إنعدام الحياة البحرية..

بحر العرب يحتضر من قلة الأوكسجين

البشر يلوّثون البحر مصدر رزقهم ومتعتهم

أبوظبي

تواصل “بقعة ميتة” خالية من الأوكسجين التمدد في بحر العرب، حتى أصبح حجمها يوازي مساحة اسكتلندا، في تطور يثير قلق علماء باتوا يعتقدون أن ذلك قد يكون مرتبطا بالتغير المناخي.

ورغم اكتشاف سابق يفيد بأن في بحر العرب، الذي يضم خليج عمان، أكبر منطقة بحرية ميتة في العالم، “لم يكن أحد يعلم مدى سوء الوضع، بسبب عدم القدرة على جمع المعلومات البحرية خوفا من أعمال القرصنة والنزاعات في المنطقة التي كانت تحول دون جمع البيانات”، وفق ما أفاد به باستيان كويست، أحد المشرفين على دراسة نشرت في مجلة جيوفيزيكل ريسيرتش ليترز في شهر مايو الماضي.

وتتشكّل «المناطق الميتة» التي تفتقر إلى الأوكسجين، نتيجة تلوث مياه المحيط بالأسمدة والمخلفات الصناعية، ويؤدي تلوث الأنهار ومن ثم المناطق الساحلية للبحار بالنترات والفوسفات من الأسمدة وغيرها من المواد الكيميائية، إلى النمو السريع للطحالب الوحيدة والبكتيريات. بدوره، يثير موت تلك الطحالب وتحللها استهلاك غالبية كميات الأوكسجين في عمود المياه، ما يجعل حياة معظم الحيوانات في ظروف كهذه أمرا مستحيلا.

وفي مختبر في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقوم زهير الأشقر بدراسة خليج عمان على شاشة الكومبيوتر، وينظر إلى صور ملونة تظهر تغيرات درجة الحرارة ومستوى سطح البحر، وأيضا مواقع تركّز الأوكسجين.

وتظهر الدراسة، إلى جانب بحث كشف عنه في وقت سابق هذا العام، مسارا يثير قلق العلماء.

ويشير الأشقر، وهو باحث في جامعة نيويورك أبوظبي، إلى أن “البقعة الميتة” في بحر العرب هي “الأشد كثافة في العالم”.

ويشرح قائلا إن البقعة “تبدأ على عمق 100 متر وتنخفض إلى 1500 متر، بشكل تبدو معه من أعلاها إلى أسفلها محرومة من الأوكسجين”. ارتفاع درجة حرارة المحيطات والتلوث يفاقمان هذه الظاهرة، إذ أن المياه الأكثر دفئا تحتوي على نسبة أقل من الأوكسجين. وتشتد وطأة هذه الظاهرة أيضا بسبب الأسمدة ومياه المجاري التي تصب في البحر.

ويرجّح الأشقر وباحثون آخرون أن تكون ظاهرة الاحتباس الحراري وراء توسع هذه البقعة، ما يثير مخاوف حول مستقبل الأنظمة البيئية والقطاعات المحلية بما في ذلك الصيد والسياحة.

وتعد “البقع الميتة” ظاهرة طبيعية في مناطق مختلفة من العالم، ولكن هذه المنطقة التي تمتد من مضيق هرمز في خليج عدن، إلى الشرق وصولا إلى الساحل الهندي، توسعت بشكل كبير على ما يبدو منذ أن جرى مسحها في التسعينات من القرن الماضي.

واستخدم العلماء في هذا المسح غواصين آليين في مناطق لا يمكن للباحثين الوصول إليها، ضمن مهمة مشتركة بين جامعة “إيست أنجليا” البريطانية وجامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.

وأظهرت نتائج مسح في عام 1996 معدلات أوكسجين منخفضة، إلا أن آخر دراسة أجريت عامي 2015 و2016 أظهرت انخفاضا جديدا في هذه المعدلات، حيث أوضح أعضاء فريق علماء البحار أن تركيز الأوكسجين في الطوابق السفلى من مياه خليج عمان شهد انخفاضا حادا خلال السنوات الأخيرة، ما تسبب في تشكل «بقعة ميتة ضخمة» عند قاع الخليج، وباتت الحياة هناك مستحيلة.

وعلى خلاف المسح الذي أجري عام 1996 وأظهر أن أدنى معدلات الأوكسجين تقع في قلب البقعة، في منتصف المسافة بين اليمن والهند، تبين مؤخرا أن هذه المعدلات لم تعد محصورة في مكان واحد.

ويؤكد الباحث باستيان كويست الذي يدير أبحاث جامعتي “إيست أنجليا” والسلطان قابوس، أن مستوى الأوكسجين “أصبح منخفضا في كل مكان، ولم يعد ممكنا أن ينخفض أكثر”. وقد تدنت تركيزات الأوكسجين في هذه المياه لتتراوح بين 6-12 ميكرومول لكل كيلوغرام، بل وصلت إلى 2 ميكرومول في الكيلوغرام الواحد، وأقل في صميم جوف هذا الحوض المائي، وهي تركيزات تجعل الحياة شبه مستحيلة في هذه المنطقة، فالأوكسجين عنصر ينظم الدورات الحيوية والكيميائية والجيولوجية في بيئات البحر المختلفة.

ويشرح الأشقر أن الحرارة العالية في بحر العرب تتسبب في خفض معدلات الأوكسجين، ما يؤدي إلى زيادة حرارة المياه، مضيفا أن هذا أمر “مخيف للغاية على المناخ”.

ويهدد تمدد البقعة الأسماك التي تعدّ مصدر غذاء رئيسيا في المنطقة، إذ يضرّ بمواطنها ويعرّضها لعمليات صيد أكبر.

ويشير الأشقر إلى أنه “عندما ينخفض مستوى الأوكسجين إلى ما دون مستويات معينة، فإن الأسماك لن تستطيع البقاء على قيد الحياة”. وهو يعتمد لإجراء أبحاثه على مركز متطور تبلغ تكلفته الملايين من الدولارات.

وكانت الإمارات غيرّت في عام 2016 اسم وزارة البيئة والمياه إلى وزارة التغير المناخي والبيئة، ما يعكس رغبتها في مواجهة هذا التحدي العالمي.

ويقول الأشقر “أعتقد أن هذا موضوع هام لأسباب مختلفة، وليس لأسباب علمية فقط، بل لأسباب اقتصادية أيضا”.

ويضيف “صيد الأسماك مصدر مهم للدخل ويتأثر بشكل مباشر بالأوكسجين”.

وقد تتأثر أيضا الشعب المرجانية وحركة السياحة على المدى الطويل بتمدد “البقعة الميتة”. وبالقرب من مختبر الأشقر يدرس باحثون -بينهم ديانا فرانسيس- في مختبر آخر تأثير تغير المناح على النطاق العالمي.

في أواخر عام 2015 وقّع 195 بلدا اتفاق باريس حول المناخ، وهو يقضي بالحد من ارتفاع حرارة الأرض عند مستوى درجتين فقط أو درجة ونصف الدرجة مقارنة مع ما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، وذلك من خلال تقليص انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة.

وانسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق الذي يتعارض بحسب الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع المصالح الاقتصادية الأميركية. وتشير فرانسيس إلى أن القرار كان “مخيبا للآمال”، ولكنها تستدرك قائلة “السياسات تتغير مع الوقت (..) ولكن العلوم لا تتغير”.