كأس العالم 2018..

إنكلترا تتجاوز آلامها وتستعد لمواجهة بلجيكا

من قطاعات الناشئين إلى منصب الرجل الأول

موسكو

جعل المنتخب الإنكليزي الشاب والجريء الذي شارك في نهائيات مونديال روسيا، الملايين من مشجعيه يؤمنون باحتمال عودة الكأس الذهبية إلى مهد كرة القدم، بيد أن الإخفاق الذي رافق منتخب “الأسود الثلاثة” في النسخ السابقة عاد ليقض مضجعهم، بعدما فشلوا في بلوغ النهائي للمرة الثانية في تاريخهم والأولى منذ 52 عاما.

وكانت الأمسية الطويلة التي انتهت بخسارة إنكلترا أمام كرواتيا 1-2 بعد التمديد، قد بدأت بشكل مثالي لمنتخب “الأسود الثلاثة” بعدما منحهم كيران تريبيير هدف السبق من ركلة حرة مباشرة بعد مرور خمس دقائق فقط، رافعا عدد الأهداف التي سجلها المنتخب الإنكليزي في المونديال الروسي إلى 12 هدفا، أتت تسعة منها من ركلات ثابتة.

كانت الركلات الثابتة جزءا من تفاصيل دقيقة اعتمد عليها المدرب غاريث ساوثغيت، ساهمت في بلوغ المنتخب الإنكليزي الدور نصف النهائي للمرة الأولى منذ 28 عاما، بالاعتماد على منتخب شاب لم يكن العديد من لاعبيه قد ولدوا بعد يوم خسرت إنكلترا أمام ألمانية الغربية بركلات الترجيح في نصف نهائي مونديال 1990، في آخر ظهور لها في دور الأربعة.

نقاط الضعف

سينكب ساوثغيت على محاولة معرفة النقاط التي يمكن تحسينها في صفوف فريقه وتحديدا في صناعة اللعب من اللعب المفتوح والهجمات المنظمة، ليبني على التطور الذي شهده فريقه الشاب في الأسابيع الأربعة الماضية، استعدادا لكأس أوروبا 2020، علما بأن الدورين نصف النهائي والنهائي من البطولة القارية سيقامان على ملعب ويمبلي اللندني.

ولم يكن مهاجم إنكلترا هاري كاين هداف المونديال حتى الآن برصيد 6 أهداف، في أفضل أيامه بعدما أهدر فرصتين متتابعتين في مباراة الأربعاء على ملعب لوجنيكي في موسكو. وكان ذلك نقطة تحول في المباراة ذلك لأن منتخب كرواتيا بدا في الشوط الأول مفتقدا للحيوية بعد خوضه مباراتين ماراتونيتين من 120 دقيقة، احتاج في نهايتهما للاحتكام إلى ركلات الترجيح لتخطي الدنمارك ثم روسيا في ثمن النهائي وربع النهائي تواليا.

وفي المقابل، تميز المنتخب الإنكليزي خلال النسخة الحالية بالاستحواذ على الكرة بشكل جيد خلافا للبطولات السابقة، لكن يبدو أن كتيبة ساوثغيت سقطت في امتحان الرهبة للمرة الأولى وتحديدا في الشوط الثاني من المباراة حيث فقدت السيطرة على مجريات اللعب، ما سمح للكرواتيين بالعودة في الوقت الأصلي ثم حسم الأمور لصالحهم في الوقت الإضافي.

التجربة في مونديال روسيا ستضاف إلى الثقة المتزايدة في منتخب إنكلترا مع نجاح قطاعات الناشئين والشباب

وبدلا من أن تحاول إنكلترا حسم المباراة من خلال تسجيل هدف ثان في الشوط الثاني، تحولت السيطرة لخط وسط كرواتيا لا سيما من خلال المايسترو لوكا مودريتش والنشيط إيفان راكيتيتش والمجتهد مارسيو بروزوفيتش.

وبعد أن نجح إيفان بيريسيتش في إدراك التعادل قبل نهاية المباراة بـ22 دقيقة، بدأت قلة خبرة لاعبي إنكلترا تظهر من خلال التسرع في تبادل الكرة وبالتالي عدم تسجيل أي خطورة تذكر على مرمى المنتخب المنافس، في حين كاد بيريسيتش يحسم النتيجة لصالح كرواتيا لولا القائم.

ثم تدخل حارس إنكلترا جوردان بيكفورد، نجم ركلات الترجيح ضد كولومبيا في ثمن النهائي، وأفضل لاعب في المباراة ضد السويد في ربع النهائي، في الخروج بشكل بطولي أمام ماندزوكيتش لينقذ مرماه من هدف أكيد في ختام الشوط الإضافي الأول. إلا أن اللاعب نفسه نجح في محاولته الثانية بتسديدة من داخل منطقة الجزاء الإنكليزية بيسراه بعيدا عن متناول بيكفورد، ليضع بلاده في المباراة النهائية للمرة الأولى في تاريخها. ومع إطلاق الحكم صافرة النهاية، سقط لاعبو إنكلترا على الأرض وبعضهم كان يبكي، لكن ساوثغيت ساعدهم على النهوض ليلقوا التحية على الآلاف من مشجعيهم في مدرجات الملعب الذي يستضيف الأحد المباراة النهائية.

"الحمض النووي" للمستقبل

بدأ المنتخب الإنكليزي يجني ثمار استقرار الأجهزة الفنية وتحول غاريث ساوثغيت من قطاعات الناشئين إلى منصب الرجل الأول. ونجح منتخب الأسود الثلاثة في التأهل إلى المربع الذهبي لمونديال روسيا في عام استثنائي لمنتخبات الشباب في البلاد حيث فازت إنكلترا بكأس العالم للشباب تحت 20 عاما وكأس أوروبا للناشئين تحت 17 و19 عاما.

ساوثغيت الذي قاد حركة التطوير وتولى تدريب منتخب الشباب تحت 21 عاما، كان على رأس حملة أطلقت في 2014 لإحداث ثورة كروية في البلاد تحت شعار “الحمض النووي الإنكليزي”. الركن الأساسي لهذا النظام يتضمن تقديم هوية للمنتخبات الوطنية وتبني طريقة لعب محددة وفلسفة عامة للجميع.

وقال مات كروكر رئيس تطوير اللاعبين والمدربين باتحاد الكرة الإنكليزي إن القاعدة الأساسية “الحمض النووي الإنكليزي” تتضمن 6 بنود أساسية لتسهيل نشر الفلسفة بين اللاعبين. وأضاف كروكر “هناك اتساق بين فرقنا وجميع اللاعبين أصبحوا أكثر ثقة لدى تحولهم للمنتخب الأول، أعتقد أن لدينا فريق أكثر ترابط من أي وقت مضى”. وتبنى ساوثغيت روح التغيير في كأس العالم على مستوى اللاعبين وطريقة اللعب.

ويقتسم المنتخب الإنكليزي مع نظيره الفرنسي المركز الثاني في قائمة الفرق الأصغر عمرا في المونديال. قائمة ساوثغيت ضمت 11 لاعبا ممن شاركوا في يورو 2016، لكنه نجح في تحقيق نتائج غير متوقعة في روسيا.

وبجانب الفلسفة الجديدة، وضع المدرب هيكلا فنيا جديدا، وتم اتخاذ قرارات صارمة بحق اللاعبين، حيث قرر ساوثغيت الاستغناء عن قائد فريقه في يورو 2016 الحارس جو هارت، واستبعد لاعبين مثل كريس سمالينغ وجاك ويلشير، ولم يخش استدعاء لاعب لا يمتلك أي خبرة دولية مثل ترينت ألكسندر أرنولد مدافع ليفربول البالغ من العمر 19 عاما. وقال جوردان هندرسون لاعب وسط ليفربول “أكبر شيء أحضره ساوثغيت معه منذ اليوم الأول هو الهوية، والطريقة التي نود أن نظهر بها كفريق”.

وتابع “لقد أجرينا مناقشات في وقت مبكر حول موعد توليه منصب المدير الفني، وكنا على وفاق منذ البداية، أعتقد أن بإمكان الجميع مشاهدة روح العمل الجماعي داخل الملعب”.

واستفاد ساوثغيت من كون 15 لاعبا بفريقه يلعبون تحت قيادة مدربين أجانب في أنديتهم، مثل لاعبي مانشستر سيتي الذي يقوده المدرب الإسباني بيب غوارديولا ولاعبي توتنهام الذي يقوده الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو ولاعبي ليفربول الذي يقوده الألماني يورغن كلوب أو لاعبي مانشستر يونايتد الذي يقوده البرتغالي جوزيه مورينيو، كما شارك كل هؤلاء في دوري أبطال أوروبا.

التجربة في مونديال روسيا ستضاف إلى الثقة المتزايدة في صفوف المنتخب الإنكليزي ومع نجاح قطاعات الناشئين والشباب فإن المستقبل يبدو مشرقا.