سيدة الشاشة العربية..

"سينما فاتن حمامة" لن يمحى تاريخها

هدم "سينما فاتن حمامة" لن يمحي تاريخ سيدة الشاشة

هيثم الزبيدي

الآن صرت أعرف لماذا تكتفي هوليوود بوضع أسماء نجومها الكبار على ممر الشهرة. عالم الشهرة متقلب، ومن يكون شهيرا اليوم سيصبح نسيا منسيا بعد سنوات. يوضع الاسم بين حشد من 2500 نجمة مخصصة مسبقا، ويفرح صاحبها ويفرح معه الإعلام ويصوره وينتهي الأمر.

علينا أن نتخيل لو أن كل نجم في هوليوود لديه مبنى باسمه أو قاعة أو صالة عرض سينمائي. حتى لو تم حصر الأمر بكبار النجوم، فلن ينتهي الأمر. تسمية الأبنية بأسماء النجوم سيحولها إلى ما يشبه المعابد، لا يمكن أن تمس من دون إثارة ضجة.

ضجة مثل تلك التي نسمعها الآن عن هدم "سينما فاتن حمامة". سيدة الشاشة العربية تستحق كل تقدير، لا أحد يجادل بذلك. لكن هل هذا يعني أن صالة السينما التي تحمل اسمها شيء لا ينبغي أن يمس؟

السينما صناعة تحتضر في مصر. هي صناعة أخذت مجدها وأمتعت الملايين. ولكنها، مثل كل شيء آخر يتغير في عالمنا، تخضع لمنطق العرض والطلب. نجوم السينما الكبار أنفسهم بدأوا بهجرتها منذ سنوات طويلة وصاروا يتسابقون على الحضور على شاشات التلفزيون. فاتن حمامة نفسها كان آخر أدوارها هو مسلسل تلفزيوني.

اشتعلت الانتقادات لشروع صاحب السينما بهدم المبنى. دار العرض مغلقة منذ عام 2015 وأصحابها لا يعرفون ماذا يفعلون بها. الصحف تكتب عن الموضوع، والانتقادات لا تتوقف على صفحات الإعلام الاجتماعي. الدولة تقف عاجزة فآثرت الصمت.

من هم المنتقدون لهدم مبنى مغلق منذ سنوات؟ هم أنفسهم الذين لا يذهبون لمشاهدة الأفلام في دور العرض. هم أنفسهم الذين يجلسون أمام شاشات التلفزيون يستمتعون بتقنيات رقمية استثنائية، تحيل غرفة الجلوس إلى ما يشبه السينما. هم أنفسهم من تعلموا حيلة مشاهدة الأفلام، قديمها وجديدها، من على تطبيق يوتيوب ويستسهلون الأمر لأنه يحررهم من الذهاب إلى الصالة في مواعيد محددة (من ستة لتسعة مثلا)، ويوقفون عرض الفيلم لحين إجراء مكالمة هاتفية ليعودوا إليه ثانية. هم أنفسهم الذين يتسلون بمشاهدة الأفلام على هواتفهم في الشارع أو الحمام أو غرفة النوم.

هل السبب هو تقنية الإنترنت التي جعلت الأمر سهلا؟ لا بالطبع، فالقضية أقدم بعض الشيء. هل تذكرون كمية القرصنة التي اجتاحت صناعة السينما العالمية والمصرية؟ قبل توفر سرعات الإنترنت الحالية، كانت الاسطوانات الرقمية هي طريقة الجميع المفضلة لتجنب الذهاب إلى السينما، وتجنب دفع أثمان التذاكر لدخول السينما. قراصنة الأفلام ليس من حقهم البكاء على أطلال دور العرض.

البلاش صار هو عرف مشاهدة الأفلام، ولا يهم كيف سينعكس كل هذا على صناعة السينما إنتاجا وتمثيلا، أو على أصحاب صالات العرض ممن يرون أن شراء دور العرض من الدولة أو من أفراد آخرين، أو بناء مثل هذه الدور، كانت استثمارا خاسرا في صناعة لا أحد يريد أن يدعمها. حتى عندما تبادر الدولة وتسعى لدعم الأفلام، سيكون الحديث بصوت أعلى عن شبع البطن والخدمات البلدية المتراجعة. العيش/الخبز قبل الأفلام.

يهدم صاحب دار العرض المبنى وهو يتمنى لو كان لديه خيار آخر. من يريد أن يرتبط اسمه بهدم “سينما فاتن حمامة”؟