حقيقة بشعة..

مؤامرة ‏صمت على انتهاك الطفولة

المسكوت عنه في مجتمعاتنا

يمينة حمدي

أيّ موطن من مواطن الإثارة في جسد طفلة أشبه بـ”الملائكة”، يمكن أن يثير الغرائز، ويجعل البعض يعتدون عليها بالفاحشة؟ فهي أبعد ما يكون عن فهم أو إدراك أي معنى للرغبة الجنسية! أكاد أشك في أن من يقدم على هذا الفعل اللاإنساني والحيواني من البشر، رغم أنه في مظهره الخارجي يشترك مع البشر في المواصفات الجسدية نفسها.

قضايا الاعتداء الجنسي على الأطفال وخاصة الفتيات الصغيرات حقيقة بشعة، لكن من النادر أن يتم تسليط الضوء عليها في وسائل الإعلام أو تقوم المدارس بحملات توعية جنسية للتلاميذ، وكل ذلك بسبب حاجز العيب الذي يجعل التحدث عن القضايا الجنسية من المحرمات.

البعض من الدول العربية قد تعلن عن اعتداءات جنسية على الأطفال، لكن ما يتم الإبلاغ عنه لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من الحالات الحقيقية، خاصة أن معظم الأسر ترفض التبليغ عن تلك الحوادث، خشية الفضيحة أو العار الذي قد يلحق بها.

هناك “مؤامرة ‏صمت” تحيط بحوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال، في المجتمعات العربية والإسلامية التي يزين فيها أغلب الناس حيطان بيوتهم بالآيات القرآنية ولا يفوت فيها الكثيرون أي فريضة دينية، فيما تكشف التقارير الإعلامية من حين إلى آخر اعتداءات جنسية على يافعين أغلبهم فتيات صغيرات.

تأثير الاعتداء الجنسي على الأطفال فظيع، وطويل المدى، ومن المفروض ألا تحفظ مثل هذه الحوادث أو تصبح من المسكوت عنه، حتى وإن كانت حالات نادرة، فمهما كان عدد الضحايا صغيرا يمكن لمثل هذه الجرائم في حق الطفولة أن تطال أي طفل بريء وتخلف له ندوبا نفسية من الصعب طي صفحة الماضي عليها ويعيش الطفل حياته فيما بعد بشكل طبيعي.

محاولة الإنكار الأسري والمجتمعي لهذه الجرائم وحالة الكتمان التي تحيط بها، قد تسمحان للجناة بالمضي قدما في ما يفعلونه، والأخطر من هذا أن يتم اعتبار الجناة مرضى نفسيين، بينما ذلك ليس صحيحا.

لا يحتاج معظم مرتكبي الجرائم الجنسية إلى العلاج، ولا تنطبق عليهم في الغالب المعايير الواجب توافرها للحصول على العلاج النفسي، كما لا يمكن إيداع جميع من ارتكبوا جرائم شنيعة في حق الطفولة في مصحات نفسية، لأن المرض النفسي ليس مبررا لارتكاب تلك الجرائم.

تكمن المشكلة في أن الجميع يعتقد أن الطفل في مأمن من الاعتداءات الجنسية، وعندما تقع له مثل هذه الحوادث، يكون رد الفعل هو التماس مبرر لتفسير هذه الانتهاكات، وفي هذه الحالة فإن الحل الأقرب والجاهز هو تعليق ذلك على مشجب المرض النفسي.

لكن الإشارة بأصابع الاتهام للمرضى النفسيين في كل مرة ترتكب فيها حالة اعتداء جنسي على طفل لن تساهم في الحد من الظاهرة، وعوض أن نبحث عن تبريرات للاعتداءات الجنسية في حق الطفولة، من الأفضل العمل على بذل المزيد من الجهود لتحديد هوية الضحايا، ومحاكمة المتورطين، ودفع عجلة التوعية بهذه الظاهرة الآخذة في التنامي، فيما لا توفر السلطات الحماية الكافية للأطفال وخاصة الحماية القانونية.