نهارا طويلا من القبلات..

بلاد الشعر

لا يحتاج الرحبي إلى أن يكتب الشعر ليكون شاعرا

فاروق يوسف

أن يُقال إن سيف الرحبي شاعر، فإن ذلك القول يخون الواقع حين يقتطع جزءا منه ليعرضه باعتباره الصفة التي يتم التلويح بها على طريقة كل شيء أو لا شيء.

ولأن الشعر بالنسبة للرحبي ليس برنامج كتابة، بل هو أسلوب في العيش، فإنه لا يكف عن ممارسة تمارين في الرخاء والشقاء معا، الرحبي لا يرى الشعر في أشكاله، بل في ما لا يظهر منه، ولا تكمن قوته في المحتوى في الوقت نفسه.
وقد تكون قصيدة النثر مجرد جرس إنذار في معدة خاوية، ذلك لأن كل شيء يفعله الشاعر العماني إنما يصدر عن الشعر، ولكن أي شعر ذلك الذي يؤسس لتثبيت دعائم عالم، ليست اللغة أداته، بل رحمه الذي تُصنع في عتمته الحياة بألذ اختراعاتها؟
لا يحتاج الرحبي إلى أن يكتب الشعر ليكون شاعرا، إنه يمارس الشعر لا بصفته واجبا إنشائيا يتعلق بحدث مجاور، بل باعتباره كلفة العيش التي تجمع على كفتي ميزانها كثافة الرؤيا مقابل مشاهد بصرية مرحة وخفيفة ومحلقة. بسبب تلك المعادلة يحق له أن يقول إن الشعر في مكان آخر، كتبُ رحلاته ويومياته وتأملاته تقول ذلك وتؤكده بقوة اضطرابها اللغوي.
إنه لا يصف ما يراه، بل يحلمه ويعيد روايته كمَن يحلم به ثانية، ذلك الشيء الذي يتأكد وجوده من خلال اللغة هو ليس الشيء نفسه الذي شكل دافعا للكتابة، لقد أعاد الشعر تأليف الحياة التي صارت تتعثر بمفردات نشيدها كما لو أنهنّ أحجار.
الشاعر العماني يفتح ذراعيه للحياة بطريقة مختلفة، أولاً لأنه يثق بها، وثانيا لأن الحياة وهبته ما كان الشعر في حاجة إليه، نهارا طويلا من القبلات التي لا تسمح لقدميه بأن تقعا على الأرض.
في “صالة استقبال الضواري” آخر كتبه في المجازفة النثرية يقود الرحبي الشعر إلى بلاد شاسعة، لا يحتاج المرء إلى التعرف على اسمها لكي يتعرف عليها، إنها بلاد الشعر.