وسط صمت دولي..

النظام السوري يعلن وفاة مئات المعتقلين يومياً

تصفية المعتقلين لدى النظام السوري في سجونه

وكالات

 يثار اليوم ملف تصفية المعتقلين لدى النظام السوري في سجونه، ويذهب ضحيتها آلاف السوريين من جيل الثورة الأول والثاني، نسبتهم العظمى من المتظاهرين السلميين، المطالبين بالتغيير، وبعضهم دفع حياته ثمناً للحرب والأحقاد التي تراكمت في السنوات الماضية.. المعتقلون السوريون الذين يسرب اليوم النظام السوري أسماءهم بالتقسيط، بات المئات منهم مجرد اسماء في سجلات النفوس، بعدما كانوا أرقاماً في معتقلات أجهزة الأمن والمخابرات، أما جثث هؤلاء وفظائع موتهم فتبقى سراً دفيناً لا يعرفه إلا القائمون عليه من الجلادين. ويجري كل ذلك وسط صمت دولي مريب. 
مصادر محلية أكدت تلقي دوائر النفوس في المدن والمحافظات السورية قوائم تضم كل منها عشرات الأسماء لمعتقلين سابقين، قتلوا تعذيباً في سجون الأسد، اعترف النظام بموتهم على أنهم ضحايا «أزمات قلبية».
في ريف دمشق، تلقت دائرة نفوس مدينة معضمية الشام، في الغوطة الغربية، في الخامس والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي، قوائم تضم أسماء 165 مدنياً معتقلاً في سجون النظام السوري، قتلوا تحت التعذيب، من مجمل 700 معتقل من أبناء المدينة، بينهم 40 سيدة.
مصادر حقوقية قالت إن العشرات من الذين أعلن النظام وفاتهم، كانوا من جيل الثورة السورية الأول «جيل السلمية»، وقبل ظهور الجيش السوري الحر، وآخرون اعتقلوا على حواجز المخابرات والشبيحة، فأصبحوا أرقاماً في غياهب المعتقلات، وأخيراً اسماء بدون جثث في دوائر النفوس.
أما في مدينة «حماة» وسط سوريا، فقد تسلمت دائرة النفوس فيها، مطلع شهر تموز الحالي، قوائم بـ 120 معتقلاً، قتلوا في سجون النظام، في حين أرفقت مخابرات النظام السوري بجانب قوائم اسماء الضحايا، عبارة تفيد بأن سبب الوفاة «أزمات قلبية حادة».
وإلى الحسكة، وصلت قوائم قبل يومين فقط، تضم اسماء نحو 500 معتقل، ماتوا في سجون العاصمة دمشق، في أعقاب نقلهم اليها. ولم يذكر النظام السوري، أي تفاصيل أخرى تتعلق بتاريخ وفاتهم، وما إذا كانت الجثث سيتم نقلها إلى الحسكة أو ستبقى في دمشق، حيث جرت العادة قيام النظام السوري بحرق أو دفن أو إذابة جثث مَن يموتون تحت التعذيب بحسب ما أكده العديد من التقارير الحقوقية.

عاصمة الثورة

عاصمة الثورة السورية – حمـص، تلقت وفق ما أكده ناشطون سوريون، قوائم تؤكد تصفية 300 مدني بينهم عدد من النساء، داخل الأقبية السوداء لدى اجهزة النظام الأمنية، فيما أكدت مصادر من حمص وريفها لـ «القدس العربي»، أن عشرات العائلات تلقت تأكيد مقتل ابنائها عبر «اتصالات هاتفية» من دوائر النفوس أو اللجان المقربة من النظام السوري، لتطالبهم بالتوجه إلى الدوائر الحكومية للحصول على «شهادة وفاة» بعد قيامهم بتثبيت حادثة الوفاة، بدون أي إشارة لضلوع النظام في تصفيتهم.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان وهي منظمة غير حكومية، أصدرت قبل أيام تقريراً قالت فيه إن عدد السوريين الذين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام يبلغ 13066 معتقَلاً، بينهم 163 طفلاً و 43 سيدةً، فيما لا يزال مصير 121829 معتقَلاً مجهولاً.

آخر ملف للنظام

وعن الجهود الفردية التي اصطدمت بعدم مبالاة الأمم المتحدة وتهميشها ملف المعتقلين قال المحامي عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سوريا، والمهتم بقضايا حقوق الإنسان ميشال شماس لـ»القدس العربي» لدى سؤاله مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا خلال لقاء خاص قبل نحو أربعة أشهر في جنيف عن مصير ملف المعتقلين، أجاب بوضوح أن هذا الملف هو آخر ملف يمكن أن يتحدث فيه نظام الأسد» وفسر المحامي شماس ذلك بالقول، «دي ميستورا ينقل ما سمعه من النظام والروس بشكل حرفي».
وتابع شماس، ان دوافع النظام السوري الآن وراء تسريب هذه الأسماء بهذه الطريقة، هو تمرير جريمته بهدوء، ودون ضجيج، مضيفاً أن الأسد ونظام حكمه يسربون اسماء من قتلوهم منذ سنوات، في سبيل تخفيف الحملة ضدهم إذ يظهر ذلك النية العلنية للنظام في الهروب من معالجة استحقاق ملف المعتقلين.
واعتبر شماس ان الحادثة فتحت جراحاً كبيرة حفرت عميقاً في نفوس أهالي المعتقلين وأقربائهم وأصدقائهم، ولن تندمل إلا بالإفراج عن المعتقلين، ومحاسبة من قتلهم وتعويض ذويهم وتكريمهم حتى لا تتكرر هذه المآسي، مضيفاً «لأجل السوريين الذين قتلوا تحت التعذيب، ولأجل من يئن في هذه اللحظات في الأقبية والزنازين، ولأجل مواساة ذوي الضحايا، سنستمر كمحامين مؤمنين بحقوق الإنسان في طرق أبواب العدالة وملاحقة المجرمين لينالوا عقابهم الذي يستحقونه، وندرك أن الطريق أمامنا ستكون طويلة وخطرة وشاقة جداً، لكن من حق أولادنا أن يعيشوا بأمن وحرية وسلام».
وقال لـ«القدس العربي»: إن تحقيق ذلك بات يتطلب منّا جميعاً كسوريات وسوريين مؤمنين بحرية وكرامة الإنسان الكف عن نهش بعضنا البعض، والاعتراف نهائياً بإقامة وطن يتسع لجميعنا، وطناً خالياً من الاستبداد والعنف والتطرف بمختلف أشكاله وتلاوينه، وطناً خالياً من الإلغاء والقهر والتمييز والتكفير والتخوين، وطناً يحترم كرامة الانسان وآداميته.
ويبقى ثمة الكثير من الحكايات التي تروى عن سجون النظام السوري، والتي أكد شهود سابقون ممن خرجوا منها وجود محارق ضخمة معدة للتخلص من جثث السجناء على يد جلادي النظام السوري وخاصة في العاصمة دمشق، إذ يقوم هؤلاء بإحراق جثث المعتقلين، بعد تصفيتهم بصنوف العذاب.
والمحارق، وفق ما قاله الطبيب رامي محمد لـ»القدس العربي»، تشبه «المكابس الإسمنتية» يتم فيها رمي المعتقلين الذين تمت تصفيتهم، وفي قاع هذه المحارق تكون هنالك كميات كبيرة من النيران، تتفحم وتختفي الجثث بداخلها، للتحول إلى رماد.
محمد، قال: النظام السوري يتعمد اتباع هذه السياسة كخيار بديل عن المقابر الجماعية، والتي قد تضعه تحت خانة المسؤولية يوماً ما، لذلك يعتمد على المحارق حتى يخفي معالم جريمته بشكل كامل، وكأن شيئاً لم يكن، لا معتقل ولا تعذيب ولا حتى بقايا إنسان.

إبادة جماعية

المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان مازن درويش، كتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي «الأمر لا يعدو سوى محاولة من طرف النظام لطي قضية المفقودين والمعتقلين والجرائم ضد الانسانية – التي تعرضوا لها وترتقي لمستوى الابادة الجماعية – وتم ارتكابها بشكل منهجي طوال السنوات السابقة بحق المعتقلين».
وأضاف، هذه «الجرائم لا يمكن قوننتها ولا تسقط بالتقادم وليس من الممكن ان يتم تجاوزها من خلال عفو أو اتفاق سياسي ومن غير الممكن الوصول الى سلام مستدام في سوريا بدون كشف الحقائق ومحاسبة المجرمين وضمان حقوق الضحايا وعائلاتهم من خلال مسار وطني للعدالة الانتقالية».
الناشط السوري رامي السيد، قال بدوره، إن الملف الوحيد في كل مفاوضات الروس مع فصائل المعارضة والذي رفض الروس مناقشته هو ملف المعتقلين وأبلغوا الفصائل بأن مناقشته ستتم في مؤتمر الاستانة. ويرى السيد، أن الملف الوحيد الباقي بيد المعارضة السياسية، هو ملف المعتقلين السوريين، على أمل أن لا يتم بيعه والتنازل عنه كما تنازلوا عن البلاد والعباد في الجولات السابقة.
القاعدة الروسية في سوريا «حميميم» استبقت تسريب قوائم مئات المعتقلين المقتولين في سجون الأسد، بالقول «لا توجد معلومات حول وجود «عفو عام في البلاد، كما أننا نعتقد أن خطوة مماثلة قد تتسبب بالمزيد من الفوضى في سوريا، لذلك يتوجب علينا جميعًا العمل على الحد من تواجد الأفراد المتورطين بأعمال تخريبية».

حصانة للأسد

آلاء نصار، ناشطة سورية، تقول: على مر سنوات الثورة وفي كل اتفاق كان يتم بين المعارضة والنظام كان يتم فتح ملف المعتقلين والمطالبة بهم ويكفل الروس النظام بتنفيذ وعوده وبعد توقيع الاتفاق لا يفرج ولا حتى عن معتقل واحد! 
النظام كان وما زال يهمش كل تلك المطالب ويضعها خلف ظهره، ومنذ بداية الثورة في سوريا والمجتمع الدولي يقف ضد بشار الأسد وجرائمه شكلياً فقط، دون تحرك دولي حقيقي يوقفه عند حده في جرائمه المتوالية التي يرتكبها بحق الشعب السوري والتي ترقى لجرائم حرب كان يجب أن يحاكم عليها بمحاكم دولية.
وترى «نصار»، أن سياسة النظام المتبعة بتبييض السجون مرتّب لها دولياً بأن تكون في هذا الوقت، خصوصاً وأن هذا الملف (ملف المعتقلين) من أكثر الملفات العالقة والتي كان يتم التطرق لها كثيراً على الصعيدين المحلي والدولي مهما كان مصير الأحداث في سوريا.
وتضيف ان الاتفاقيات الدولية قسمت سوريا ككعكة فيما بينها بالتعاون مع الأسد وكل أخذ حصته على حساب الشعب السوري ودماء أبنائه، والآن يريدون للحرب أن تنتهي بسرعة بإغلاق هذه الملفات على طريقتهم بدون محاسبة المجرمين الذين أزهقوا كل تلك الأرواح، ولكن المصالح الدولية لا تعرف لا حقوق إنسان ولا حقوق شعوب.