مليئة بالحشو..

الروايات تهدر الوقت!

التنوّع أساس الحياة والأدب

هيثم حسين

ما هي فوائد الرواية؟ لماذا نقرأ الروايات؟ لماذا يكتب الروائيّون الروايات؟ هل تهدر الرواية وقت قارئها؟

يعيب بعض القرّاء أو النقّاد على بعض الروايات حجمها، سواء الكبير أو الصغير، وكأنّه يطالب بصيغة مثالية لها، من دون مراعاة شروط الكتابة الروائيّة، ومقتضياتها، وما تفترضه من سعي إلى بلورة الصيغة التي يتخيّلها الروائيّ مثلى لعمله.

يطالب البعض باختصار روايات أو إيجازها، يطالبون بوضع ملخّصات لها، يتساءلون ما فائدة كلّ هذا الحشو في الرواية، ولماذا يغرق الروائيّ في التفاصيل، ويغُرق قارئه بها، وكأنّ الاختصار أو الإيجاز هو الغاية لإيصال المراد.. وما المراد هنا بالضبط؟ هل هو رسالة سياسية أو تصوّرات محدّدة في قضايا بعينها!

لكلّ امرئ حكايته التي يمكن أن يحكيها، ويمكن أن يتلاعب بها متخيّلاً وملفّقاً ومختلقاً عوالمه، وهذه الحكاية قد تكون الإطار الكبير المشتمل على حكايات فرعية تدعمها وتكمل تفاصيلها، لكن ليس بإمكان كلّ امرئ كتابة تلك الحكاية ونسجها لتكون مقنعة، صورة متخيّلة عن واقع معيش أو ماضٍ، أو صورة واقعية عن عالم متخيّل أقرب إلى المعيش أو مستقى منه.. هنا تلعب الموهبة والبراعة والحرفة أدواراً لتصدير العمل وبلورته.

يكرّر بعضنا لبعض أحياناً أنّ الرواية التي تكتب في خمس مِئة صفحة أو أكثر يمكن أن تختصر إلى النصف تقريباً أو أكثر، وتكون محبوكة ومتماسكة وأكثر قوة وتأثيراً، وأسرع إيقاعاً، وقد يضيف آخر أنّ الرواية التي تكتب في مئتي صفحة يمكن أن تختصر أيضاً، ويتمّ إيجازها إلى نوفيلا، ويزيد ثالث، يزعم مواكبة السرعة والعصر، على الروائيّين تقديم ملخّصات لرواياتهم، أو اختصارها إلى قصص..

لا يخفى أنّ بعض الدعوات أو الآراء تصدر عن عشّاق للفنّ الروائيّ من منطلق الحرص على الجودة والقوة، لكن هناك آراء أخرى متسرّعة، لا تمتّ إلى الموضوعية بصلة، مبنية على عدم فهم بنية الفنّ الروائيّ، وتطالب الرواية بتأدية دور القصة أو النيابة عنها، أو إلغاء الرواية بالتقادم طالما أنّها تهدر الوقت ويمكن اختصارها.

لا يقاس الأمر بهذه الطريقة، لأنّ التنوّع أساس الحياة والأدب، والأجناس الأدبية المتعدّدة تساهم في إثراء الحياة نفسها، من خلال مقاربة زوايا مختلفة منها، ومعالجتها وفق شروطها ومقتضياتها الفنية وأدواتها التعبيرية، ونحن نحتاج إلى كلّ هذه الأجناس الأدبية لنغني خرائطنا الواقعية والنفسية والحياتية، ونتعرف إلى وجوهنا وصورنا وأقنعتنا فيها وعبرها..

يحتاج العالم إلى الرواية كما يحتاج إلى القصة والشعر والمسرح والسينما والدراما والموسيقى والفنون كلّها، والسؤال: هل العيش من دون هذه الأجناس والفنون ممكن؟ باختصار، العيش ممكن. لكن أيّة حياة تلك ستكون..! ألن تكون صحراء قاحلة..! يمكن للمرء العيش في ظروف قاسية وتحمّلها والتكيّف معها، لكن سيفتقر دائماً إلى سبل تدلّه إلى ذاته وتضيف معاني لوجوده، لأنّ الوجود يثرى ويكتمل بالتفاصيل التي ترسم لوحة الحياة ولا تشوّهها أو تخدش لمعانها.

ربّما يكون الحديث عن وقت مهدور في القراءة ولا سيّما حين تقرأ عملاً تقتنيه بمحبة وتوق، حديثاً عن هدر جزء من حياة ثمينة يكون التفريط فيها استخفافاً بها وعدم تقدير لقيمتها الحقيقية المعتبرة.