اللباس التقليدي ..

إعلان ضياع

احتفاء باللباس التقليدي التونسي

لبنى الحرباوي

خرج ولم يعد. قالت امرأة في إعلان إذاعي إن أباها شيخ الثمانين المصاب بالزهايمر، لا يتذكر حتى اسمه، خرج من المصحة ولا يعرف أحد مكانه. وأضافت “لا يحمل أي أوراق ثبوتية حتى أنه خرج في بيجاما”. لكنها استدركت قائلة “إنه يلبس شاشية حمراء. شاشيته تلك لا ينزعها أبدا إلا عند نومه”.

لكن كيف لشيخ لا يتذكر شيئا أن يبقى وفيا لشاشيته، متشبثا بها؟ يبدو أنها في أعماقه تذكره بشيء ما.. باختصار إنها تذكره بمن يكون، تعرّف بهويته.

لطالما كانت الملابس تمثل هوياتنا وتفضح شخصياتنا وثقافتنا، فهي لا تؤثر فقط على نظرة الآخرين تجاهنا، إنما على نظرتنا الخاصة لأنفسنا.

ورغم أن الشاشية لم تعد تصنع لغاية الاستعمال اليومي من قبل جل فئات الشعب التونسي، الذي انفتح شبابه على المجتمعات الأوروبية وأصبح مهووسا باللوغومانيا لكنها تظل رمزا للتباهي بتاريخ وطن.

الحقيقة أن المجتمع التونسي يشهد صراعات داخلية بين اللوغومانيا الغربية متمثلة في أفخر الماركات العالمية واللوغومانيا الأصولية التي حولت الملابس إلى لوغو أو رمز لها.

ذكرني الأمر بواقعة شهدتها بعد “الثورة”؛ تقول إحدى النساء التي لها ابن، “تسلفن” في غمرة الفوضى التي شهدتها تونس وربى ذقنا ولبس ما يطلق عليه اللباس الأفغاني متمثلا في قميص تحت الركبة وسروال قصير لبس معه حذاء نايك وسترة من أغلى الماركات، إن ابنها رزقه الله وافتتح متجرا للباس الشرعي “حصرا” فأحضر لها ملابس شرعية أو ذاك اللباس المتكون من عشرين مترا من القماش على الأقل لا يظهر من المرأة سوى وجهها ويجعلها شبحا أسود أو بنيّا لا معالم لها. تضيف المرأة “لبسته لوهلة فاختنقت.. لا بديل عن فستاني ‘المِرْوَح’ الملون”.

لقد كانت النساء وما زلن حارسات للهوية، وهي قاعدة مشتركة بين فريق الأصولية وفريق الحداثة.

إن اللباس النسائي التونسي ملون متنوع وجميل وهو على كل حال مختلف كلّ الاختلاف عن الحجاب المشدود بالدبابيس الذي فرضته الحركات الأصوليّة التي لم يكن لها هم سوى تحويل النساء إلى “أخوات” خانعات، ممنوعات من الاختيار والاستمتاع بأجسادهن، إن لم يكن من خلال قوانين واضحة فمن خلال نظرات اتهام أبشع من أي قانون، وذلك لتكريس الهيمنة الذكورية ومن ثمة الوصول إلى السلطة.

لقد تغيّرت ملامح مدينتي الملونة وثقافة شعبها المنفتحة، وتوجهنا في خضم كل هذا إلى الاحتفاء بلباسنا التقليدي علنا نجد فيه هويتنا الحقيقية التي ضاعت.