الذين باتوا يتصدرون بعض شوارع وساحات مدن عراقية متعددة.
ورغم أن البعض منا يعاني مثلما يعاني السيد سجاد، إلا إننا على خلافه لا نجد ضيرا لتلبية مثل هذا الطلب، إذ صار الأمر وكأنه من بعضه، أي أن نهاجم الطرفين السعودي والإيراني سوية كلما فرضت الحال أن نتحدث عن أحدهما، فرغم أن إيران هي بحكم المحتلة للعراق، بل لعل كلمة (المحتلة) غير كافية لوصف حالة هي مزيج من إلغاء الهوية الوطنية العراقية بالكامل وتحويل العراق إلى ملحق إيراني، لكن السعودية أيضا لها مثالبها، وسيكون رائعا لو تم التعرض للخطرين، السعودي والإيراني بالطريقة التي يجري فيها تعريف نوعية وخطورة كل بلد على حدة. ويحدث هذا بالأكيد حينما نمتلك تماما وحدة القياس المطلوبة التي تُعًرِّف طبيعة الأخطار ونوعية التحديات وتجعلنا قادرين بالتالي على تحديد الأخطر من الخطير والتمييز بين الأسوأ والسيئ.

لو أننا اتخذنا من الخوف على التراب والمصير الوطني وحدة قياس لطبيعة مخاطر كل من البلدين لما خفي على أحد إدراك الفرق بين الخطرين. فالتناقض أو الاختلاف السعودي العراقي غالبا ما ظل يتحرك في مساحة الاختلاف بين النظامين، أما التناقض بين العراق وإيران فقد ظل يتحرك لأسباب تاريخية ووضعية في مساحة الاختلاف بين الوَطنَيْن. وفي حالة فقدان البوصلة، أي حب الوطن الإنساني المستقل وصاحب السيادة على أرضه فسوف تتداخل الخنادق وتختلط الأوراق بحيث تصعب علينا معرفة العدو من الصديق.

إن النظام السعودي لم يدعِ في أي يوم من الأيام أن أرض العراق هي أرضه ولا كان دخل مع العراق في صراعات تلغي هويته الوطنية، بل كان الصراع في أعلى درجاته هو صراع سياسي لا يمتد لكي يتجاوز على الحقائق الوطنية المُعَرَّفَة دوليا أو تلك التي تحددها أحكام الانتماء للمحيط العربي المُعرَّف بحقائق التاريخ قبل حقائق الدين أو المذهب.

إن وجود حالة من التشابه المذهبي أو الديني بين شعب وآخر، أو بين جزء من شعب وجزأ من الشعب الآخر لا يوجب بالضرورة أن تكون هناك وحدة سياسية بين بلدي هذين الشعبين، ومع إيران فإننا بتنا بحاجة ماسة إلى تحديد درجة الصلة كبوابة للدخول إلى علاقات واضحة ومتوازنة إذا ما كان الهدف إقامة سلام عادل وتعايش أخوي صادق، وفي هذه المساحة عينها فإن القربى الدينية أو المذهبية قد تلعب دورا إيجابيا إذا ما تم تفعيلها لتقوية قيم السلام والمحبة بين الشعبين والبلدين ، العراقي والإيراني، لكنها على الجهة النقيضة قد تلعب دورا شريرا ومخربا إذا ما تم تفعيلها لإلغاء هوية الطرف الأخر.

لقد حاولت الثورة الإسلامية في إيران تضبيب وتذويب الهويات الوطنية للشعوب المجاورة تحت شعار تصدير الثورة، واليوم فإن كثيرا من التساؤلات التي كانت تدور حول من بدأ حرب الثمان سنوات قد باتت الإجابة عنها سهلة وواضحة ومقنعة، فالتدخل الإيراني بشؤون المنطقة اصبح واضحا، كما أن تصريحات كثير من القيادات الإيرانية قد باتت بينة فهي تؤكد بوضوح على طبيعة أحلام النظام الإيراني ومراميه، وبفعل مما اتضح سيكون جيدا لو أن الكثير منا، وسط هذه العتمة أعاد مراجعة أوراقه، وليس غريبا أن يصطدم البعض منا بالحقيقة التي تقول أن صدام حسين لم يكن مخطئا حين احتسب للأطماع الإيرانية، لا بل أن كثيرا من (ادعاءاته واتهاماته ) ضد إيران قد بانت صحيحة، ولو أن النظام الإيراني قد أراد تفنيد (ادعاءات) صدام لما أكد على صدق هذه الادعاءات من خلال هيمنته على القرار العراقي وتحويل العراق إلى ضيعة للجنرال سليماني.

نعم يا سيد سجاد تقي كاظم، نعم سيكون جيدا لو أنهم أعطوك قائمة بأخطار السعودية وأخرى بالأخطار الإيرانية ليكون جيدا تحديد حجم كل خطر على حدة ومن ثم تحديد سبل مقاومته.