صراعات الأجنحة تبلغ ذروتها..

نُذرحرب بين قيادات المليشيات بصنعاء

قوات حوثية في شمال اليمن

وكالات

بلغت الخلافات بين قيادات مليشيات الانقلاب الحوثية ذروتها في إطار صراع الأجنحة، ما يهدد بتفجير الأوضاع عسكرياً في صنعاء، فيما تشير مصادر إلى أن "الأمن الوقائي" يشعل الشرارة.

قالت مصادر إعلامية إن ما يسمى جهاز الأمن الوقائي (جهاز استخباراتي خاص استحدثته المليشيا الحوثية) أقدم على اعتقال عدد من مشرفي مليشيات الحوثي في العاصمة صنعاء خلال الأيام القليلة الماضية بتهم الخيانة، وبعد خلافات مستمرة ومحاصرة الكاتب المالي للمليشيات من قبل مشرفين حوثيين من صنعاء.

وقالت المصادر إن صنعاء تشهد منذ الأمس حالة من الانتشار الأمني لمليشيات الحوثي واستحداث نقاط تفتيش في العديد من شوارع صنعاء، منها نقاط في أماكن لم يسبق لها أن تواجدت فيها.

وأشارت المصادر إلى أن نقاطاً حوثية تنتشر على امتداد شارع الستين، وعلى جسر مذبح، وفي أحياء عدة شوهد وجودها بشكل مفاجئ منذ الأمس في صورة تعكس حالة من القلق الأمني.

الصراع على السلطة والثراء

ونشبت خلافات حادة في صفوف مشرفي مليشيا الحوثي القادمين من صعدة من جهة وآخرين من أبناء محافظة صنعاء من جهة أخرى، على خلفية اتهامات بالتخوين ومطالبة الأخير تقاسم الأموال المنهوبة مع قيادات المليشيا.

وتأتي صراعات الأجنحة المحتدمة بين قيادات ومشرفي مليشيات الحوثيين الانقلابية بعد الهزائم المتتالية التي تتكبدها في مختلف جبهات القتال مع قوات الجيش الوطني والمقاومة المشتركة تنذر بحتمية انهيارها مع تزايد حالة الصراع في إطار فرض النفوذ والاستحواذ على أموال ومؤسسات الدولة في صنعاء ومناطق سيطرتها.

الصراع المناطقي.. وجه آخر للخلاف

وفي تطور واضح، بات الصراع بين قيادات مليشيات الحوثي الإيرانية يأخذ شكلاً مختلفاً، أيضاً، عن ما سبق، حيث برز صراع بين ما يعرف بجناحي صنعاء وصعدة، وهو صراع يتفرع عن آخر قديم بين العائلات التي تشكل أركان المليشيا الإرهابية وبات يتخذ شكلا يعتمد على المناطق المسيطر عليها.

وتسود حالة من التذمر بين أوساط القيادات المنتمية إلى محافظتي صنعاء وذمار جراء هيمنة وسيطرة القيادات المنتمية لمحافظة صعدة التي يثق بها عبدالملك الحوثي.

وكانت المليشيات الحوثية الموالية لإيران قد عملت على تقاسم ممتلكات حزب المؤتمر الشعبي العام بعد اغتيال الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح، واستحواذ قيادات معينة على مناصب ونفوذ، وصب ذلك المزيد من الزيت على نيران الصراع "الحوثي الحوثي" مناطقياً بين مليشيات صنعاء وصعدة.

ويشير أكاديمي وسياسي يمني في صنعاء (نتحفظ على اسمه لدواعٍ أمنية) إلى أن عبدالملك الحوثي يقف إلى جانب قيادات صعدة، لأنها مصدر القرارات التي يجب تنفيذها دون الرجوع إلى باقي القيادات، وهو ما أثار حفيظة قيادات في صنعاء والمناطق الأخرى الذين يشعرون أنهم مهمّشون وأن قيادات صعدة هي التي تسيطر على الثروات والقرارات بالمؤسسات كافة.

أصوات مناهضة داخل المليشيات

وفي إطار الصراع المناطقي أيضا في صفوف المليشيات الحوثية الإيرانية ونتيجة لرفض البعض لممارسات واستفراد أطراف حوثية بالسلطة والثروة وتهميش فئات أخرى منها، شن قيادي حوثي بارز هجوماً لاذعاً على جماعته وزعيمها متوعداً زعيم الميليشيات عبدالملك الحوثي بأنه سوف يكون أول من يخرج للمطالبة برحيله.

وكان القيادي الحوثي والأكاديمي بجامعة صنعاء الدكتور عبدالسلام الكبسي، قد فاجأ رفاقه الحوثيين بتحول وجهته من دائرة المديح والثناء على الميليشيات إلى مربع الهجوم والتعنيف قال فيه "مثقف كبير مثلي على مستوى العالم العربي سيكون أول من يقول لعبدالملك الحوثي ارحل".

ويفضح قادة آخرون في المليشيات فساد وعبث جماعتهم بعد تعرضهم للإقصاء والتهميش وعدم دخولهم في محاصصة النهب والسرقات والنفوذ.. فقد واصل القيادي الحوثي البارز محمد المقالح، والذي كان يشغل عضوية ما تسمى اللجنة الثورية العليا، استفزازاته لجماعته رغم التهديدات التي قال إنه تلقاها من عبدالكريم الحوثي، عم زعيم المتمردين، على خلفية فضحه لممارسات فساد وكشفه عن أن عبدالكريم الحوثي هو الحاكم الفعلي في صنعاء.

تعدد الصراع بتعدد الأجنحة..

يقول متابعون، إن تعدد أجنحة الصراع داخل مليشيا الحوثي وبينها جناح أبو علي الحاكم ويحيى الحوثي ومحمد عبدالسلام وهاشميو صنعاء... وغيرهم، تؤسس لصراعات قادمة، وكل جناح يستعد لها.

ويؤكد المتابعون، أن هذه الأحداث كشفت، أكثر من أي وقت مضى، أن زعيم التمرد عبدالملك الحوثي لم يعد قادراً على التحكم بمليشياته بعد أن ابتلعت العاصمة صنعاء وتقوى نفوذها بحيث صارت هناك أجنحة كثيرة داخل هذه الجماعة الطائفية العنصرية.

وكانت مصادر مطلعة في صنعاء أفادت أن عبدالكريم الحوثي، الذي يعد الرجل الأول وصاحب القرار العسكري والسياسي للحوثيين في صنعاء، يشكل مع ما يسمى رئيس اللجنة الثورية محمد الحوثي الجناح المتطرف داخل مليشيا الحوثي وهما من يدفعان إلى الصدام مع الأجنحة الأخرى في الجماعة.

وتشير المصادر أيضاً إلى أن الأجنحة المتعددة والشقاق داخل مليشيات الحوثي كبير إلى درجة يصعب حصرها، ما يشير إلى أن عبدالملك الحوثي بات يقود زعامة وهمية وليس له من السلطة إلا اسمها ومغيب تماماً عن ما يدور في أوساط مليشياته بعد انفراط العقد من يده عقب خروجهم من صعدة.

الكاتب الإعلامي والسياسي وهيب النصاري قال، إن وتيرة الخلاف ارتفعت بين هذه القيادات في الآونة الأخيرة بين أجنحة المليشيات حول تقسيم السلطة والأدوار التي يقوم بها كل جانب للحفاظ على ما تبقى من مدن تقع تحت سيطرتهم.

ويرجح النصاري أن تكون قيادات حوثية من صعدة قد تخلصت من بعض القيادات في صنعاء بعد اختفاء بعض القيادات الحوثية الرئيسية عن المشهد في المدينة، الأمر الذي سيعجّل المواجهة المسلحة في الفترة المقبلة مع تقدم الجيش الوطني والمقاومة المشتركة بدعم التحالف العربي في الساحل الغربي ومعقل المتمردين الانقلابين في صعدة والعديد من الجبهات والهزائم الكبيرة التي تتلقاها ونقص القيادات الميدانية عقب استهدافهم في المعارك.

تصفيات بينية

وفي تحول يعكس عمق وحجم التصدع الكبير في أركان تكوينها في ظل انهيار منظومتها الأمنية وفي إطار تصفية حسابات وصراع أجنحة في صفوفها، تشهد صنعاء ومناطق أخرى تحت سيطرة المليشيات عمليات تصفيات لمشرفيها وانشقاقات في صفوفها واختفاء عدد منهم في ظروف غامضة، فيما ظهرت أصوات مناهضة أيضاً داخل المليشيات.

ومنذ سبتمبر الماضي 2017م تصاعدت حوادث الاغتيالات المتبادلة بين قيادات ميليشيات الحوثي جراء الخلافات على تقاسم المسروقات والمنهوبات التي يستحوذون عليها من الأموال والممتلكات العامة والخاصة لليمنيين منذ انقلابهم على السلطة الشرعية أواخر العام 2014.

وفي تطور الصراع بين مليشيات الحوثي الإيرانية تم رصد عشرات العمليات للتصفيات الجسدية المتبادلة بين قيادات حوثية منذ عدة أشهر على خلفيات متعددة من صراع الطبقات والأجنحة، منها الجناح الديني الطائفي والجناح العسكري والسياسي الموالي لإيران والجناح القبلي ويأخذ منحنى قديما متجددا ببروز صراع بين ما يعرف بجناحي صنعاء وصعدة وهو صراع يتفرع عن آخر قديم بين العائلات التي تشكل أركان المليشيات الإرهابية.

ويؤكد مراقبون أن الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت والانقسامات داخل المليشيات وهو ما يثير مخاوف كبيرة لدى سكان العاصمة صنعاء من مواجهة مسلحة في الأيام المقبلة بحكم اتّساع حدة الخلافات والصراعات البينية التي تعصف بالمليشيات وطفت على السطح.

صراع قديم يتجدد بين المليشيات

عصفت الصراعات البينية بشكل كبير بالمليشيات الحوثية حتى منذ ما قبل بروزها وانقلابها، وهي صراعات طفت إلى السطح للمرة الأولى بانشقاق محمد سالم عزان أول أمين عام لتنظيم الشباب المؤمن وإهدار دمه بفتوى من بدر الدين الحوثي، والد زعيم المتمردين عبدالملك الحوثي.

وبعد مقتل حسين الحوثي عام 2004 الزعيم الروحي للمليشيات، تخلص زعيم المتمردين عبدالملك الحوثي من أبرز قادتها العسكريين والسياسيين لإحكام قبضته على المليشيات، أمثال الرجل الثاني في المليشيا آنذاك صالح هبرة، الذي توارى عن الأنظار أواخر عام 2014، والذي تقول عائلته إنه يقبع تحت الإقامة الجبرية في إحدى مديريات صعدة.

ويؤكد متابعون للشأن الداخلي اليمني، أن عبدالملك الحوثي تخلص من شخصيات وقيادات عدة في مراحل متعددة لخلافه معهم في وجهات النظر وطريقة تسيير الأمور ومنهم صالح هبرة، كما أن بعض القيادات مغيّبة ولا تظهر في صنعاء حالياً، الأمر الذي يثير مخاوف سكان العاصمة من مواجهة مسلحة في الأيام المقبلة بحكم اتّساع حدة الخلافات.