باتت تغلف البلاد منذ احتلالها عام 2003..

الصحافة الغربية تغمض عيونها عن احتجاجات العراق

الجهل بما يحدث في العالم العربي بالنسبة للصحافة الغربية لن ينتهي

كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

إذا كان الصحافيون “كائنات ضارة” عندما يتعلق الأمر بمشاكسة الرؤساء الديمقراطيين وهو أمر يرفع من شأنهم في النهاية، ومترددين في إطلاق الأسئلة الحقيقية على الرؤساء الدكتاتوريين، فإن ضررهم الحقيقي يكمن عندما يغمضون أعينهم عن ثورات الشعوب، وتتلكأ خطاهم في التحرك صوب الثائرين.

من السهل بمكان اكتشاف أن الصحافة الغربية فقدت عيونها ولم تغمضها عندما يتعلق الأمر بالاحتجاجات الشعبية الغاضبة في المدن العراقية رفضا للرثاثة السياسية والدينية التي باتت تغلف البلاد منذ احتلالها عام 2003.

صحيفة نيويورك تايمز الأميركية التي تهتم بأخبار الشرق الأوسط عندما رأت ذلك يتوافق مع مصالحها “التجارية” تغافلت عن الاحتجاجات، وبعد مرور أسبوعين على انفجار قِدر الضغط الشعبي الساخن في وجه الأحزاب الدينية الحاكمة، لم تصل إشارات الخجل إلى جبين هذه الصحيفة الأميركية، حينما خلت كل تقاريرها المتعلقة بشؤون الشرق الأوسط من أي إشارة إلى الغضب الشعبي العارم في بلد يتبوّأ بامتياز قمة هرم الفساد العالمي.

كانت فرصتها مواتية للشعور بالذنب المهني على الأقل إزاء أكاذيب أسلحة الدمار الشامل في العراق التي روّجت لها وكأنها حقيقة متعلقة ببحثها الصحافي.

الصحافة البريطانية التي يعول عليها بوصفها الأقرب إلى أحداث الشرق الأوسط بدت هي الأخرى غير معنية بالنار التي يضرمها العراقيون الغاضبون من أحزاب دينية حاكمة أدارت عجلة البلاد إلى الوراء مشيعة التخلف والتفرقة من أجل بقائها!

إذا كان لا يمكن التعويل على الصحافة الشعبية البريطانية فإن الصحف الرصينة كالغارديان والتايمز وفايننشيال تايمز تغاضت بشكل يدعو إلى التساؤل عمّا يحدث في مدن بلاد النهرين من غضب شعبي عارم.

لم يجد أحد الزملاء العاملين في الغارديان تفسيرا لغياب خبر الاحتجاجات العراقية، إلا تعبير “شحة المعلومات”! وقد يكون ذلك سببا إلى حد ما، لكنه ليس كافيا بالنسبة لصحيفة ليبرالية كي تتخلى عن ملاحقة الحقيقة. لذلك تأخر تقريرهم عن الأحداث أكثر من عشرة أيام وتلافوا ذلك بتقرير إخباري منقول من وكالة رويترز! تماما كما فعلت فايننشيال تايمز بتقرير وحيد ينقل معلومات مكررة.

يدرك الصحافيون والمراسلون بعد أن تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى مصدر لا يمكن الاستغناء عنه خصوصا في الأحداث الشعبية العارمة كما يحصل اليوم في احتجاجات المدن العراقية، أنهم أمام مسؤولية أخلاقية ومهنية لإيصال المعلومات وتفاصيل الأحداث، لكن قطع الإنترنت من قبل الحكومة العراقية عن المدن برمتها منعهم من الحصول على تفاصيل أكثر والاكتفاء بالمصادر الحكومية التي عادة ما تكون غير محايدة وتحجب الحقيقة التي تضرّ بها.

مع ذلك غابت الجرأة والمجازفة عن دور المراسلين الصحافيين في العراق، في حدث يستحق أن يكون فيه الصحافي مخلصا لقيمه عندما يتعلق الأمر بثورة شعبية كانت غالبية التحليلات تستبعدها وتصف العراقيين بالشعب الخاضع لسلطة الخرافة التي أشاعتها الأحزاب الطائفية الحاكمة.

مقولة كبير مراسلي هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” جيرمي بوين إثر التهديدات التي أشاعتها التنظيمات الإرهابية في بلدان الأحداث الساخنة “حتى الصحافيين الأكثر ميلا للمغامرة والأكثر جرأة يفكرون بجدية حول ما إذا كان العمل هناك يستحق المخاطرة” ليست صالحة في تغطية أحداث العراق الملتهبة اليوم.

ألا يجدر بالكاتب المخضرم باتريك كوبيرن أن يقول شيئا عن أحداث العراق وهو يتصدر المشهد الإعلامي البريطاني بوصفه المتخصص بشؤون الأحزاب الدينية في المنطقة العربية. أكثر مما كتبه قبل يومين من تقرير إخباري لا جديد فيه!

سبق وأن كلف كوبيرن نفسه عناء السفر إلى العراق قبل بضعة أشهر من أجل محاورة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، من أجل حقيقة غائبة ولم يحفل بغير ضريبة الكلام المجرد التي تعهد بها العبادي.

اليوم هذا الصحافي المخضرم في صحيفة الإندبندنت وذاك السياسي القابع في المنطقة الخضراء، أمام اختبار الحقيقة لجيل عراقي انفجر بوجهيهما ومازال باحثا عن وطن تحلل تحت وطأة الأحزاب الطائفية الحاكمة، لكنهما إلى حدّ الآن فشلا معا في إيجاد ولو مساحة ضئيلة في تاريخ الحقيقة.

فلا كوبيرن كلف نفسه البحث عما يجري هناك، ولا العبادي قادرا على دفع ضريبة ما ارتكبه مع الأحزاب الحاكمة في إعادة العراق إلى قرون الظلام.

سبق وأن كتب ماثيو باريس في صحيفة التايمز البريطانية ما يشبه الاعتراف عن جهل الغرب السياسي والإعلامي بالعالم العربي، لو تسنى لأي من صحافيي وسياسيي بريطانيا أو الولايات المتحدة الاطلاع على مقاله، لكان درسا لهم لا ينسى.

مازلت أترقب أن يحضر العراق في ما يكتب ماثيو الذي يعد مع ما يكتبه سايمون جينكينز في الغارديان، أفضل من يقاربان الحقيقة الغائبة في بلداننا المبتلاة بالظلم والتخلف وسطوة الدين والحرب والقمع والفساد والكرامات المهدورة.

لقد اعترف ماثيو باريس بعد أكثر من عقد من احتلال العراق، بأن الغرب أضاع الطريق إلى الشرق الأوسط، في سياسته الخارجية والعسكرية.

فاحتلال العراق لم يجلب الديمقراطية لهذا البلد كما زعم “سياسيونا وصحافتنا” بل أسفر وفق ماثيو باريس عن دولة فاشلة، لا تزال تمزقها النزاعات الطائفية.

مازالت الفكرة ناقصة، وتأتي دائما متأخرة، وغير جديرة بالوفاء، وغالبا ما تحدث ضررا، عند الجمهور الغربي عندما يتعلق الأمر بما يجري في العالم العربي. وأكثرها ضررا على الجمهور الغربي ما ينقل من تشويه وما يغيب عن أحداث العراق المتفاقمة.

الجهل بما يحدث في العالم العربي بالنسبة للصحافة الغربية لن ينتهي، إنها سلسلة متواصلة لسوء الحظ، ولن يقطعها تلاشي المسافات الطبيعية بالتواصل الرقمي. فحتى هذا ليس كافيا كي يولّد الإعلاميون في الغرب فكرة صحيحة عن العالم العربي.