كمين..

كوهين ونابليون والكمين

الخلق والابتكار عمل شاق جدا

إبراهيم الجبين

تروي القصة الشعبية أن يهودياً توفي له ابن، فحزن عليه حزناً شديداً، ولكنه كان مشغول البال بموضوع آخر، فقد قال له الجيران والأصحاب في السوق “يجب أن تنشر نعياً لولدك في الصحافة كما جرت عادة التجار”، وكوهين الحزين لا يريد أن يدفع قرشاً زيادة فوق تكاليف الجنازة.

كان كوهين ساعاتياً، يبيع ويصلح الساعات القديمة، ويقضي وقته واضعاً عدسته المكبّرة على عينه اليمنى، تنهّد طويلاً ثم اهتدى إلى فكرة مناسبة. وفي اليوم التالي نشرت الصحيفة الخبر التالي “كوهين ينعي ولده ويصلّح ساعات”. فضرب عصفورين بحجر واحد. قام بالواجب وأعلن عن صنعته كي يكسب المزيد من الزبائن.

بعض العرب يعتقد أنه بوسعه أن يكون صاحب مبادئ ومثل وقيم رفيعة، وفي الوقت ذاته “يصلّح الساعات” بالمعيّة، ويخدم انتهازيته في الخلفية، معتقداً أن الناس لا تراه. وهذه علة كبيرة من علل العقل العربي، لم يفلح بالتخلص منها رغم الظروف الصعبة التي تمر على العرب طيلة الوقت.

تلك الظروف الصعبة المزمنة تزيدها صعوبة علة ذهنية عربية أخرى تتجسد في عدم إدراك معطيات المحيط. فحين ينظر العربي إلى ما يجري حوله، لا يرى ما يراه الناس العاديون، بل يرى أموراً مغايرة. ولذلك تكون نتائج رؤيته تلك وتفكيره خاطئة تماماً ومختلفة عما يجب أن تعطيه المقدمات.

تقول القاعدة الهامة في العلم العسكري “إن كان الطريق على ما يرام، فاعلم أنك في كمين”. يعني إذا لاحظت أنك تمشي في بيئة ممهّدة، فاعلم أن هناك من يصطنع تلك البيئة وأنها غير طبيعية، فالطبيعي أن تشوب التضاريس المكان، وأن تتخلله التعرجات والفوضى، وهذا ما يجب أن يفهمه العرب في هذا العصر.

من الطبيعي أن تواجهنا صعوبات في الحياة، ولولا ذلك لكانت الحياة كميناً، ومن الطبيعي أن يكون هناك إشكالات وعراقيل في كل شيء ننوي إنجازه، لأن الخلق والابتكار عمل شاق جداً، وحياتنا في نهايتها هي خلق سيرة إنسان، وهي ليست بالأمر الهين، إن شئنا أن تكون تلك السيرة ذات قيمة حقاً.

وفي كتاب “فيزياء الحرب: من السهام إلى الذرات” الصادر عن كتب برومثيوس – أكسفورد في العام 2014 يشرح باري باركر كيف تمكّن الإنسان عبر التاريخ من ابتكار مزيج فكري خبيث عبر التلاعب بالعلوم كمبادئ الرياضيات والفيزياء، كي يستطيع تطوير أسلحة الحروب، بدءاً من العربات الحربية إلى الأسلحة النووية الحرارية الحديثة.

ويقول باركر إن “نابليون درسَ علم الفيزياء بجانب الرياضيات والفلك في المدرسة العسكرية، وأدرك أهمية العلم للحرب”. أما نحن فندرس العواطف لشن الحروب وندرس الهندسة لكتابة الشعر والفن والأدب للمقاولات.