تحصين الأبعاد اللغوية..

الجزائر: إخفاق في مواجهة تطرف اليمين الفرنسي

النظام الجزائري يساهم بلا وعي في تقوية شوكة اليمين الفرنسي المتطرف

أزراج عمر

بسبب رفض السلطات الجزائرية الاستجابة لمطالب الحكومة الفرنسية بخصوص قضية الإرهابي جمال بغال، دعت زعيمة حزب اليمين الفرنسي المتطرف مارين لوبان الحكومة الفرنسية إلى وقف منح الجزائريين تأشيرات الدخول إلى الأراضي الفرنسية، وكذلك منع المهاجرين الجزائريين المقيمين بفرنسا من تحويل العملة الصعبة إلى ذويهم في الجزائر، ولكن النظام الجزائري اكتفى كعادته بالتحرك الهزيل لبعض وسائل الإعلام الجزائرية التي لا تصل أبدا إلى القارئ الفرنسي أو تؤثر فيه قيد أنملة، حيث حصرت هذه الوسائل الإعلامية مهمتها الشكلية في تكرار الانتقادات المستهلكة والنمطية التي اعتدنا عليها ضد مواقف اليمين الفرنسي المتطرف وفي هذه المرة ضد تصريحات ومطالب مارين لوبان.

علما وأن مثل هذا الانتقاد الشكلي العابر لن يحقق أي نتيجة تذكر لأنه مجرد حملة دعائية مؤقتة، حيث سيبقى معلقا في الفراغ جراء عدم إسناده بعمل سياسي ودبلوماسي واجتماعي وثقافي جزائري دائم وجاد في عمق فضاء المجتمع الفرنسي المدني والسياسي، وفي مختلف بلدان الاتحاد الأوروبي وذلك من أجل الكشف عن أخطار زحف اليمين الفرنسي المتطرف ضد المهاجرين الجزائريين وغيرهم وذلك بهدف تشويههم.

في هذا السياق نتساءل كيف نفهم ضعف موقف النظام الجزائري تجاه تحرش اليمين الفرنسي الذي يتطاول باستمرار على الجالية الجزائرية في الديار الفرنسية، ويمارس مختلف أشكال التهديد والعرقلة ضد تطوير العلاقات الجزائرية – الفرنسية خارج أطر العنف الذي أفرزته تقاليد موروث الاستعمار الذي دام قرنا وثلاثين سنة؟ ولماذا فشلت الجزائر منذ استقلالها، في تفعيل سياسات بمقتضاها تنجز مهمة تحصين وازدهار الأبعاد اللغوية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي يفترض أنها الأسس المشكلة لهوية أفراد الجالية الجزائرية المقيمين على الأراضي الفرنسية؟

لا شك أن الإجابة على هذه الأسئلة تفترض مسبقا تسجيل ملاحظة أساسية وهي أن النظام الجزائري ساهم بقسط وافر في إتاحة الفرصة لليمين الفرنسي أن يلعب كما يشاء وأن يشوه الجالية الجزائرية في فرنسا ويعاملها معاملة دونية. ويتمثل السبب الجوهري في ترك الساحة لليمين الفرنسي المتطرف في عدم امتلاك الجزائر لسياسات واضحة تخص قضية الهجرة بشكل عام، وفي انعدام برنامج عمل ملموس بموجب تنفيذه في الواقع ترفع هذه الجالية رأسها عاليا وتحقق وجودها الطبيعي وحقوقها المشروعة على الأراضي الفرنسية. من المعروف أن النظام الجزائري لا يهمه حتى تفعيل بنود اتفاقيات إيفيان التي تنص على ضرورة احترام هذه الحقوق وحمايتها بقوة القانون.

وفي الحقيقة فإن النظام الحاكم في الجزائر يساهم بلا وعي غالبا في تقوية شوكة اليمين الفرنسي المتطرف وذلك بعدم إنشائه لشبكة المؤسسات الاقتصادية والثقافية والإعلامية والمالية والاجتماعية التي توفر التأطير الجيد للجالية الجزائرية داخل الفضاء الجغرافي الفرنسي وتمتن في الوقت نفسه، الروابط القوية بين أفراد هذه الجالية وبين وطنهم من جهة، وبين هؤلاء وفرنسا العميقة المتمثلة في الفضاء الشعبي الفرنسي من جهة أخرى.

ولا شك أن هذا البعد مهم في حياة أي جالية مهاجرة، وتفيد التجارب أن عددا من الدول في العالم الثالث قد تمكنت من تحقيق الكثير من مكونات هذا البعد الحيوي، ولا شك أن تجربة المغرب الشقيق في هذا المجال تتميز بكثير من النجاح الملفت للنظر. فهل يمكن أن تجرؤ زعيمة اليمين الفرنسي، مارين لوبان، على السعي بكل الطرق والوسائل للمس سلبا بالمصالح الجزائرية، ولتشويه سمعة الجالية الجزائرية المقيمة على الأراضي الفرنسي لو قام النظام الجزائري بحماية هذه الجالية ماديا ومعنويا؟

ولكي يتمَ تشخيص المشكلات البنيوية التي تعاني منها الجالية الجزائرية في المهجر فإنه لا ينبغي اختزالها في ظاهرة واحدة ألا وهي ظاهرة تطرف مواقف اليمين الفرنسي ضد المهاجرين، والذي يستغل في نشاطه السياسي العنصري جملة من العوامل ذات الصلة عضويا بالثقافة العنصرية وبقايا موروث الاستعمار، بل إنه يجب الكشف أيضا عن عوامل خطيرة أخرى تساهم بشكل جذري في “تحقير” الجالية الجزائرية في فرنسا، وفي مقدمتها العامل الذي يتلخص في غياب سياسات واستراتيجيات لدى النظام الجزائري منذ الاستقلال إلى اليوم، للتعامل مع ملف الهجرة على أنه جزء جوهري من ملف السيادة الوطنية وبناء الهوية الجزائرية بكل مكوناتها.