حوار..

صنع الله إبراهيم: المقاومة بالقلم

مهمة المبدع أن يفهم ما يجري حوله ويساعد الناس على الفهم

شريف الشافعي

لا يكاد يُذكر اسم الكاتب المصري صنع الله إبراهيم في مجلس أو محفل ثقافي أو حتى في طرح أكاديمي حول رواياته وقصصه إلا ويُشار إلى اتساق الحرف مع الموقف الذاتي، فنيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا في آن، حتى صار الرجل علامة من علامات استقلالية المثقف، وبات نبض القلم لديه يحمل من ضمن ما يحمل إشارات إلى نبض الشعب.

ذلك الكيان الحقيقي لا المجازي الذي لم ينهدم في حسبان صنع الله، فهو لا يزال يرى هذا الشعب قائمًا ومتماسكًا وقادرًا على الفعل والعطاء، ومقاومة ألاعيب السلطة ومناوراتها، تلك السلطة التي يجفل صنع الله من مجرد الاقتراب منها، إذ أنها قد تلجأ إلى كل الوسائل من أجل السيطرة على كل شيء، دون اعتبار لأي شيء.

صنع الله إبراهيم، صيّاد ماهر دائمًا لما يعنيه ويخص قارئه، الباحث عن الفن يجده ساردًا في المقام الأول يحرص على الابتكار كما في استحداثه “الكولاج الروائي” ويغلف أعماله بالسياسة وينهل من معينها مادته التي يشتغل عليها اشتغال القاص والروائي، والباحث عن السياسة والعلاقات العربية العربية والحوار المشرقي المغربي في أعماله ذائعة الصيت مثل “اللجنة” و”ذات” و”أمريكانلي” و”بيروت بيروت” و”القانون الفرنسي” وغيرها يجد ضالته أيضًا.

كأن الكاتب باحث ومؤرخ وراسم خرائط زمكانية وإنسانية بامتياز، تتضمن معلومات وافية بعضها موثق من خلال المراجع وقصاصات الصحف ونشرات الأخبار، وهي المصادر التي يضفرها صنع الله في كولاجه الروائي بدون إهدار الحرص الغائي على أن يكون النسق العام للعمل دائرًا في فلك الإبداع والتخييل.

جائزتان، بينهما خمسة عشر عامًا، تبرزان جدوى الكتابة ومعنى أن يكون الإنسان كاتبًا بمفهوم صنع الله إبراهيم الذي خطا عتبة الثمانين، الأولى: هي جائزة “ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي” التي يمنحها “المجلس الأعلى للثقافة” التابع لوزارة الثقافة المصرية وتبلغ قيمتها 100 ألف جنيه مصري (الدولار يساوي 17.6 جنيه تقريبًا)، ورفضها صنع الله في العام 2003 احتجاجًا على سياسات الحكومة المصرية آنذاك في نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، والتي كانت “تقمع شعبها وتحمي الفساد وتسمح لسفير دولة إسرائيل التي تمارس القتل والاغتصاب بالبقاء في القاهرة”.. بحد توضيحه حيثيات الرفض في كلمته في ذلك الوقت.

أما الجائزة الثانية، فقد قبلها صنع الله في الـ4 من فبراير الماضي، وهي “جائزة الشعب” المقدّمة من كل من: “اتحاد كتاب أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية” و”جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين” فضلًا عن “محبّي وأصدقاء صنع الله إبراهيم”، كما هو منقوش على درع الجائزة.

قبلتُ جائزة الشعب لأنها لا علاقة لها بأجهزة الدولة الرسمية.. والسلطة تلعب على المكشوف.. والجماهير واعية بمناوراتها

بين ذلك الرفض وهذا القبول يمكن فهم علاقة صنع الله بالكتابة وبالجمهور معًا، الأمر الذي يحيل أي حوار مع صاحب “شرف” و”العمامة والقبعة” و”التجربة الأنثوية” و”تلك الرائحة” إلى حديث عن الثقافة الشعبية في مواجهة المؤسسة الرسمية ومدجّني السلطة من المنتفعين والانتهازيين والموظفين والمرتزقة.

هكذا بدأ الحوار مع صنع الله إبراهيم من تلقاء ذاته، مزيجًا من السرد والسياسة كأبجدية أعماله، وكمحطات حياته التي لم يتوقف فيها لحظة عن الإبداع، حتى وهو يعاني ويلات السجن ما بين 1959 و1964، في العهد الناصري (فترة حكم الرئيس المصري جمال عبدالناصر) الذي شن حملات وقتها على اليسار والمنتمين إليه.

صنع الله إبراهيم لا يعرف الهدوء ولا الاستكانة، لذلك خاض في حواره مناطق شائكة، وقال آراءه بوضوح وصراحة في المشهد المصري الراهن، محللًا أحوال البلاد فيما بعد ثورة 25 يناير 2011 حتى الانتخابات الرئاسية في أواخر مارس 2018، وآثر أن يأخذ وقته في التفكير قبل الإجابة عن أي سؤال، ليقدم شهادته على العصر بشفافية ومصداقية.

الجديد: قارئ صنع الله يجده أحد رموز الاستقلالية عن المؤسسة الرسمية التي يتمسح بها المدجّنون. هل في ضوء ذلك الانحياز للكتابة والقضية والضمير الإنساني والجمهور، يمكن فهم قبولك “جائزة الشعب” الأخيرة من “المجتمع الأهلي”، بعد سنوات من رفضك “جائزة ملتقى القاهرة للإبداع العربي” عام 2003؟

صنع الله إبراهيم: بالطبع، مانحو هذه الجائزة (جائزة الشعب) لا علاقة لهم بأجهزة الدولة الرسمية، ولا برجال الأعمال، ولا بحزب من الأحزاب. إنهم شخصيات مستقلة تمامًا. وهي كأول مبادرة من نوعها ترسي تقليدًا جميلًا في الوطن العربي. الفائز لن يكون مدينًا لجهاز من أجهزة الدولة أو لصاحب شركة ما أو لدولة أجنبية.

الجديد: قلتَ من قبل إن الوضع الأمثل للمبدع يتجسد في الاستقلال التام عن السلطة ومنافعها وإغواءاتها وأساليبها التي لا تعد في الاستمالة. هل ترى السلطة لا تزال بحاجة إلى مكرها القديم للتعمية والطمس واستكتاب المنظّرين من خدّام مصالحها، أم أن اللحظة الراهنة هي لحظة اللعب على المكشوف، وفرض إرادة فوقية واحدة دون أدنى اعتبار للأصوات الأخرى المنعزلة أو المقهورة أو المسجونة؟

صنع الله إبراهيم: فتحت ثورة 25 يناير 2011 في مصر عيون قطاع مهم من الجماهير على خبايا الأحداث والأشخاص، وأصبحت واعية بألاعيب السلطة ومناوراتها، ومع ذلك تلجأ السلطة إلى كل الوسائل في سبيل السيطرة على كل شيء دون اعتبار لوعي الشعب. وأصبتَ في القول إنها تلعب على المكشوف، فلا تتورع عن أي شيء في سبيل حماية سلطتها، لا يعنيها دستور ولا قوانين إنسانية ولا رأي عام، وهي مستعدة لبيع أجزاء من بلادها، بل البلاد كلها.

الجديد: في ضوء ما يجري على أرض الواقع، مصريًّا وعربيًّا، من تغييب للفكر الحر وتضييق على الأصوات المختلفة وقمع للتعبير وسجن ونفي للرأي المخالف، كيف يبدو دور المثقف الفاعل العضوي الراغب في المقاومة وفي إحداث التغيير؟ وهل يمكن الاكتفاء بالقلم سلاحًا، أم أن الأدوار المجتمعية الأخرى من ممارسات مدنية وسياسية يجب أن تستكمل دور الكاتب؟

صنع الله إبراهيم: المسألة تتوقف على ظروف كل شخص. والحاصل أن الجميع يحاولون القيام بدورهم في حدود إمكانياتهم. بالطبع سيكون هناك من يتقاعس عن ذلك أو من يختار المنفعة فيصبح بوقًا للسلطة. كما أن المجتمع الاستهلاكي يفرض ضغوطه هو الآخر، بالطبع يمكن الاكتفاء بالقلم سلاحًا لو أمكن.


الجديد: يتفاعل بعض الكتاب تفاعلًا مباشرًا مع المشهد السياسي المصري الراهن، ومنه الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مارس 2018، بين مشارك بإدلاء الصوت بدون الإعلان عن اختيار محدد، ومشارك بموقف محدد، ومنسحب أو متجاهل للعملية برمتها، إلى آخر هذه الاختيارات، التي منها أيضًا الاكتفاء بالكتابة الإبداعية عما يحدث، من خلال الإسقاط السياسي باعتبار أن ذلك يكفي الأديب لبلورة موقفه. إلى أي من هذه الاختيارات تنحاز؟ ولماذا؟

صنع الله إبراهيم: أنا نفسي قررت مقاطعة الانتخابات الرئاسية الأخيرة (26- 28 مارس) لعدم توفر الشروط التي توفر لها الشفافية اللازمة، ويجب توجيه التحية لمن أعلنوا هذا الموقف بشجاعة، ودعوا الجماهير إلى مقاطعتها.

الجديد: يُتهم اليسار المصري من قبل البعض بعدم قدرته على إعادة التشكّل للتعاطي الواقعي مع مستجدات الأرض سياسيًّا وفكريًّا، والاشتباك الإيجابي سواء بالمعارضة أو المشاركة القائمة على التفاعل وحق الاختلاف.. كيف ترى المشهد؟

صنع الله إبراهيم: تعرض اليسار المصري إلى أشكال من القمع المتواصل منذ عشرينات القرن الفائت، عندما أقدم سعد زغلول على حل الحزب الشيوعي الوليد ومحاكمة أعضائه. وفي ظل ظروف الاضطهاد يجري الالتجاء إلى العمل السري مما يعطي مجالًا للأخطاء والانحرافات، وهو الآن ممنوع من أية معارضة ولا تتاح له فرصة المشاركة، بل إن الأمر طال كل التيارات الليبرالية البعيدة عن اليسار.

الجديد: الجمالي والسياسي في امتزاجهما العفوي، وأيضًا الذهني، يخلعان على الإبداع الروائي قدرًا من الخصوصية المحلية عند طرح قضايا إنسانية عامة تخاطب البشر في كل زمان ومكان. هل ترى انغماس الرواية في تشريح مجتمعها وترصُّدها للواقع الشعبي والسياسي يمثل قيدًا على عالمية الأدب عند ترجمته؟ أم أن جماليات الطرح كافية لتدويل الموضوع واستقطاب القارئ/ الإنسان إلى البؤر المحلية الطازجة؟

صنع الله إبراهيم: بالعكس، الانغماس الذي تتحدث عنه هو الذي يميز الرواية ويعطيها أهمية ويخلق ضرورة ترجمتها. ثم إن أهم شيء بالنسبة إلى الكاتب هو أن يُقرأ أولًا في بلده وبلغته. عدا ذلك أمر ثانوي.

الجديد: الروائي حين يكتب التاريخ، كما في روايتيك “اللجنة” (عن سياسة الانفتاح الاقتصادي في عهد الرئيس المصري أنور السادات) و”بيروت بيروت” (عن الحرب الأهلية في لبنان)، هل يمكن محاسبته محاسبة المؤرخ على المعلومة بما يعني التجريد والموضوعية، أم أن الخيال الروائي وذاتية الكاتب يفتحان الباب أمامه واسعًا لرؤية نسبية يعتمل فيها الخلق والتأليف خارج التاريخ، وعلى هامشه؟

صنع الله إبراهيم: هذا سؤال جيد. إذا كُتبتْ كلمة رواية على الغلاف، فمعنى ذلك ألا تُعامل ككتاب تاريخ، رغم أنها قد تقدم الواقعة التاريخية على حقيقتها غير الصورة الكاذبة التي تقدمها كتب التاريخ أو تقدم تفسيرًا لها. من ناحية أخرى، فإن كلمة رواية تعني أن الكاتب من حقه أن يتصرف في المعلومة بحسب رؤيته.

الجديد: قلتَ من قبل إن مهمة الكاتب ليست انتقاد النظام وحسب، فكيف تصوّر مسؤولية الكاتب الآن في ظل معطيات ضبابية بل مأساوية تحيط بالمشهد العربي ككل، من أزمات وحروب ونزاعات وفشل للثورة المصرية والثورات العربية في تحقيق أهدافها المنشودة؟

صنع الله إبراهيم: مهمة الكاتب الأولى أن يفهم هو نفسه ما يجري حوله، ويساعد الناس على الفهم. عنده أسلحة كثيرة تشمل الغمز واللمز والسخرية، وهذه الأسلحة تثري العملية الإبداعية.

الجديد: من وجهة نظرك، ما أبرز العراقيل التي تقف في وجه كل من الديمقراطية والعلمانية والحرية، في مصر والمجتمعات العربية؟

صنع الله إبراهيم: السلطة القائمة والمحصنة بالقوة المسلحة وبالتقاليد الرجعية وبطبقة من المستفيدين من رجال الأعمال وكبار تجار المخدرات ووكلاء الشركات الأجنبية، والتي تسيطر على وسائل الإعلام.

الجديد: يكثر الحديث عن تجديد الخطاب الديني واجتثاث منابع الإرهاب وخوض حروب لمواجهة التيارات الظلامية. هل ترى اهتمامًا كافيًا من السلطة الراهنة بدور القوة الناعمة في هذه الميادين، أم أن التركيز لا يزال منصبًّا فقط على الحلول الأمنية وحدها رغم قصورها وتقصيرها؟

صنع الله إبراهيم: الأمر يتطلب فتح المجال العام للنشاط السياسي من معارضة واجتماعات ومظاهرات ومنابر مستقلة وحيوية تثقف الجماهير.

الجديد: يبتعد المسار السياسي أحيانًا عن المأمول، لكنه بقدر من الوعي والتفتح يمكنه العودة إلى البوصلة الصحيحة. كيف تصف روشتة أساسية لتوجيه الحراك السياسي والمجتمعي بمصر، سواء بالنسبة إلى المؤسسة، أو إلى النخبة، أو بالنسبة إلى فئات الشعب؟

صنع الله إبراهيم: كل شيء يبدأ من العقلية العسكرية التي تحكم. فأنت في الجيش لا تناقش وعليك أن تنفذ وإلا تعاقب. والحياة اليومية معلقة بأمر القائد الذي قد يكون مخمورًا أو مخدرًا. في بداية حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي أصدر أمرًا بأن يكون كل موظف حكومي خلف مكتبه في السابعة صباحًا. لم يكن هذا الأمر واقعيًّا بالنظر إلى ظروف الموظفين، فبعضهم يسكن في أماكن خارج القاهرة. على هذه العقلية أن تقبل وجود رأي مخالف بل آراء مخالفة ووجهات نظر أخرى. نحن في حاجة إلى صحف معارضة وأحزاب تساندها تستطيع الحركة في الشارع.

الجديد: قبلتَ الرئاسة الشرفية لاتحاد كتاب مصر لمدة عام اعتبارًا من ديسمبر 2017، فهل ترى الاتحاد كيانًا فاعلًا يقوم بدوره المرجوّ؟ وما توصياتك له كرئيس شرفي؟

صنع الله إبراهيم: اتحاد الكتاب يقوم بدوره في حدود رسمتها السلطة منذ تأسيسه. لقد شاركت في تأسيسه أواخر عهد السادات واشتركت في أول انتخابات يعقدها. وكان يوسف السباعي الوزير (وزير الثقافة) يتابعها بالتليفون مع أذنابه. منذ اللحظة الأولى حرصت السلطة على السيطرة عليه، وبالرغم من ذلك استطاع الاتحاد في بعض الفترات أن يكون قوة فاعلة في المحيط السياسي، وأتمنى تحقيق ذلك في ظل قيادته الحالية.

الجديد: اختلفتْ معك بعض الكيانات والحركات الثورية، وبعض المثقفين، في أعقاب تصريحاتك التي تلت أحداث 30 يونيو 2013، من حيث تأييد السيسي والهجوم على محمد البرادعي (نائب الرئيس المصري السابق) وما نحو ذلك، لكنّ هؤلاء المختلفين معك لم يخطئوا بحقك، وأحالوا آراءك إلى منطقة القناعة الشخصية، كونك لم تكن أبدًا من الذين ينطقون بدافع الرياء أو الرغبة في الاستفادة. كيف ترى الآن آراءك وتصريحاتك تلك التي أدليت بها في أغسطس 2013، بعد تكشف أمور كثيرة لك كانت غائبة وقتها؟

صنع الله إبراهيم: كانت هناك ثلاث قوى: الإخوان والمؤسسة العسكرية والثوار. الأولى تهدد بإعادة البلاد إلى عهود سحيقة، والثانية تربت على يد نظام مبارك وحمته، والثالثة ممزقة بلا قيادة أو تنظيم. والسيسي كان شخصية مجهولة. وقد سبق أن عشت تجربة عبدالناصر: في البداية هاجمناه على أساس أنه عميل أميركي وأن نظامه دكتاتورية عسكرية، لكن الخطوات التي اتخذها من إصلاح زراعي وإجلاء القوات الإنكليزية وضرب للإقطاع ثم الانضمام كقوة فاعلة إلى حركة الحياد الإيجابي وأخيرًا تأميم قناة السويس، كل هذه الخطوات أجبرتنا على تأييده. وأعتقد أنها كانت في خلفية رأسي، وخلقت الأمل في أن تتكرر من جديد. لكن نظام السيسي اتخذ خطوات من نوع آخر؛ حدث انحياز إلى الأغنياء، وبرزت وجوه النظام السابق، وحدث انصياع لإملاءات صندوق النقد الدولي وتعميق للروابط مع الشركات الأجنبية وتصفية للقطاع العام وتضييق للمجال العام وقمع للنشاط السياسي.

الجديد: تجربة السجن التي تعرضتَ لها في العهد الناصري، إلى أي مدى تتجدد ذكراها في هذه الأيام، خصوصًا مع تكرار ترويج أن النظام الحالي بمصر يسعى إلى استعادة التجربة الناصرية؟ وهل يمضي النظام في هذا المسار فعلًا من حيث الانحياز إلى قطاعات واسعة من الشعب وتكريس المساواة الاجتماعية والاستقلال الوطني، أم أنه يراعي مصالح الأقليات من المنتفعين والمتحالفين؟

صنع الله إبراهيم: النظام الحالي بالقطع لا علاقة له بالتجربة الناصرية؛ إنه بوضوح يناصر كل ما ناضل عبدالناصر ضده، فهو منحاز بشكل سافر إلى أقلية من كبار الملاك والمستوردين، والعقلية التي تحكم أبعد ما تكون عن مصالح الأغلبية.

الجديد: ميلك الشخصي إلى العزلة، هل يتسق مع عدم تعويلك على دور وزارة الثقافة، والمؤسسات الرسمية عمومًا، في رسم مسار الحركة الفكرية والإبداعية بمصر؟ وهل ترى أغلبية المنجزات الثقافية بمصر وليدة إرهاصات وجهود وطفرات فردية بالأساس؟

صنع الله إبراهيم: الكاتب مهمته الرئيسية أن يكتب ولا ينشغل بأمور أخرى إلا في أضيق الحدود. من ناحية أخرى، لا يمكن التعويل على جهة رسمية في الحركة الإبداعية. في فترة معينة بمصر تركز النشاط الإبداعي في الأرصفة التي انتشرت فوقها المجلات والمطبوعات الفردية. حاليًا تقوم دور النشر الخاصة بهذا الدور. ومع ذلك، فالأمر يتوقف على الرؤية السياسية للسلطة. في عهد عبدالناصرعندما حدث تحول تقدمي في المسار السياسي للسلطة دب نشاط بارز في الحياة الثقافية رغم السيطرة الأمنية.

الجديد: وصفتَ حكم الإخوان بأنه “كوميديا تعبر عن ضيق أفق ديني وسياسي”. كيف ترى سبل حل أزمة التعامل مع ذيول الجماعة بمصر، بما تحمله من نزعات انتقامية واحتقان شديد نحو النظام والشعب على حد السواء، وهل يكفي القمع وحده لتجنب شرور الجماعة، أم لا بد أن يكون للحوار وجود؟ وماذا عن تعبير “المصالحة” الذي يردده البعض وفق شروط معينة؟ وهل يمكن أن يقود ذلك إلى تنازلات؟

صنع الله إبراهيم: الحوار ضروري في كل الحالات، لكن العنف مرفوض، فشرط الحوار هو التخلي عن العنف، وينطبق هذا على فكرة المصالحة. والحوار يعني بالتأكيد أيضًا التنازلات من الجانبين. لكنني أشك في إمكانية سيطرة الإخوان على أجنحة عندهم ترى في العنف الطريق الوحيد للعمل. نحن أمام طريق مسدود لن ينفتح إلا بتغير المعادلات أي القوى الفاعلة، أي إتاحة الفرصة للتيارات الليبرالية واليسارية للتعبير عن رأيها والنشاط من أجلها.

الجديد: تتناول عادة قضايا مجتمعية وسياسية كبيرة محورية كما في “أمريكانلي” (العلاقة بين الشرق والغرب)، و”اللجنة” (نقد فترة حكم السادات)، وسائر أعمالك. كيف تنظر إلى “التلخيص المخل” الذي يحصر مثل هذا التوجه في خانة “الأدب الملتزم”، بمعنى الشعارية والمباشرة، في حين أن الأدب عمومًا لا يمكن أن يدور في فراغ بمعزل عن ظرفية مكانية وزمانية محددة؟

صنع الله إبراهيم: أي موضوع في الحياة يمكن أن يكون موضوعًا للإبداع، المهم هو توفر الشروط التي يتطلبها أي عمل فني وأساسًا قدرته على الإمتاع، والمباشرة قد تكون ضرورية أحيانا، وثمة أفلام دخلت تاريخ السينما العالمية وهي قائمة على الشعارات السياسية.

ينشر الحوار بالاتفاق مع "الجديد" الشهرية الثقافية اللندنية