المُرسلة في مناسبات..

محاذير التمنيات

ينعكس الألم في الأمل وينحصر التمني في الوقت

د. علي عرجاش

منذ نعومة أظفاره كان شقيقي نعيم يرغب في أن يصبح مدرسا للغة العربية، وقد تحققت رغبته بعد تخرجه من الجامعة. ظل سعيدا بعمله، لا يرهقه قطع المسافات الطويلة يوميا بين منزله ومسكنة في البلد العربي الذي أتيح له العمل فيه. ومع التقدم في السن، كان يتقدم في اللسانيات وفي تقصي دلالات الألفاظ لكي يقبض على الأخطاء الشائعة!

في لقائي الأخير معه، أراد منعي من استخدام كلمة “التمنيات” في نصوص التهاني واستبدالها بـ”الرجاءات”، لأن معنى التمنيات أن يطلب المرء شيئا يصعب تحقيقه أو يستحيل تماما حسب اللغة القرآنية، التي جعلته مقرونا بالخديعة، إذ يصدر التمني عن تخمين، والكذب عليه أغلب!

كان شقيقي متأثرا بانسداد على الدرس، وليس بانسداد الأفق والإحباطات عليه. أراد الاستنكاف عند التمني الذي يبدأ بالحرف الناسخ “ليت” من أخوات “إن” الذي يستعمل لبعض حالات الممكن. ونصح الأستاذ باستخدام الرجاء بدل التمني. لكنني عند تقصي أبعاد الرجاء، وجدت هذا الأخير مقرونا بالتعبير عن الخوف، فالترجي شقيق التمني.

والخوف والرجاء يتلازمان حسب “مفردات الأصفهاني”. فما الذي يصح على اللسان، إن كانت التمنيات والرجاءات مقرونة بالاستحالة والشك والخوف وغلبة الظن؟

في الحقيقة، إن ما ذهب إليه مدرس اللغة العربية، لدواع تقنيّة؛ تؤكد على صوابه صيغ التهاني في الأعياد، وبخاصة عندما تتعلق بالأمنيات القصوى، التي يُرجى تحققها العاجل. فإن كان التمني واقعيا وجائزا على مستوى الترقب، ويمكن تحقيقه سريعا، عندما يتعلق بتمنيات التوفيق لعريسين ــ مثلا ــ في الحياة الزوجية؛ فإن الأمر يختلف تماما عند تحميل التمنيات بالوعود القصوى، كأن يتمنى المهنئون أن يحل العيد التالي وقد تحرّر الأقصى فيما الناس نيام. فشتان بين الأمنية الممكنة والأمنية الشائكة وصعبة المنال ولو في الحيّز الزمني بين عيدين.

وليس أكثر جنونا، من التمنيات المُرسلة في مناسبات أعياد ميلاد الأشخاص، إذ تسخو حتى تلامس اللعنات، كأن يُرجى للمحتفى بيوم ميلاده، خلودا بيولوجيا، أو عمرا يطاول أعمار السلاحف المعمّرة في الهند، دون أي كلمة عن الصحة في تلك السن، أو يصل في أكثر التمنيات تواضعا إلى العمر الذي أتاحته الحياة للسيدة الفرنسية جين كَلميت، التي عاشت 122 سنة و164 يوما وفق سجل النفوس!

ربما تؤخذ في الاعتبار واجبات التراضي، فتؤثر في صياغة التمنيات، كأن يُرجى في فلسطين الشفاء العاجل للجرحى، إذ ينعكس الألم في الأمل وينحصر التمني في الوقت، تجاوزا عن طبيعة الجُرح وزمن الطبابة!