المراهقة..

حرمان المراهق من امتيازاته يوتر أجواء الأسرة

مسؤولية وثقة يعززهما الأبوان

نهى الصراف

يقضّي المراهقون وقتاً أطول مما يقضيه الأبناء الأصغر سنا في المدرسة الابتدائية، ليدركوا أهمية أداء واجباتهم على أكمل وجه دون الحاجة إلى صراع شبه مستمر بينهم وبين سلطة الأهل، الذين يضطرون إلى استخدامها أحياناً كوسيلة ضغط مؤقتة ربما لإنهاء هذا الصراع لصالحهم وحتى يحصلوا على بعض السلام في نهاية يومهم المرهق.

ومن ضمن الحلول التي يلجأ إليها الأهل للضغط على الأبناء محاولة تعليق امتيازاتهم أو تقييد فترة استخدامهم لألعاب الكمبيوتر أو أوقات مشاهدة التلفزيون، وذلك بسحب وحدات التحكم في الألعاب الإلكترونية أو فصل التيار الكهربائي عنها، وهذه الخيارات في ظاهرها تبدو عنيفة ربما من وجهة نظر المراهق الذي تتميز شخصيته في هذه المرحلة بالحساسية المفرطة، لكنها قد تكون من جانب آخر حلولاً نافعة إذا تم التعامل معها بحكمة.

ويرى أوغو أوك -معالج أميركي متخصص في تقديم الاستشارات والمحاضرات الخاصة بمرحلتي الطفولة والمراهقة- أن طريقة التعامل مع المراهق ينبغي أن تتم بدراية وتفهم كبيرين، حيث يكتسب الأبوين خبرة بمرور الوقت والتجارب لتهدئة الأمور وتحييد غضب الابن والابنة، باتجاه يبدو مريحاً للطرفين؛ إذ يجب أن يعامل المراهق باحترام وتفهم من خلال طرح الخيارات المناسبة له، أو التفاوض معه في حال رفض المساعدة على أداء واجبات المنزل أو واجباته المدرسية، بطريقة تضمن له تحقيق احترامه لذاته وتعزز شعوره بالأهمية كعنصر فاعل في الأسرة يمكن أن يتولى شؤون نفسه بمسؤولية وثقة كاملتين.

عدا ذلك فإن أي تقصير أو تلكؤ من شأنهما أن يحرماه من الامتيازات التي حصل عليها كونه فرداً في الأسرة له حقوق وواجبات أيضاً، على أن يكون هذا الحرمان مؤقتاً وبعلمه ودون استخدام العنف اللفظي تجاهه.

هذا الأسلوب المتحضر في التخاطب معه، حتى في حال ارتكابه أخطاء أو هفوات، كفيل بأن يجعل التفاهم بين الأطراف أفضل وأكثر هدوءاً خاصة أن التزامه بتنفيذ الجانب الخاص به من القيام بمسؤولياته التي أهملها، ستعقبه حتماً إعادة حقوقه وامتيازاته كاملة في الوقت الذي لا يجعله الحصول عليها مرة أخرى يعيد الكرة ثانية ليهمل واجباته.

لكن هذا لا يمنع أن تعود المماطلة والكسل والخمول إلى سيرتها الأولى بطريقة تجعل الأبوين يتساءلان؛ ترى لماذا لم تحقق هذه الطريقة النتيجة المرجوّة؟

ويؤكد متخصصون في علم النفس على أن الأهل غالباً ما يعتمدون على عوامل خارجية لتحفيز أبنائهم على الإنجاز باعتبارها مصادر وحيدة، إذ أن الطفل بعد أن يتخطى سن الـ12 تخفت لديه الرغبة في الحصول على مباركة الوالدين والمجتمع عموماً، فتكف عن أن تكون وحدها مصدرا من مصادر التحفيز أو لا تصبح ضمن أولوياتهم مع التحولات الكبيرة التي تشهدها شخصية المراهقين، بما يواجهونه من اضطرابات في التفكير وتقييم العالم من حولهم، وفهم الحياة والتكيف مع متغيراتها، ثم البحث عن المعنى في كل هذا وهو في الأغلب سيكون الدافع وراء سلوكهم سواء أكان إيجابيًّا أم سلبيّا.

وعلى وجه التحديد، يكون المراهق مدفوعاً بتحفيز من رغباته الداخلية والشخصية بدلاً عن إرضاء الأهل والمجتمع على الرغم من تأثيرهم الطفيف في حياته.

بعد أن يتخطى الطفل سن الـ12 تخفت لديه الرغبة في الحصول على مباركة الوالدين، فتكف عن أن تكون مصدر التحفيز

لهذا، يدرك بعض الآباء أن حرمان أبنائهم من الامتيازات أو حجبها لا يعدان أسلوباً ناجحاً على الدوام وفي كل الحالات، كما أن الأنشطة والهوايات اليومية المرغوبة سرعان ما يفتر تحمّس المراهق لها حتى مع حرمانه منها بين الحين والآخر كجزء من العقاب، لأنها تصبح أقل وضوحاً وجدوى أو تكون بلا معنى مع مرور الوقت دون وجود حافز داخلي أو معنى واضح لحياته.

لكن الأهل عادة ما يتساءلون: كيف يبدو هذا الحافز الداخلي الذي يشكل حياة المراهق وخياراته؟

يعتقد أوك أن الحافز الداخلي هو نوع من السرد أو المروية التي يستخدمها المراهق لفهم تجاربه اليومية والعالم الذي يحيط به. أما الفكرة الشائعة التي تتكون لديه من خلال متابعة هذا السرد الذي يمكن أن يكون متخيلاً في جزء كبير منه، فهي سعيه إلى أن يكون الأفضل وأن ينجح في اتقان كل ما يقوم به على الإطلاق.

من هذا المنطلق، يرى متخصصون أن المراهقين عندما يضعون نصب أعينهم رؤية للهدف الذي يرغبون في تحقيقه، ويكافحون من أجله، فسيكون من السهل عليهم عندئذ أن يتبينوا أهمية أو عدم أهمية الأنشطة في حياتهم اليومية، التي يجدون أنفسهم غير معنيين بها. إذن، ما الذي يمكن أن يفعله الوالدان بهذه المعلومات؟

يقول متخصصون “تقع على الأهل مسؤولية خلق بيئة صحية من الحوار مع أبنائهم المراهقين الذين يجدون صعوبة في الانخراط في الأنشطة اليومية المتعلقة بالمنزل أو المدرسة، كما ينبغي عليهم أن يتعرفوا إلى أهدافهم وطموحاتهم المستقبلية، وهم بالتأكيد سيجدون إجابات صريحة وربما مفاجئة لكنها في النهاية ستصب في مصلحة الطرفين خاصة الأبناء”.

ومن المفيد لهم أن يستأنسوا بتجارب من هم أكبر منهم سنًّا وأوسع تجربةً لتوجيههم في كتابة قصة أو حكاية واضحة ومفيدة لحياتهم المستقبلية تمكنهم من متابعة مسارها السردي بعناية ودراية كافيتين، فضلاً عن ذلك سيجدون دائماً من يقدم لهم الدعم والتشجيع في كل خطواتهم، والأهم من ذلك أنهم سيجدون اليد التي تنتشلهم إن وقعوا أو تعثروا في سيرهم. وهذه أفضل خدمة يمكن أن يقدمها الأهل لأبنائهم وهم في أول الطريق.