تداخلت فيها العناصر الإرهابية في معادلات دموية..

تونس: غطاء "الخضراء" نعمة ونقمة

تونس.. غطاء "الخضراء" منحة أم محنة؟

وكالات

 عرفت بجمالها وخصوبتها وغاباتها الممتدة، عوامل حسن وجذب تلاعبت بها منظومة الإرهاب وأقحمتها في معادلاتها الدموية، إذ باتت بعض الجبال الوعرة الشاهقة معاقل لاختباء الإرهابيين وبعض الغابات غطاء لتفلت من ملاحقات الأمن.
عاشت تونس منذ مايو 2011 أعمالا إرهابية تصاعدت انطلاقا من 2013، راح ضحيتها عشرات الأمنيين والعسكريين وبعض المدنيين والسياح الأجانب.

أوضاع تداخلت فيها العناصر الإرهابية في معادلات دموية، مع تضاريس البلاد من جبال وغابات، لا تزال إلى اليوم تصعب فرص القضاء على العناصر الإرهابية التي تتخذ منها غطاء للتواري عن يد القانون.

تتحصن في تلك المناطق أبرز جماعات المتشددين، وهي مقر انطلاق هجمات إرهابية استهدفت دوريات للأمن والجيش، وتسببت في سقوط ضحايا وجرحى في كمائن وانفجار ألغام تقليدية.

ولكن هامش تحرك المتشددين تقلص بشكل لافت مع تمديد حالات الطوارئ وتضييق الجيش الخناق حولهم في الجبال وفرض مناطق عسكرية مغلقة حولها، بجانب تصفية عدد من القياديين البارزين في التنظيمات المتشددة.

إلا أن "الخضراء" عادت لتدخل مجددا في دوامة مع آفة الإرهاب بظهور ظاهرة غريبة عاشتها البلاد منذ فترة تمثلت في انتشار حرائق الغابات، حيث شهدت تونس حوالي مئة حريق أتلفت ألفي هكتار من الغابات في أرجاء البلاد، وسجل حوالي 94 حريقا في 8 ولايات.

ظلت الحرائق لا تعترف بأي هدنة حيث سجل في اليوم الواحد، ما يناهز 3 حرائق في عدد من الجهات، وبقي تواتر اندلاعها على نفس الإيقاع خلال الأسبوع الأول من شهر أغسطس الماضي. وشملت الحرائق جميع مناطق الشمال الغربي والشمال الشرقي وبعض غابات الوسط.

لكن ما السبب في اندلاع تلك الحرائق بصفة يومية؟ هل هي سخونة الطقس وارتفاع درجات الحرارة؟ أم أن الأخطاء البشرية غير المقصودة قد تكون سببا أيضا في اندلاع بعضها؟ أم أن فرضية العمل الإجرامي وربما الإرهابي قد تكون صحيحة، خاصة في ظل استغلال الجماعات الإرهابية للجبال والغابات ملاذا للاختباء وتنفيذ عملياتها الإرهابية وربما من مصلحتها أن تعمد إلى حرق الغابات لتشتيت انتباه الجيش الوطني والأجهزة الأمنية للتخفي والهروب.

أما ما يقلق الجهات الرسمية فعلا فليس الحرائق في حد ذاتها، بل في ارتفاع عددها خلال الفترة الأخيرة؟ وهو ما ينبئ بانحسار ثروة الغابات واندثارها، وتأثير الحرائق على التوازنات البيئية.

أصابع الاتهام تتجه إلى ما يسمى بالإرهاب البيئي، ويبقى حريق منتزه النحلي، الذي قدرت فيه المساحة التي تم إتلافها تقريبا بـ59 هكتارا، أخطر وأكثر الحرائق التي كان لها أثر في نفس المواطن التونسي مع العلم أن المساحة الجميلة للمنتزه تقدّر بـ225 هكتارا.

وبالعودة إلى فرضية الفعل الإجرامي أكد مدير عام الغابات في تصريحات إعلامية أن المعطيات الأولية ترجح أن الحريق الذي شب بغابات منتزه النحلي شمال شرقي تونس تم بفعل فاعل، وما يؤكد صحة هذه الفرضية اندلاع الحرائق في 6 نقاط، أغلبها في مناطق يصعب على فرق الحماية المدنية التدخل لإخمادها.

واقع عاشته تونس مع الحرائق وطويت صفحته مؤقتا، لكن اللغز المرتبط بحمى تلك الحرائق ظل قائما وطيف الإرهاب فيه لا يمكن تجاهله، والمخاوف من معاودة اشتغال عداد الحرائق في ربوع الخضراء قائم بحلول نفس الظروف المواتية للتمويه على أسبابها، وخاصة حرارة الجو، وهو ما يخشاه كل تونسي في ظل يقين بأن خطى الإرهاب لم تمح تماما من الخضراء ويد الغدر مازالت بين الفينة والأخرى تؤكد أنها موجودة ونشطة وقادرة على سلب أرواح الأبرياء.